الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/11/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الثامن ( تعارض الضررين ) - تنبيهات قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية.

وهناك وجه رابع ذكره السيد الخوئي(قده) بعنوان تحقيق الحال[1] :- وحاصله إنَّ تطبيق لا ضرر في حق صاحب الدار الذي لازمه جواز حفره للبالوعة يلزم منه الاضرار بالجار، فيكون المورد من الضرار والاضرار بالجار، فيتعارض لا ضرر بلحاظ صاحب الدار مع لا ضرار في صالح الجار فيتساقطان، والنتيجة هي أن فقرة لا ضرر لا يمكن الاستفادة منها في المقام لحصول المعارضة بينها وبين فقرة لا ضرار.

وفي هذا المجال يمكن أن يقال: - إنَّ لا ضرر كما هي صالحة للجريان في حق صاحب الدار هي صالحة أيضاً للجريان في حق الجار، فهي قابلة لشمولهما معاً، فهي إذاً تشمل صاحب الدار وإذا شملته فالمناسب أنه يجوز له حفر البالوعة، كما أنها صالحه لشمولها للجار والمناسب حينئذٍ عدم جواز حفر البالوعة لأنه سوف يتضرر، فيحصل تعارض في نفس تطبيق فقرة لا ضرر بلحاظ مالك الدار والجار قبل أن تصل النوبة إلى فقرة لا ضرار، بل نفس لا ضرر لا يمكن التمسك بها في حدّ نفسه للتعارض الداخلي فيها لأنها صالحة لأن تشمل الاثنين معاً، فتتعارض في مقام التطبيق، فلا يمكن التمسك بها لا في حق صاحب الدار ولا في حق الجار، وبعد أن سقط تطبيقها عن الحجية والاعتبار يعود المجال مفتوحاً لفقرة لا ضرار وهي تخاطب شخصاً واحداً وليس شخصين، فهي تخاطب صاحب الدار وتقول له لا تضر جارك، أما الجار فهي لا تخاطبه لأنه لم يصدر منه إضرار وإنما الاضرار إذا كان موجوداً فهو حاصل من صاحب الدار، هكذا ينبغي أن يقال لا كما قال السيد الخوئي(قده).

وكل هذا الذي ذكرناه إنما هو تماشٍ مع طريق السيد الخوئي(قده)، ولكن يبقى ما أشرنا إليه سابقاً من أنَّه توجد سيرة في المقام بأنَّ لصاحب الدار الحق في حفر بالوعة أو ما شاكل ذلك ولكن بشرط أن يضمن جميع الأضرار التي تحصل في دار جاره، وحيث لا يحتمل أنَّ هذه السيرة جديدة ولا ردع عنها فيثبت بذلك الامضاء، وهذا شيء عقلائي قبل أن نطبقه على الموازين الشرعية، فإنَّ العقلاء حينما يُحكَّمون في هذه القضية فإنهم يحكمون بجواز هذه الأفعال مع ضمان الضرر الحاصل للجار، وعلى هذا الأساس نحكم بحسب النتيجة أنَّ لصاحب الدار حفر البالوعة - بغض النظر عن تعارض الضررين فإنَّ هذا كلاماً علمياً -، فمادام توجد سيرة بها الشكل والمفروض أنَّ على صاحب الدار عليه ضمان كل الأضرار التي تحصل للجار فيثبت حينئذٍ جواز حفر البالوعة لصاحب الدار وما شاكلها، ونعالج قضية الضررين بهذا الشكل من دون الدخول في مسألة تعارض الضررين والوجوه المتقدمة التي ذكرت، فإنَّ هذا كله لا تصل إليه النوبة مع وجود هذه السيرة، ولكن لم نجد الإشارة إلى هذه السيرة في كلمات الشيخ الأعظم(قده) ولا صاحب الكفاية(قده) ولا الكتب القديمة وكان من الجدير الاشارة إلى ذلك.


[1] مصباح الأصول، الخوئي، ج2، ص656.