42/10/24
الموضوع: - التنبيه الثامن ( تعارض الضررين ) - تنبيهات قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية.
وحاول الشيخ العراقي(قده) أنَّ يناقش بمناقشة أخرى وحاصل ما ذكره:- إنَّ قاعدة السلطنة كما تجري في حق صاحب الدار في أن يتصرف في داره بحفر البالوعة كذلك تجري للجار في الحفاظ سلامة داره، فلا يمكن تطبيق قاعدة السلطنة للمعارضة، قال:- ( نعم لو تمكن مالك الجدار من حفظ جداره بإبقاء استحكامه بتعمير وغيره أمكن أن يقال إن سلطنته على حفظ جداره لا تقتضي منع غيره عن التصرف في داره ). [1]
والجواب: - إنَّ هذا ليس من موارد قاعدة السلطنة، فإنَّ المقصود من قاعدة السلطنة ما إذا كانت عندي عباءة مثلاً وأعطيها لشخصٍ أو أهدم جداراً من داري أو ما شاكل ذلك، يعني إذا أردت أن أجري عملية هدم وتخريب وما شاكل ذلك فهنا تأتي قاعدة السلطنة وتقول أنت مسلط على ذلك، أما إذا أردت أن أحافظ على عباءتي من التلف وذلك بوضعها في صندوق فهنا لا معنى للسلطنة، إنما السلطنة تكون في موارد اتلاف الشيء لا في موارد التحفّظ عليه، فإنه لا معنى لكون الانسان مسلّطاً على التحفّظ على الشيء، فإنَّ مدرك قاعدة السلطنة هو السيرة العقلائية والسيرة العقلائية تقول أنت مسلَّط على أن تتلف مالك بأن تعطيه لشخصٍ آخر مثلاً أو ما شاكل ذلك، لا أنك تحافظ عليه، فهذا المورد - أي الحفاظ على الجدار من الهدم - ليس من موارد السلطنة حتى تقول إنَّ هذه السلطنة تعارض تلك السلطنة، فإذاً هذا الجواب ليس بتام.
والخلاصة من كل هذا: - اتضح أنَّ صاحب الدار ليس له حق السلطنة على حفر البالوعة في داره مع تضرر الجار لما أشرنا إليه من الاشكالات الثلاث المتقدمة غير إشكال الشيخ العراقي(قده)، وكيفينا الاشكال الأول وهو أنَّ القدر المتيقن من السلطنة هو ما إذا فرض أن الانسان يتصرف في ماله من دون أن يؤذي غيره أما إذا كان مؤذياً لغيره فنشك في ثبوت السلطنة له، فإذاً لا يمكن التمسك بقاعدة السلطنة لحفر البالوعة.
ولكن صحيح أنه لا يمكن التمسك بقاعدة السلطنة ولكن يوجد شيء بديل عن قاعدة السلطنة يمكن الاستعانة به: - وهو أصل البراءة، فنحن نشك هل يجوز لنا حفر البالوعة إذا كانت تؤذي الغير أو لا فنجري أصل البراءة عن الحرمة.
وهذا شيء فنّي وهو لا بأس به ولكن هناك شيء أحسن من أصل البراءة: - وهو التمسك بالسيرة فإذا احتاج الانسان إلى حفر بالوعة في دارة فقد جرت السيرة على جواز ذلك، وإذا فرض أنَّ البالوعة تضر جاره فالسيرة جاري على أنه على صاحب الدار أن يحكم جدار جاره، فالسيرة جارية على جواز حفر البالوعة ولكن عليه ضمان ما يصيب جاره، فإذاً تكفينا نفس السيرة على ذلك، والناس الآن يحفرن والجار ليس له حق الممانعة، نعم له حق المطالبة بتعمير خراب جدار داره.
إن قلت: - إنَّ هذه سيرة حادثة، والسيرة الحجة هي ما كانت كاشفة عن موافقة المعصوم عليه السلام، فلابد أن تكون هذه السيرة ثابتة في زمن المعصوم عليه السلام ولا يكفي وجودها الآن.
قلت: - إنَّ هذه السيرة ليست سيرة جديدة، فإنَّ الاحتياج إلى حفر بالواعة أو ما شاكل ذلك قضية ابتلائية على مرَّ الزمان وليست طارئة على زماننا هذا بالخصوص، فلا يمكن أن يقال هي سيرة مستحدثة، وحيث لم يرد ردع عنها فيدل ذلك على الامضاء، وهذا طريق علمي متين يمكن الاستعانة به للتعويض عن كل المشاكل التي نواجهها من تطيق لا ضرر.
فإذاً اتضح أنه يمكن اثبات جواز حفر البالوعة بما ذكرناه من دليل من دون إشكال ولكن عليه أوّلاً أن يُحكِم جدار جاره.