42/08/16
الموضوع: - التنبيه السادس ( هل حديث لا ضرر يختص برفع الضرر المعلوم أو الأعم )- تنبيهات قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية.
إشكال وجواب: -أما الاشكال: - فهو أنه قد اتضح مما سبق أنَّ من أقدم على الضرر في المعاملة لا يشمله حديث لا ضرر لأنه امتناني وهذا المقدم لا يليق بالامتنان، وقد يشكل ويقال: - إذا فرض أن المكلف أراد أن يجنب نفسه وهو يعلم أنَّ الماء يضره فهنا هو قد أقدم على الضرر فهنا لو دخل وقت الصلاة فهل يشمله حديث لا ضرر حتى ينتقل إلى التيمم أو أنه لا يشمله لأنه أقدم على الضرر؟ مقتضى ما ذكرناه في المعاملة الغبنية أنه إذا كان عالماً بالغبن فلا يشمله الحديث لأنه أقدم على الضرر فهنا لابد ان نقول ايضاً لا يشمله الحديث فيجب عليه الاغسال والحال أنه لا يلتزم فقيه بذلك حيث قالوا من أجنب فإن تمكن من الماء وجب عليه الغسل وإلا تيمم وإن أقدم على الجنابة ولم يتوقف أي فقيه في هذا الحكم، ولكن نقول أوليس هذا تنافياً بين الموردين، إذ كيف لم تطبق حديث لا ضرر في باب الغبن لأنه الطرف أقدم على الضرر بينما هنا تطبق قاعدة لا ضرر عليه رغم أنه هو أقدم باختياره على الجنابة فما هو الفارق بين الموردين؟
والجواب: -أولاً: - أن يقال إنَّ هذا المكلف لم يقدم على الضر وإنما هو أقدم على الجنابة أما الإقدام على الغسل بالماء البارد فهو لم يقدم عليه، وإنما الغسل حكم شرعي يترتب عليه، وربما لا يعلم المكلف بأنَّ الماء بارداً بل كان يظن أنه دافئ، أو أنه يعلم بذلك ولكن الغسل الآن لم يكن في ذهنه وإنما هو أقدم على الجنابة، فالإقدام هو إقدامٌ على الجنابة وليس إقداماً على الغسل بالماء البارد حتى تقول هو قد أقدم على الضرر، فهو لم يقدم على الضرر، فإنَّ الإقدام على الجنابة ليس إقداماً على الضرر، نعم الإقدام على الضرر يتحقق بالإقدام على الغسل بالماء البارد، ولكن المكلف أصلاً ليس الغسل في ذهنه وإنما هو أجنب لأجل إشباع حاجته، فإقدامه كان على الجنابة وليس مقدماً على الضرر، ولذلك حينما تسأله وتقول له هل أنت أقدمت على الغسل بالماء البارد فسوف يرفض ذلك منك ويقول إنما أنا أقدمت على الجنابة، أو يقول أفترض أني لا أريد أن اغتسل، أو يقول افترض أني أريد الاغتسال ولكن إقدامي ليس على الغسل وإنما على الجنابة، فإذاً هذا المكلف هو مقدِم على الجنابة وليس مقدماً على الغسل بالماء البارد، فإذاً هو ليس مقدماً على الضرر.
ثانياً: - لنفترض أنَّ لا ضرر لا تشمله، ولكن يوجد طريق آخر يثبت لنا جواز التيمم حتى لمثل هذا المكلف - المقدِم على الجنابة باختياره - وهو قوله تعالى:- ﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم ... وإن كنتم جنباً فاطّهّروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً ﴾[1] ، فالآية الكريمة قالت في البداية إذا قمتم إلى الصلاة فتوضأوا، وأما إذا كنتم جنباً فاغتسلوا، وإذا كنتم مرضى ولا تستطيعون الوضوء أو لامستم النساء ولا تستطيعون الغسل فتيمموا صعيداً طيباً، فالآية الكريمة تدل بوضوح على أنَّ المريض إذا كان جنباً عليه أن يتيمم من دون حاجة إلى تطبيق حديث لا ضرر.
إن قلت: - نحن نريد أوسع من المريض، فإنه في بعض الحالات لا يكون المكلف وإنما يضره الماء، كما لو كان جسمه ضعيفاً ويتضرر بالماء البارد لو اغتسل، فالآية الكريمة لا تشمل هذا المورد، ففي هذا المورد إذا أجنب هذا المكلف احتجنا إلى قاعدة لا ضرر ولا تنفعنا الآية الكريمة لأنها خاصة بالمريض.
ولكن نقول: - إنَّ المريض قد أخذ بنحو المرآتية لصاحب العلّة، وهذا مفهوم عفراً من الآية الكريمة، فالمريض لم يؤخذ بعنوانه وإنما أخذ لعنوان العذر، فمن كان يوجد عنده عذر من استعمال الماء فعليه التيمم، وعليه تكون الآية الكريمة دالة على أنَّ كل متضرر من استعمال الماء - أعم من المريض وغيره - تنتقل وظيفته الوضوئية أو الغسلية إلى التيمم، والآية الكريمة واضحة في هذا المعنى.
يبقى شيء: - وهو أنه لابد أن نطبّق قاعدة ( التفصيل قاطعٌ للشركة )، لأنه قد يقال يجب على هذا المكلف الجمع بين التيمم والغسل أو الوضوء، إذ لعل وظيفته هي هذه فكيف تثبت من خلال الآية الكريمة أنه لا يجب عليه إلا التيمم؟
ولكن نقول: - إنّ الآية الكريمة فصّلت بين المريض وغيره، وعرفاً التفصيل يزيل احتمال الاشتراك بين الحالتين في الحكم، ومدرك قاعدة ( التفصيل قاطع للشركة ) هو العرف، فحينما تفصّل بين أمرين فهو يقطع احتمال الاشتراك، فالآية الكريمة حينما قالت ذاك يتوضأ أو يغتسل أما هذا فيتيمم فهذا معناه أنَّ الاثنين لا يجتمعان على المكلف وإنما كلّ واحد من المكلفين له وظيفته، فالتفصيل بين الحالتين يقطع احتمال الاشتراك في الوظيفة، فعلى هذا الأساس المريض الذي هو مرآة لكل متضرر وظيفته هي التيمم، فكل مكلف إذا كان جنباً عليه الغسل فإن لم يتمكن وجب عليه التيمم فإنَّ التفصيل قاطع للشركة.