42/11/02
الموضوع: - التنبيه الثامن ( تعارض الضررين ) - تنبيهات قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية.
الدليل الثالث[1] :- أن يقال إنَّ الشرع المقدَّس جزماً قد جعل حكماً شرعياً في مثل هذه الواقعة - كحفر مالك الدار بالوعة مع تضرر الجار - هو إما الحكم بالجواز أو الحكم بجعل الحرمة، فإن جُعِل جواز حفر البالوعة فسوف يلزم من ذلك الضرر على الجار، وإن فرض أنه قُدِّم الجار فالضرر سوف يصيب مالك الدار، وكلاهما ضرريان ومعه تتعارض لا ضرر الجارية في حق صاحب الدار مع لا ضرر الجارية في حق الجار، فلا يمكن تطبيقها، لأنَّ تقديم أحدهما على الأخرى ترجيح من دون مرجح، فيتساقطان ونرجع إلى الأصل في المرتبة المتأخرة وهو أصل البراءة في حق صاحب الدار.
ونحن نقول: - إنَّ ما ذكره تطويلٌ لا حاجة إليه، بل لابد أن يقول من البداية إنَّ لا ضرر في حق صاحب الدار معارضة بلا ضرر في حق الجار، فلا يمكن التمسك بلا ضرر في هذا المقام.
وقد يشكل مشكل ويقول: - إنَّ لا ضرر تنفي الأحكام الإلزامية دون الأحكام الترخيصية، ففي عالم التشريع كلّ حكمٍ يلزم من تشريعه الضرر يكون منفياً بقاعدة لا ضرر، وأما إذا كان الحكم ترخيصياً كما في موردنا - وهو الحكم بجواز حفر البالوعة لصاحب الدار - فلا يمكن تطبيق لا ضرر لنفيه.
وقد يقول قائل: - إنَّ هذا كلام وجيه ولكن لماذا قاعدة لا ضرر ترفع الحكم الإلزامي دون الحكم الترخيصي، فما هو التكييف الفنّي لذلك؟
والجواب: - إنَّ لا ضرر تنفي الضرر من زاوية التشريع، فإذا كان يلزم الضرر من جهة التشريع فهي سوف ترفعه، ومن المعلوم إذا كان الحكم هو الاباحة فالضرر هنا لم يأتِ من التشريع لأنَّ الشارع لم يُلزِم به، وإنما نشأ الضرر من اختيار المكلف لأنه هو الذي اختار هذا المباح، ولا ضرر لا تنفي الضرر الذي ينشأ من اختيار المكلف وإنما تنفي الضرر الذي ينشأ من الإلزام التشريعي، والمفروض أنَّ صاحب الدار مرخّصٌ في حفر البالوعة، فلا تشمله لا ضرر.