الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/10/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه السابع ( لماذا يقدم حديث لا ضرر على أدلة الأحكام الأولية ) - تنبيهات قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية.

الوجه الخامس: - وهو لصاحب الكفاية، وهو التمسك بفكرة الجمع العرفي، بمعنى أنَّ مقتضى الجمع العرفي هو تقدّم لا ضرر على أدلة الأحكام الأولية، ببيان أنَّ الفقيه حينما يواجه دليل الحكم الأولي الذي يقول إنَّ هذا الشيء واجب أو حرام ولكن في الأثناء توجد قاعدة لا ضرر، ففي مثل هذه الحالة يحمل الفقيه لا ضرر على الحكم الفعلي ويحمل الأدلة الأوّلية على الحكم الاقتضائي، فمثلاً نقول إنَّ حلق اللحية مثلاً حرام بحرمة اقتضائية، ومعنى الحرمة الاقتضائية يعني لو لم يوجب عدم الحلق ضرراً، أما إذا كان يوجب الضرر فسوف يحمل دليل حرمة حلق اللحية على الحكم الاقتضائي يعني هي حرام لو لم يمنع مانع من إبقاء اللحية، أما لا ضرر فيحمل على الحكم الفعلي، هكذا يجمع العرف بين الدليلين، وبالتالي إذا اجتمعت لا ضرر مع الحكم الأوّلي تكون هي المقدّمة دائماً من باب أنها ناظرة إلى الحكم الفعلي، أما الحكم الأوّلي فلا يعمل به من باب أنه محمول على الحكم الاقتضائي، أي هناك اقتضاء للحرمة إذا لم يمنع مانع فإذا كان هناك ضرر فسوف يكون مانعاً، قال:- ( ومن هنا لا تلاحظ النسبة بين أدلة نفيه وأدلة الأحكام وتقدّم أدلته على أدلتها مع أنها عموم من وجه حيث إنه يوفق بينهما عرفاً بأنَّ الثابت للعناوين الأوّلية اقتضائي يمنع عنه فعلاً ما عرض عليها من عنوان الضرر بأدلته كما هو الحال في التوفيق بين سائر الأدلة المثبتة أو النافية لحكم الأفعال بعناوينها الثانوية والأدلة المتكفلة لحكمها بعناوينها الأولية ... هذا ولو لم نقل بحكومة دليله على دليله لعدم ثبوت نظره إلى مدلوله كما قيل ).[1]

ومن الغريب أنَّ الشيخ الخراساني(قده) رغم أنَّ له حاشيةً على الرسائل لكنه لم يذكر فكرة الحكومة في الكفاية وأنَّ لا ضرر تتقدم على أدلة الأحكام الأوّلية من باب الحكومة والحال أنَّ أستاذه الشيخ الأعظم (قده) قد ذكرها في الرسائل، فكان من المناسب له أن يذكرها في الكفاية مع التعليق عليها.

ولعل الشيخ الخراساني(قده) لم يصر إلى فكرة الحكومة لأنه تصوّر أنَّ الحكومة تختص بما إذا كانت كلمة ( أعني ) موجودة في لسان الدليل، فإن كانت كلمة ( أعني ) موجودة فالدليل الذي يشتمل عليها يصير حاكماً أما إذا لم تكن موجودة فلا يصير حاكماً، ومن الواضح أنه إذا كانت كلمة ( أعني ) موجودة في الدليل الحاكم فسوف تصير الحكومة أوضح، ولكن الحكومة ليست منحصرة بذلك، ومن أمثلة الموارد التي لا توجد فيها كلمة ( أعني ) ما وراه عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( سألته عن رجل لم يدر ركعتين صلى أم ثلاثاً؟ قال:- يعيد، قلت:- أليس يقال "لا يعيد الصلاة فقيه"؟ فقال:- إنما ذلك في الثلاث والأربع ) ، [2] يعني أنَّ هذا الحكم يختص بالركعة الثالثة والرابعة وهذه هي الحكومة، فكلمة ( إنما ) هي بمثابة كلمة ( أعني ) ولكن لسان الرواية لسان الحكومة كما هو واضح لأنها تبيّن أنه إنما لا يعيد الصلاة فقيه في غير فرض الله عزّ وجل الذي هو الركعتان الأوليان فإنه في فرض الله تبطل الصلاة بمجرّد الشك، نعم في الركعة الثالثة والرابعة لا يعيد الصلاة فقيه ولابد من تدبيرها بشكلٍ وآخر.

فالذي نريد أن نقوله هو أنه لعلَّ صاحب الكفاية تصوّر أنَّ الحكومة تختص بما إذا كانت كلمة ( أعني ) أو ما شاكلها - مثل كلمة ( إنما ذلك ) - موجودة في الدليل، ولكن هذا لا معنى له.


[1] كفاية الأصول، الآخوند الخراساني، ج1، ص382.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص215، أبواب الخلل في الصلاة، باب9، ح3، ط آل البيت.