42/10/16
الموضوع: - التنبيه السابع ( لماذا يقدَّم حديث لا ضرر على أدلة الأحكام الأولية ) - تنبيهات قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية.
ويرد عليه: -
أولاً: - إنك أردت أن تجمع بين الدليلين بجمع عرفي فجمعت بما أشرت إليه، أي بحمل الدليل الأولي على الحكم الاقتضائي وحملت لا ضرر على الحكم الفعلي، والحال أنه يوجد جمع عرفي آخر يمكن المصير إليه، فلماذا لم تصر إليه ولم تشر إليه، وهو أن نقول إنَّ كلا الحكمين فعليان ولكن فعلية الحكم الأوّلي تختص بحالة عدم الضرر أما فعلية لا ضرر تختص بحالة الضرر، وهذا الجمع أولى مما ذكره، أو لا أقل هو وجه آخر للجمع، لأننا أبقينا الاثنين على الحكم الفعلي ولكن الحكم الأوّلي كوجوب الوضوء فعليٌّ في حالة عدم الضرر أما في حالة الضرر فهو شيء آخر - أي ليس هو وجوب الوضوء -، وهذا وجه ثانٍ مضافاً إلى أنه أولى، لأننا حافظنا على الفعلية في الحكمين فصار عندنا تخصيص، فخصّصنا لا ضرر بحالة الضرر فدليل وجوب الوضوء الأولي نخصصه بحالة عدم الضرر أما حالة الضرر يكون الحكم الفعلي شيء آخر غير الوضوء، فلماذا رجحت ذاك الجمع مع وجود هذا؟، ولا أقل لابد أن يذكر هذا الجمع كاحتمال، بل هو أرجح مما ذكره لأننا حافظنا على الفعلية وظاهر كل دليل أنه ناظر إلى الحكم الفعلي فيكون الجمع الثاني أوّلى، فكان من الوجيه أن يذكره ولا مرجح لما ذكره من جواب بعد وجود هذا الجواب الثاني.
ثانياً:- إنك قلت إنَّ دليل الحكم الأولي - كدليل وجوب الوضوء - يكون فعلياً في حالة عدم الضرر أما في حالة الضرر يكون اقتضائياً - يعني أنه يجمع بين الفعلية الاقتضائية فدليل وجوب الاثنين ناظر إلى الاثنين معاً فدليل وجوب الوضوء يقول أنا فعلي في حالة عدم الضرر واقتضائي في حالة الضرر - والحال أنَّ دليل الحكم الواحد لا يدل إلا على حكمٍ واحد ولا يدل على شيئين، فكون دليل الوضوء الذي يقول ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم﴾ هو بيانٌ للحكم الفعلي وبيانٌ للحكم الاقتضائي ليس أمراً عرفياً وهو خالف للظاهر جداً، فنحن لا نريد أن نقول إنَّ هذا استعمال في معنين في آنٍ واحد فإنه وإن كنّا نقول بإمكانه ولكن لا يصار إليه إلا بقرينة وهي مفقودة.
ثالثاً: - إنك قلت إنَّ دليل الحكم الأوّلي في حالة الضرر يحمل على الحكم الاقتضائي يعني أنَّ وجوب الوضوء فيه مصلحة، ولكن نقول: - وهل تحتمل أنَّ آية الوضوء جاءت لبيان وجود المصلحة في الوضوء وتقول يا أيها الناس توجد مصلحة في وجوب الوضوء؟!! إنَّ هذا لا معنى له.
الوجه السادس: - الحكومة، وقد تمسك الشيخ الأنصاري (قده) في تقديم لا ضرر على الأدلة الأوّلية بفكرة الحكومة، وفكرة الحكومة أو النظر مع فكرة الورود من الأفكار الأصولية الرائعة، فنقول إنَّ هذا الدليل مقدّم على الدليل الآخر بالحكومة يعني بالنظر، فتوجد عندنا أدلة كوجوب ردّ السلام وحرمة قطيعة الرحم وغير ذلك، ويوجد عندنا دليل لا ضرر، فنقول إنَّ دليل لا ضرر مقدّمٌ على تلك الأدلة بالحكومة، يعني هو ناظر إلى تلك الأحكام ويقول إنَّ تلك الأحكام متى ما سببت الضرر للمكلف فهي مرفوعة وتختص بحالة عدم الضرر، هكذا يراد أن يقال، وواقع الحكومة هي التخصيص ولكنه تخصيص بشكلٍ آخر، أي هي تخصيصٌ من خلال النظر، بخلاف ( أكرم كل فقير ) و( لا تكرم الفقير الفاسق ) فإنه لا يوجد نظر هنا، فإنَّ ( لا تكرم الفقير الفاسق ) ليس ناظراً إلى ( أكرم كل فقير ) بل حتى لو لم يكن ( أكرم كل فقير ) موجوداً فيمكن أن يأتي ( لا تكرم الفقير الفاسق ) بنفسه، أما مجيء ( لا ضرر ) من دون مجيء أدلة الأحكام الأوّلية سوف يكون لغواً، فإذاً وجود لا ضرر فرع وجود الأدلة الأوّلية كي ينظر إليها ويقول إنَّ تلك الأدلة الأوّلية هي ثابتة في حالة الضرر، وهذا النظر هو الحكومة.
ومصطلح الحكومة والورود موجودان قبل الشيخ الأعظم(قده)، فقد جاء ذلك في الجواهر ولكن صاحب الجواهر مرَّ عليه مروراً ولم يوضحه، وقد ذكر ذلك في موارد متعددة من الجواهر [1] [2] [3] ، ولكن الشيخ الأعظم(قده) بيّن هذين المصلحين، وهذه قضية مهمة، فإنَّ ذكر المصطلح وحده من دون بيانٍ لمعناه لا يمكن الانتفاع به، وقد ذكر هذين المصطلحين في موردين، فمرة ذكره في قاعدة لا ضرر وأخرى في باب التعارض، قال في باب التعارض:- ( وضابط الحكومة أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي متعرضاً لحال الدليل الآخر ورافعاً للحكم الثابت بالدليل الآخر عن بعض أفراد موضوعه فيكون مبيناً لمقدار مدلوله لبيان حاله متفرعاً عليه. وميزان ذلك أن يكون بحيث لو فرض عدم ورود ذلك الدليل لكان هذا الدليل لغواً خالياً عن المورد نظير الدليل الدال على أنه لا حكم للشك في النافلة أو مع كثرة الشك أو مع حفظ الامام أو المأموم أو بعد الفراغ عن العمل .... والفرق بينه بين التخصيص إنَّ كون المخصص بياناً لعام إنما هو بحكم العقل الحاكم بعدم جواز إرادة العموم مع العمل بالخاص وهذا بيانٌ بلفظه مفسّر للمراد من العام فهو تخصيص في المعنى بعبارة التفسير ) [4] كما ذكر ذلك في قاعدة لا ضرر[5] ، وفي كلتا العبارتين اللتين ذكرهما نوع من التقارب والاتحاد في الروح.