الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/11/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه التاسع ( تعارض الضررين بأنحائه الأخرى ) - تنبيهات قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية.

أما من حيث الحكم التكليفي: - فقد افترضنا أنَّ الاثنين من قسم المباح، فكسر القفص وقتل الطير قد افترضنا أنههما مباحان، فمن حيث الحكم التكليفي لا مشكلة، فيمكن قتل الحيوان والتحفظ على القفص، ويمكن بالعكس.

وأما من حيث الحكم الوضعي أي الضمان:- فهو الذي فيه الكلام، كما لو أنَّ القفص والحيوان كلاهما كانا لمالكٍ واحدٍ ويوجد شخصٌ ثانٍ هو الذي صار سبباً لدخول الحيوان في القفص ولا يمكن اخراجه إلا بكسر القفص أو بقتل الحيوان، ففي مثل هذه الحالة إذا كانا متساويين من حيث القيمة فسوف يصير المالك مخيراً بين كسر القفص أو قتل الحيوان والرجوع بقيمة التالف منهما على المسبِّب، لأنها قيمة واحدة ولأنه صار سبباً لإتلاف أحدهما، وأما إذا كانت القيمة مختلفة كما لو كانت قيمة الحيوان أكثر من قيمة القفص، فإن ارتكب المالك كسر القفص وحافظ على الحيوان فلا إشكال أيضاً في رجوعه على المسبِّب بقيمة الأقل - أي قيمة القفص - من باب أنَّ الشخص الثاني هو الذي أوقع المالك في الخسارة، وأما إذا فرض أنه حافظ على القفص وقتل الحيوان فبأي قيمة يرجع على المسبِّب؟ يمكن أن يقال إنه يرجع على قيمة الأقل ضماناً وقيمةً وهو القفص، فإن الذي صار سبباً لدخول الحيوان في القفص صار سبباً لإتلاف أحدهما الصادق على الأقل قيمةً ولم يوقعه في ضمان الأكثر قيمة، فلماذا يضمن الأكثر قيمة؟!! بل هو يضمن قيمة الأقل قيمةً وهو القفص، وهذا واضح ما لو فرض أنَّ المالك كان يعلم بأنَّ قيمة الحيوان أكثر من قيمة القفص ورغم ذلك أقدم على قتل الحيوان، فهنا نقول إنَّ المسبِّب يضمن للمالك قيمة الأقل - وهو القفص - دون قيمة الحيوان التي هي أكثر، وأما إذا كان المالك جاهلاً بكون قيمة الحيوان أكثر من قيمة القفص وأقدم على قتل الحيوان بتخيّل أنه أقل قيمة ثم تبين أنه أكثر قيمة فماذا يضمن ذلك الشخص للمالك بعد أن فرض أن المالك أتلف الأكثر القيمة جهلاً منه؟ المناسب هو ضمان قيمة الأقل دون الأكثر، لأنَّ ذلك الشخص لم يوقعه في ضمان الأكثر وإنما المالك بسبب جهله هو الذي صار سبباً لتلف الأكثر، فالتعدي بإتلاف الزيادة جاء من المالك بسبب جهله لا أنَّ الشخص الثاني هو الذي أوقعه في ضمان الأكثر.

وأما الحالة الثانية: - كما لو كان كسر القفص جائزاً وقتل الحيوان حراماً ففي مثل هذه الحالة إذا ارتكب المالك المباح فكسر القفص لأجل نجاة الحيوان ضمن له المسبِّب قيمة القفص كما هو واضح، لأنه هو الذي صار سبباً لكسر القفص، وأما إذا أقدم المالك على قتل الحيوان والحال أنه بإمكانه أن يكسر القفص فهل يضمن المسبِّب قتل الحيوان للمالك؟ قد يقال:- إنَّ المسبِّب لا يضمن باعتبار أنَّ المناسب للمالك أن يقدم على كسر القفص لأنه مباح لا أن يقتل الحيوان، ولكنه أقدم باختياره على قتل الحيوان، والفروض أنَّ قتل الحيوان لم يصر الشخص الثاني سبباً لتفله، إذ يمكن تحقيق نجاته من خلال كسر القفص ولكن المالك لم يكسره وإنما قتل الحيوان الذي يحرم قتله، وقد يقال:- المناسب في مثل هذه الحالة عدم الضمان من قبل المسبِّب، لأنَّ المالك قد أقدم على قتل الحيوان باختياره وقد كان بالإمكان التوصل إلى المطلوب من خلال كسر القفص الذي هو مباح، فلا ضمان لقتل الحيوان، وبالتالي لا يضمن الشخص الآخر شيئاً لأنه لم يقدم على التسبيب لقتل الحيوان، وإنما الذي أقدم على قتله هو المالك باختياره.

ولكن في الجواب يمكن أن يقال: - هناك مقدار من القيمة قد سبَّب الشخص الثاني إلى إتلافها، نعم مقدار زيادة قيمة الحيوان على مقدار قيمة القفص هو لم يسبب إلى إتلافها ولكن القيمة المساوية هو قد سبَّب إلى إتلافها، فلو فرض أنَّ قيمة القفص كانت عشرة دنانير وكانت قيمة الحيوان اثنا عشر ديناراً فإذا أقدم المالك على قتل الحيوان فقد أتلف اثنا عشر ديناراً، وفي مثل هذه الحالة نقول إنَّ الشخص الثاني قد سبَّب إلى إتلاف مقدار عشرة دنانير على كلّ تقدير سواء كسر القفص أو قتل الحيوان، أما بمقدار الدينارين فهو لم يسبِّب إلى إتلافه وإنما ذلك نشأ من اختيار المالك، فخسارة الدينارين تكون على المالك لا على الشخص الثاني، فلا يضمن مقدار اثنا عشر ديناراً، وإنما هو سبب لإتلاف عشرة دنانير فيكون الضمان ثابتاً عليه بمقدار عشرة دنانير، وهذا هو المناسب والصحيح.