الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/10/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه السابع ( لماذا يقدَّم حديث لا ضرر على أدلة الأحكام الأولية ) - تنبيهات قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية.

الاشكال الثالث: - إنَّ من جملة الأدلة الحاكمة والمتفق عليها على الأدلة الأولية هو حديث ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون )، فكل دليل مادمت لا تعلم به فهو مرفوع، فيصير حديث الرفع حاكماً، ولازم ذلك أن لا نفسّر الحكومة بالنظر إلى دليلٍ لأنَّ المفروض أنه لا يوجد دليل، لأنّ حديث الرفع يفترض عدم وجود الدليل فهو يقول ( رفع ما لا يعلمون ) يعني لا يوجد دليل آخر، فإذا لم يكن الدليل الآخر موجوداً فلا معنى لتفسير الحكومة بالنظر إذ النظر يكون إلى ماذا؟!!

والجواب:- إنَّ حديث الرفع قال ( رفع ما لا يعلمون ) ولم يقل ( رفع ما ليس بموجود وليس بثابت وليس بمشرَّع )، وما لا يعلمون لا يعني أنه ليس بثابت وإنما هو ثابت وموجود ولكن المكلف لا يعلم بثبوته إما لأجل أنه ضاع عنه أو أنَّ الكتب الموجود فيها قد تلتف أو لقصور اطلاع المكلف لا أنه ليس بثابتٍ حتى تقول ( إذا لم يكن ثابتاً فإذاً لا يمكن تفسير الحكومة بالنظر لأنه لا يوجد منظور إليه )، بل الحديث قال ( رفع ما لا يعلمون ) يعني أنَّ الحكم الذي لا يُعلم به، فالحكم ثابت ولكن المكلف لا يعلم به فيكون مرفوعاً، فهو ناظر إلى الدليل الموجود ولكن المكلف لا يعلم به، فإذاً النظر موجود.

وبالمناسبة نقول شيئاً: - وهو أنَّ هذا الحديث خاص برفع ما لا يعلمون يعني الموجود الثابت في مجامع الحديث ولكن المكلف لا يعلم به ولو بسبب ضياعه وتلف قسم من الكتب أما غير الموجود وليس بثابت لا أننا نحن لا نعلم به فكيف نثبت أنه مرفوع؟ والجواب إنه مرفوع بالأولوية، لأنَّ الثابت إذا كان المكلف لا يعلم به كان مرفوعاً فكيف إذا لم يكن ثابتاً من الأساس فإنَّ هذا مرفوع بالأولوية.

هذا كله بالنسبة إلى تفسير الحكومة بالنظر وسوف نخرج بهذه النتيجة: - وهي أنَّ المناسب هو أنَّ الحكومة والحاكم والدليل الناظر عبارة عن النظر ولا نحتاج إلى التفتيش عن نكتةٍ أخرى لتقديم الحاكم على المحكوم سوى النظر، فالنظر حكومة وحاكم وهو أيضاً سببٌ التقديم، هذا كله في المقام الأول، لأننا قلنا إنَّ المقام الأول ما هو وجه تفسير الحكومة ووجه تقدم الحاكم، وهذا كلام كبروي.

أما الجهة الثانية[1] : - فالظاهر أنَّ ذلك واضح، فإنه كيف نفسّر جملة ( لا ضرر )؟ إنَّ هذه المسألة مرت في بداية بحث لا ضرر وقد نقلنا في تفسير لا ضرر أقوالاً من جملتها ما ذهب إليه الشيخ الأعظم(قده) من أنَّ لا ضرر ناظر إلى الحكم يعني لا حكم ضرري، وهذا هو المعنى المتبادر، وهو ما انتهينا إليه سابقاً، فلا ضرر المقصود به النظر إلى الحكم وأنه لا حكم ضرري، فإذا صار هذا هو المقصود من لا ضرر فحينئذٍ يكون لا ضرر ناظراً إلى جميع الأحكام الشرعية ويقول هذا الحكم لا ثبت في صورة الضرر وذاك الحكم لا ثبت في حالة الضرر .... وهكذا، فهو إذاً يدل على أنَّ كل حكم من الأحكام لا يثبت في حالة الضرر إلا ما خرج بالدليل كوجوب الصلاة مثلاً، وحينئّذٍ يكون تطبيق لا ضرر على الأدلة الأوّلية يكون واضحاً ولا يحتاج إلى بيان بعد أن لنتفت إلى أنَّ لا ضرر قد فسّرنا في بداية البحث عن لا ضرر بأنَّ المقصود منه نفي الحكم الضرري أي لا حكم ضرري أو لا حكم يستوجب الضرر، فبعد أن فسرناه بهذا المعنى فسوف يكون ناظراً إلى أدلة الأحكام الأوّلية ويقول إنَّ تلك الأحكام الأوّلية المشرّعة لا يوجد حكم منها ثابت في حالة الضرر، وهذا هو النظر والحكومة، فتطبيق فكرة الحكومة - ومعنى الحكومة - على الأدلة الأوّلية يصير واضحاً بعد الالتفات إلى أنا قد فسرّنا لا ضرر بنفي الحكم الضرري، فبعد أن فسرّناه بهذا المعنى يكون النظر إلى الأدلة الأوّلية واضحاً حينئذٍ.


[1] وهي كيفية تطبيق فكرة حكومة لا ضرر على الأدلة الأولية، يعني كيف تثبت أنَّ حديث لا ضرر ناظراً إلى الأدلة الأوّلية حتى يصير حاكماً؟.