42/10/26
الموضوع: - التنبيه الثامن ( تعارض الضررين ) - تنبيهات قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية.
وأما الكلام في القضية الثانية وهي أنَّ الجار تطبَّق في حقه قاعدة لا ضرر لأنه سوف يتضرر من حفر البالوعة من قبل صاحب الدار، فلا ضرر تقف أمام ذلك فتصحل المعارضة وبعد المعارضة نرجع إلى أصل البراءة، ونحن هنا نريد أن نلاحظ هل تجري لا ضرر في حدَّ نفسها في حق الجار أو لا: - قد يشكل على جريانها في حق الجار بإشكالين: -
الاشكال الأول: - إنَّ لا ضرر امتنانية وإذا طبّقت على الجار فصحيح أنه سوف يحصل امتنان عليه ولكن سوف يحصل خلاف الامتنان في حق صاحب الدار الذي يريد حفر بالبالوعة لأنه سوف يتضرر آنذاك، فإذاً لا يمكن تطبيق قاعدة لا ضرر على الجار، وقاعدة لا ضرر امتنانية فلا يمكن تطبيقها في المقام.
ويردّه: -
أولاً: - لو سلّمنا أنَّ قاعدة لا ضرر امتنانية فهي امتنانية في مساحة ضيقة وليس في جميع المساحة، يعني أنها امتنانية بلحاظ من تجري في حقه، أما أنها امتنانية في جميع حق الناس فهذا لم يثبت، بل الثابت جزماً والقدر المتيقن هو أن لا يلزم خلاف الامتنان في حقّ من تجري بلحاظه، أما أنه يلزم أن لا تكون خلاف المنَّة في حق بقية الناس فلم يثبت أنها امتنانية بهذا العرض العريض.
هذا مضافاً إلى أنَّه لم يثبت من الأساس أنَّ قاعدة لا ضرر امتنانية، فإنه لا يوجد فيها تعبير يوحي بكونها امتنانية، ونحن نستفيد الامتنان من خلال التعبير، فمثلاً في حديث الرفع قد ورد:- (رفع عن أمتي تسعة أشياء ما لا يعلمون وما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه ...)، فهنا نستفيد الامتنان ولا نستطيع أن نطبّق هذه القاعدة إلا في مورد الامتنان ولابد أن لا يلزم من تطبيقها خلاف المنَّة، ونحن قد فهما أنَّ حديث الرفع امتناني من خلال التعبير الوارد فيه، وهو تعبير ( رفع ) وتعبير ( عن أمتي )، فمن هذين التعبيرين يمكن أن نستفيد عرفاً أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في مقام المنَّة ويريد أن يرفع تسعة أشياء عن الأمة المرحومة، ولكن حديث لا ضرر لا يوجد في تعابيره ما يوحي بالامتنان، فإنَّ التعبير الموجود فيه هو ( لا ضرر ولا ضرار )، وفي بعض الروايات توجد ضافة تعبير ( في الاسلام )، فلا يوجد فيه تعبير يوحي بالامتنان حتى نستفيد الامتنان منه، فاستفادة الامتنانية منه هي أوّل الكلام.
فإذاً لا يمكن أن يقال إنَّ حديث لا ضرر لا يمكن تطبيقه في حق الجار لأنه يلزم منه خلاف المنَّة في حق صاحب الدار الذي يريد حفر البالوعة لما أشرنا إليه.
ثانياً: - إنَّ لا ضرر كما يمكن تطبيقه في حق الجار يمكن تطبيقه في حق صاحب الدار أيضاً لأنه سوف يقع في ضرر إذا لم يحفر البالوعة، فتحصل المعارضة في تطبيق لا ضرر بين تطبيقها على الجار وتطبيقها على صاحب الدار وبالتالي لا يمكن أن نطبق حديث لا ضرر على الجار لا لمسألة الامتنانية وإنما لأجل المعارضة المذكورة.
وهذا ولكن الشيخ النائيني(قده) ناقش في الجواب الثاني وقال: - إنه لا يمكن أن تقع المعارضة في مقام تطبيق لا ضرر على الجار وصاحب الدار لأنه يلزم من ذلك ثبوت الحكم وعدم ثبوته، يعني أنَّ لا ضرر إذا جرت في حق الجار فلازم جريانها أنَّ صاحب الدار لا له حق في حفر البالوعة أنه سوف يلزم الضرر على الجار، فإن قلنا إنَّ لا ضرر في حق الجار تعارض بتطبيقها على صاحب الدار فلازم ذلك أنَّ صاحب الدار له الحق في حفر البالوعة ولذلك طبّقت لا ضرر في حقه، والنتيجة من كل هذا أنَّ صاحب الدار له الحق في حفر البالوعة وأيضاً ليس له الحق في حفرها، وهذا غير ممكن لأنه يلزم من تطبيقها اجتماع المتناقضين.