الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/08/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه السادس ( هل حديث لا ضرر يختص برفع الضرر المعلوم أو الأعم )- تنبيهات قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية.

والذي نريد أن نبيَّنه الآن: - هو أننا ذكرنا أنَّ الحديث لا يشمل حالة العلم بالضرر وبالغبن لأنه مع العلم بالضرر يتحقق الإقدام على الضرر، هذه مقدمة وهي الصغرى، والمقدمة الثانية وهي الكبرى هي أنَّ حديث لا ضرر لا يشمل مورد الإقدام على الضرر وعلى الغبن، وهاتان المقدمتان قد نوقش في كلّ واحدة منهما: -

أما بالنسبة إلى المقدمة الأولى:- فلا نسلَّم أنَّ من علم بالغبن قد أقدم على الضرر، باعتبار أنَّ من علم بالضرر إنما يصدق عليه أنه أقدم على الضرر فيما لو كانت المعاملة الضررية لازمة، أما لو لم تكن لازمة فلا يلزم من ذلك الإقدام على الضرر باعتبار أنها ليست لازمة والخيار موجوداً فالإقدام على المعاملة الغبنية الضررية لا يكون إقداماً على الضرر لأنه له الخيار، نعم إذا لم يكن له الخيار وكانت المعاملة لازمة فآنذاك نقول هو قد أقدم على الضرر باعتبار أنها لازمة، أما إذا لم تكن لازمة فالإقدام على المعاملة الضررية ليس إقداماً على الضرر بعد عدم لزومها، لأنه يوجد عنده طريق لحلّ المعاملة بالفسخ، والنتيجة هي أنَّ الإقدام على المعاملة الضررية ليس إقداماً على الضرر بعدما كانت المعاملة ليست لازمة، فإذاً لا يلزم من ذلك الإقدام على الضرر بعد الالتفات إلى أنَّ الضرر هو في لزوم المعاملة لا في كونها ضررية، فإنَّ مجرد كونها ضررية ويوجد فيها غبن لا يعني أنه أقدم على الضرر لأنها بنفسها لا تكون ضررية إلا إذا كانت لازمة، فنفس الإقدام على المعاملة الغبنية لا يكون إقداماً على الضرر بعد كونها ليست لازمة، هذا بالنسبة إلى منع الصغرى.

وأما بالنسبة إلى منع الكبرى فيمكن أن يقال: - إنه حتى في الحالة التي أقدم فيها المكلف على الضرر ولكن مع ذلك يشمله حدث لا ضرر، فنحن نسلّم بالصغرى وأنه أقدم على الضرر ولكن الإقدام على الضرر لا يمنع من تطبيق حديث لا ضرر عليه باعتبار أنَّ المكلف قد يندم في يوم من الأيام، وحيث إنَّ لا ضرر وارد مورد التخفيف فمن المناسب التخفيف على هذا المكلف أيضاً وذلك بجعل الحديث شاملاً له، فإذا سددنا الباب عليه ولم يشمله الحديث لزم خلف التخفيف، ومقتضى التخفيف أنه حتى لو أقدم على الضرر فمع ذلك يشمله الحديث لأنه وارد مورد التخفيف، وهنا يليق أن يكون هذا المكلف مورداً للتخفيف.

فإذاً الصغرى والكبرى ممنوعتان.

ولكن نقول: -

أما بالنسبة إلى منع الصغرى: - فقد أنكرها علمان الشيخ الأصفهاني والحاج ميرزا علي الايرواني، حيث قالا:- إنَّ المقدم المعاملة الغبينة هو مقدم على الضرر بقطع النظر عن كون المعاملة لازمة أو ليست لازمة، بل نفس علم المكلف بأنَّ هذه المعاملة ضررية هو إقدام على الضرر، قال الشيخ الأصفهاني(قده):- ( تبيّن مما ذكرنا أنَّ الصحة واللزوم كلاهما ضرري فما الموجب للتفكيك بينهما بالقول بصحة المعاملة الغبية وعدم لزومها؟!!)[1] ، يعني يريد أن يقول إنَّ المعاملة في نفسها ضررية وإن لم تكن لازمة وعليه سوف يشملها حديث لا ضرر فتكون باطلة، وقال الحاج ميزرا علي الايرواني(قده):- ( والحق إنَّ الإقدام متعلّق بأصل المعاملة وأصل المعاملة الغبنية لا بشرط عن حكم الشارع باللزوم ضررية وإنما الخيار يدفع الضرر المتوجه بأصل المعاملة فدليل نفي الضرر ينفي صحة المعاملة لا لزومها ). [2]


[1] حاشية كتاب المكاسب، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج4، ص243.
[2] حاشیه المکاسب، ایروانی نجفی، میرزاعلی، ج3، ص131.