42/10/23
الموضوع: - التنبيه الثامن ( تعارض الضررين ) - تنبيهات قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية.
أما الحالة الأولى[1] :- فيمكن أن ينسب إلى المشهور الجواز، بل حكى الشيخ الأعظم(قده)[2] عن ثلاثة من الأعلام - الطوسي والحلبي وابن زهرة - دعوى الوفاق على ذلك.
ونقل الشيخ الأعظم(قده)[3] عن صاحب الذخيرة السبزواري مناقشةً للحكم بالجواز حيث قال:- إنه يمكن أن نناقش الحكم بالجواز فإنه توجد معارضة بين قاعدة السلطنة في حق صاحب الدار وبين قاعدة لا ضرر في حق الجار.
ورد صاحب الرياض(قده) على السبزواري(قده) وقال: - صحيح أنه توجد معارضة بين قاعدة السلطنة وبين قاعدة لا ضرر، فإنَّ قاعدة السلطنة في صالح صاحب الدار فإنها تقول لصاحب الدار لك حق السلطنة على دارك في حفر البالوعة وبين قاعدة لا ضرر حيث يلزم تضرر الجار، ولكنهما يتساقطان ونرجع إلى أصل البراءة من حرمة حفر البالوعة.
فالسبزواري(قده) لم يعالج المشكلة بشكل تام.
إذاً المسألة ليست صافية من حيث كلمات الأعلام.
وفي توضيح الحال نقول: - الكلام تارة يقع في قاعدة السلطنة وهل تجري في المقام أو لا، وأخرى في أنَّ قاعدة لا ضرر هل تجري في حق الجار أو لا؟
أما بالنسبة إلى قاعدة السلطنة: - فقد يناقش تطبيقها في المقام بثلاث مناقشات: -
الأولى: - إنَّ قاعدة السلطنة ليس لها مدرك لفظي صحيح وإنما مدركها الارتكاز والسيرة العقلائية الممضاة، فإنه يوجد سيرة أو ارتكاز عقلائي على أنَّ كل إنسان مسلّط على أمواله، فله الحق في أن يتصرف فيها كيف يشاء، فالمدرك لذلك ليس هو قاعدة السلطنة وإنما هو الارتكاز العقلائي أو السيرة العقلائية الممضاة، فقاعدة السلطنة ثباتة في الأذهان وحيث لا ردع عنها فيثبت بذلك الامضاء، والقدر المتيقن من الارتكاز العقلائي أو السيرة العقلائية المذكورين هو حالة ما إذا لم يلزم من تصرف الانسان بماله تضرر الآخرين، أما إذا لزم تضرر الآخرين فليس من المعلوم وجود ارتكازٍ على جواز ذلك، فإذاً القدر المتيقن من قاعدة السلطنة هو ما إذا لم يلزم الاضرار بالآخرين، أما إذا لزم الاضرار بهم فلا يوجد مثل هكذا ارتكاز أو سيرة عقلائية، فهي دليل لبّي والأدلة اللّبية يقتصر فيها في مورد الشك على القدر المتيقن.
الثانية: - إنَّ غاية ما تفيده قاعدة السلطنة هو أنك أيها المالك إذا ثبت في حقك جواز التصرف فحينئذٍ ليس من حق الآخرين منعك في ان تتصرف في أموالك، كما لو كان الشخص يملك سيارة وأراد أن يغير لونها فلا حق لأحد أن يمنعه من ذلك، فالأشياء الجائزة لا حق للغير في أن يمنع صاحبها من التصرف فيها، أو كما إذا كانت عند المرأة أموالاً فلا يحق لزوجها منعها من التصرف فيها.
فإذاً هنا مورد تطبيق قاعدة السلطنة، وهو ما إذا كان التصرف مشروعاً في حدّ نفسه في حق الشخص - المالك مثلاً - فهنا هو حرّ في التصرف في أمواله وليس من حق الآخرين منعه، وفي مقامنا نقول:- إذا أراد مالك الدار أن يحفر بالوعة في داره ويلزم منها تضرر الجار فنحن من البداية نشك في ثبوت الجواز في حقه، وفي مثله لا تجري قاعدة السلطنة، لأننا قلنا إنَّ قاعدة السلطنة تجري إذا كان هناك حكم جزمي بجواز التصرف، وأين هذا من مقامنا، فنحن هنا نشك في أصل الشرعية والجواز لصاحب الدار، فإذا كان الأمر كذلك فلا مجال لتطبيق قاعدة السلطنة.
ثالثاً: - يمكن أن يقال حتى لو سلّمنا تمامية مدرك قاعدة السلطنة ولو بلسان ( الناس مسلّطون على أموالهم ) ولكن مع ذلك لا تنفعنا في المورد، لأنَّ هذا الحديث يثبت أنَّ الناس مسلّطون على أموالهم من حيثية كونه مالكاً وفي دائرة كونه مالكاً، فأنت أيها الانسان مسلّط على التصرف فيه، أما في الدائرة الأكبر وهي أن يلزم من التصرف في ماله تضرر الجار فهنا من غير الواضح أنها تدل على كونه مسلّطاً على التصرف فيه، إذ ليس من المعلوم وجود اطلاق للقاعدة يشمل حتى حالة تضرر الجار وإنما يشك في ثبوت ذلك، بل أقصى ما يثبت هو الاطلاق من حيث أنه مالك، أما من حيث أنه يلزم أموراً أخرى خارجية كتضرر الجار فـ ( الناس مسلطون على أموالهم ) ليس له اطلاق يشمل ذلك وليس في مقام البيان من هذه الناحية، وإنما هو في مقام البيان من ناحية التصرفات المرتبطة بصاحب المال والتي تضرّ الغير فهو حرّ فيها ولا يتوقف تصرفه على شيء، أما التصرفات التي فيها تعدٍّ وتجاوزٍ على الآخرين فلا يوجد اطلاق لقاعدة السلطنة شامل لها حتى لو أخذنا بمدركها اللفظي، فضلاً عمّا إذا كان مدركها الارتكاز العقلائي فإنه لا إطلاق والقدر المتيقن هو ما إذا لم يلزم تضرر الغير.