الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/08/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الخامس ( هل قاعدة لا ضرر تشمل الأحكام العدمية أو لا )- تنبيهات قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية.

وأما الأمر الثاني[1] فجوابه: -

أولاً: - إنَّ قولك بأنَّ عدم جعل الحكم في الموضع القابل لجعل الحكم هو جعلٌ لذلك الحكم هو مجرَّد دعوى لا مثبت لها.

ثانياً: - إنَّ هذا عين التناقض، فإنك قلت إنَّ عدم جعل الحكم في الموضع القابل للحكم هو جعل لذلك العدم، فأنت تقول هو عدم جعلٍ أي لا يوجد جعل، فإذاً أنت قد فرضت أنه لا جعل ولكن الآن صار جعلاً للحكم وهذا تناقض، إلا أن تقول إنَّ ذاك لا جعل للحكم الوجودي وهذا جعل للعدم، ولكن نقول: - إذا كان عدماً فهذا يعني أنه لا جعل، فالعدم لا معنى لأن يجعل.

وأما الأمر الثالث[2] فجوابه: - إنَّ المرأة هي تريد الزوجية بغض النظر عن المهر، لأنَّ الزوجية أنس للرجل وللمرأة فإنَّ الله تعالى قال:- ﴿ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة ﴾، فإذاً الزوجية مطلوبة وهي ليست ضررية، كما أنَّ عدم وجوب النفقة ليس ضررياً أيضاً لأنَّ الشرع حكم بوجوب النفقة لا أنه يحكم بالعدم، أما جعل الطلاق بيد الزوج فالضرر موجود هنا، وهو أجاب وقال:- لو جعل الطلاق بيدها أو بيد الحاكم الشرعي فهذا تدارك للضرر وحديث لا ضرر حديث رفعٍ لا حديث اثباتٍ وجعل، ولكن نقول:- إنَّ الضرر السابق من عدم النفقة والآلام التي مرت على الزوجة سوف لا يرتفع وإنما نحن من الآن نرفع عنها الآلام المستقبلية وحديث رفع الضرر هو حديث رفعٍ لا حديث تدارك، ولا يوجد تدارك في البين فإنَّ ما سبق من أضرار لم تتدارك، فهم لم يعطوها النفقة التي فاتت كما لا تزول الآلام السابقة، وإنما إذا طُلّقت وأرادت أن تتزوج بآخر فمن الآن سوف يرتفع ضررها ، فالتدارك لا معنى له أصلاً، فإذاً هذا رفعٌ وليس تداركاً، وعليه فسوف لا يلزم إشكال.

وأما الأمر الرابع[3] فجوابه: - إنَّ هذا كلام علمي مقبول، ولكن يرد عليه:- إنَّ المورد من موارد التعارض بين الضرر فعلي والضرر استقبالي، لأنَّ تضرّر الزوجة إذا لم نطلقها هو ضرر فعلي، بينما الزوج سوف يتضرر إذا خرج من السجن بعد سنة أو أكثر أو لعله لا يخرج من السجن، أو كان غائباً وافترسته السباع في الصحراء، فضرر الزوج هو ضررٌ محتملٌ ومستقبلي أما ضرر الزوجة فهو ضرر فعلي وليس مستقبلياً، وفي هكذا مورد إذا دار الأمر بين ضررين من هذا القبيل لا يقال إنَّ لا ضرر لا تشمل هذا المورد لأنَّ شمولها لكليهما غير ممكن وشمولها لأحدهما بلا مرجح، بل نقول إنَّ المرجح موجود، فإنَّ ضرر الزوجة هو ضرر فعلي فتشمله قاعدة لا ضرر وترفعه، وبهذا يمكن تطبيق قاعدة لا ضرر في هذا المورد وبالتالي الحكم بتمكّن الحاكم الشرعي من طلاقها إذا ثبت أنها تعيش الضرر.


[1] من أنَّ الأحكام العدمية مجعولة فحتى لو قلنا إن حديث لا ضرر فعدم الحكم في الموضع القابل للحكم هو جعل لذلك العدم.
[2] حيث قال إنَّ الضرر إذا كان من الزوجية فالزوجية لا ضرر فيها لأنَّ المرأة سوف تأخذ مهراً.
[3] وهو أنه لو تنزلنا وأعطينا ولاية الطلاق بيد الزوجة أو الحاكم الشرعي فالمورد يصير من تعارض الضررين بين أن تتضرر المرأة إذا لم نعط الولاية للحاكم الشرعي وبين تضرر الزوج لأنه إذا طلقها الحاكم الشرعي فسوف يبقى الرجل من دون زوجة وهذا ضرر عليه فالأمر يدور بين ضررين بين ضررها وبين صرره وحديث لا ضرر لا يمل المورد المذكور لأن تطبيقه على أحد الضررين دون الآخر من دون مرجح كما لا يمكن تطبيقه على كليهما لا يمكن أيضاً فلا نطبقه.