الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/11/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه التاسع ( تعارض الضررين بأنحائه الأخرى ) - تنبيهات قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية.

وأما الحالة الثالثة وهي أن يكون كلاهما حراماً: - فالقفص كان ثميناً وكسره حرام وكذلك الحيوان هو صاحب روح وبنينا على أنَّ قتله حرام، فحينئذٍ فلابد من ارتكاب أحد المحرّمين إما كسر القفص أو قتل الحيوان، ففي مثل هذه الحالة يلزمه أن يرتكب أقل القيمتين إذا كان أحدهما أقل قيمة ويضمن المسبِّب القيمة الأقل، نعم إذا كانت القيمة متساوية فهي قيمة واحدة فيضمن هذه القيمة الواحدة، أما إذا كان أحدهما أقل وكان يمكن علاج الموقف بكسر القفص مثلاً الذي هو قيمته أقل فلا يضمن الشخص المسبِّب إلا قيمة القفص التي هي أقل.

هذا كلُّه في الصورة الأولى يعني إذا دار الأمر بين ضررين في حق شخص واحدٍ.

الصورة الثانية: - وهي ما إذا دار الأمر بين ضررين في حق شخصين، كما لو فرض أنَّ مالك القفص ومالك الحيوان لم يكن شخصاً واحداً وإنما نفترض أنَّ الحيوان ملك لشخص والشيء الآخر ملك لشخصٍ آخر، فهما مملوكان لأجنبيين، ومثّل الفقهاء لهذه الصورة بمثالٍ قد لا يكون مناسباً ولكنه يوضّح الفكرة، وهو ما لو فرض وجود دابة هي ملك لإنسان ويوجد قدر هو ملك لإنسانٍ آخر فأدخل الحيوان رأسه في القدر ولم نتمكن اخراج رأسه امن القدر إلا بأحد أمرين إما كسر القدر أو قتل الحيوان، فهنا دار الأمر بين ضررين في حق المالكين، وهنا قسّم الفقهاء هذا إلى ثلاث صورة، فمرة يفترض أنَّ ذلك حصل بفعل أحد المالكين، ومرة نفترض أنَّ ذلك حصل بفعل إنسانٍ آخر، ومرة أنَّ الحيوان أدخل رأسه في القدر بعاملٍ خارجي طبيعي لا بعفل إنسانٍ أجنبي ولا بفعل أحد المالكين.

فإن كان دخول رأس الحيوان في القدر بفعل أحد المالكين كمالك الحيوان:- فالضامن هو صاحب الحيوان الذي أدخل رأس الحيوان في القدر، وهنا قال السيد الخوئي(قده)[1] نطبق قاعدة على اليد، لأنَّ هذا الشيء قد حصل بفعل صاحب الحيوان، فعلى صاحب الحيوان أن يردَّ القدر سالماً إلى صاحبه، ولا يكون ذلك إلا بقتل الحيوان مقدّمةً لإيصال ملك الغير - القدر - إلى صاحبه.

ويمكن التعليق على ما ذكره بأن نقول: - إنَّ هذا ليس مورد قاعدة اليد وإنما هو مورد قاعدة التسبيب، فإنَّ مالك الدابة سبَّب إلى تلف القدر مثلاً، فهو الذي سبَّب إلى إدخال رأس الحيوان إلى القدر فيكون هو الضامن من باب قاعدة التسبيب وليس من باب قاعدة على اليد، فنحن نقبل الضمان ولكن من باب قاعدة التسبيب لا من باب قاعدة على اليد.

وأما إذا كان دخول رأس الحيوان في القدر بفعل شخصٍ ثالث:- فقد ذكر السيد الخوئي(قده)[2] أنَّ الشخص الثالث الذي صنع هذا الفعل مخيّر في إتلاف أحدهما، فإن كسر رأس الحيوان فسوف يضمن مقدار ما حصل من نقصانٍ في الحيوان إلى مالكه، وإذا كسر القدر فسوف يضمن مقدار النقص الحاصل لصاحب القدر، بعد الالتفات إلى عدم إمكان التحفّظ على الاثنين معاً ولابد من إتلاف أحدهما، والتخيير يكون بيد الشخص الثالث الذي سبَّب دخول رأس الحيوان في القدر.


[1] مصباح الأصول، الخوئي، ج2، 653.
[2] مصباح الأصول، الخوئي، ج2، ص653.