42/07/24
الموضوع: - التنبيه الخامس ( هل قاعدة لا ضرر تشمل الأحكام العدمية أو لا )- تنبيهات قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية.
التقريب الثاني:- وهو للشيخ النائيني(قده)[1] أيضاً، وحاصله أن نقول:- إنَّ حديث لا ضرر هو حديث نفي وليس حديث تدارك للضرر، فهو يرفع الضرر لا أنه إذا تحقق الضرر يتداركه، كما لو حبس الانسان في مكان ولم يستع العمل في هذا اليوم سوف يتضرر هو وعالته بسبب فوات أجرته اليومية، أو المرأة غاب عنها زوجها ولم يعرف خبره، فنحن نقول إنَّ حديث لا ضرر دعه يشمل عدم الولاية للحاكم الشرعي فنقول إنَّ عدم ثبوت الولاية للحاكم الشرعي هو ضرر، فيلزم شمول الحديث لهذا العدم حتى يتدارك ذلك الضرر فيطلقها الحاكم الشرعي وتتمكن من الزواج، فالشيخ النائيني(قده) يقول حديث لا ضرر ليس حديث تدارك للضرر بل هو حديث نفي للضرر، ولماذا يكون حديث لا ضرر حديث نفي لا حديث تدارك؟ إنه واضح، لأنه يقول ( لا ضرر ) ولا يقول إني أتدارك الضرر الثابت على تقدير عدم شمولي للمورد، وفي مثال المرأة شمول حديث لا ضرر لعدم الولاية وبالتالي اثبات الولاية على الطلاق للحاكم الشرعي سوف يتدارك ضرر المرأة، فيحصل تدارك ضررها من خلال شمول الحديث، وحديث لا ضرر هو حديث رفع، فهو يرفع الضرر لا أنه حديث تدارك للضرر.
وفرق هذا التقريب عن التقريب السابق هو أنَّ التقريب السابق يقول إنَّ حديث لا ضرر ناظر إلى المجعولات الشرعية كوجوب الوضوء أو الغسل أو ماش اكل ذلك فالوجوبات والتحريمات المجعولة إذا لزم منها الضرر فحديث لا ضرر يرفع هذا الوجوب أو يرفع الحرمة المجعولة فهو ناظر فقد وفقط إلى المجعول دون غير المجعول مثل عدم الولاية لأن َّعدم الولاية للحاكم الشرعي على طلاق المرأة هو عدم مجعول، أما التقريب الثاني فهو يقول إنَّ حديث لا ضرر هو حديث رفع حديث تدارك، فهو يقول أنا رافع الضرر، فإذا كان وجوب الوضوء فيه ضرر فأنا أرفعه أما أني أتدارك الضرر بجعل الولاية للحاكم الشرعي حتى يتدارك الضرر الناشئ من عدم ولايته للطلاق فإنه إذا لم تكن له ولاية فسوف تتضرر المرأة فعدم ولاية الحاكم الشرعي توجب الضرر فلابد من ثبوت الولاية التي بها يتدارك الضرر الناشئ من عدم الولاية على الطلاق وحديث لا ضرر هو حديث رفع لا حديث تدارك.
ويرد عليه: -أولاً: - إنَّ دعوى وجود فارق بين الأحكام العدمية والثبوتية - وهو أنَّ الأحكام الوجودي يشملها الحديث لأنه يرفع الضرر الناشئ من الحكم الوجودي أما الأحكام العدمية فهو لا يشملها لأنه يلزم تدارك الضرر وهو ليس حديث تدارك - ليس بصحيح، حيث نقول إنَّ تدرك الضرر هو نحوٌ من رفع الضرر، فصحيحٌ أنَّ رفع الضرر بمعنىً من المعاني تدارك للضرر ولكن بالتالي نحن قد رفعنا الضرر عن هذه المرأة، فبالتالي بشمول حديث لا ضرر لعدم الولاية للحاكم الشرعي حيث إنها ضررية فسوف تثبت الولاية ويطلقها الحاكم الشرعي وبالتالي قد ارتفع ضررها، وإن كان من زاوية نقول إنَّ هذا في واقعه تدارك لا أنه رفع ولكن هذه نظرة دقية، بل حتى بلحاظ النظرة الدقية نقول صحيح إنَّ هذه المرأة تداركنا ضررها ولكن في نفس الوقت يصدق بأنه ارتفع الضرر عنها، فبالتالي إذا لم يشمل الحديث عدم الولاية للحاكم الشرعي على الطلاق فسوف يلزم تضرر المرأة وبشموله ارتفع الضرر، فإلى جنب تدارك الضرر يصدق رفع الضرر حقيقةً، فإذاً نحن نسلَّم أنَّ المورد من موارد تدارك الضرر ولكن الحديث إذا شمل هذا المورد فبالتالي قد ارتفع الضرر، فكما يصح أن نقول قد حصل تدارك الضرر على المرأة أيضاً نقول بنحو المعنى الحقيقي قد ارتفع الضرر عن المرأة، فإذا ارتفع الضرر عن المرأة فما المانع من أن يشمل الحديث عدم الولاية حتى يرتفع الضرر عن المرأة؟!!، فصحيح أننا سلّمنا أنَّ الحديث هو حديث رفع وهنا سوف تصير النتيجة هي الرفع ولكن إلى جنبها يوجد تدارك، لا أنه يوجد تدارك من دون رفع الضرر، بل كلاهما موجود، فمادام رفع الضرر صادق إلى جنب التدارك فالحديث حينئذٍ يشمل المقام، والحديث لم يؤخذ فيه أن يصدق رفع الضرر من دون أن يكون إلى جنبه تدارك الضرر فإنَّ هذه مجرّد دعوى.
إذاً نحن سلَّمنا أنَّ حديث لا ضرر حديث رفع لا حديث تدارك، وسلَّمنا بشموله عدم الولاية للحاكم الشرعي وبالتالي ثبتت الولاية وحصل التدارك، ولكن نقول يصدق إلى جنب ذلك ارتفاع الضرر أيضاً كما يصدق تدارك الضرر، فمادام يصدق رفع الضرر فيشمله الحديث، لأنَّ الشيخ النائيني(قده) يسلَّم بأنَّ حديث لا ضرر يشمل موارد رفع الضرر لا تدارك الضرر، يعني إذا كان تدارك الضرر وحده، أما إذا كان يوجد إلى جنبه رفع الضرر فحينئذٍ يكون لا ضرر حديث رفعٍ فيشمله.
ثانياً: - وهو نفس الجواب الذي ذكرناه على التقريب الأول حيث نقول:- إنَّ التدارك شيء ورفع الضرر شيء آخر كما قال الشيخ النائيني(قده)، ولكن نقول بما أنَّ الحديث حديث تخفيف والشرع المقدس يريد أن يخفّف على العباد ولا يوجد احتمال أنه يقول أنا أريد أن أخفف برفع الضرر ولا أخفف من ناحية تدارك الضرر فإنَّ هذا كلام مرفوض مادام هو حديث تخفيف، فكما يشمل مورد رفع الضرر يشمل مورد تدارك الضرر أيضاً، لأنَّ الله تعالى يريد أن يخفف على عباده، واحتمال أنه يريد أن يخفف من هذه الزاوية دون تلك فهذا ليس مقبولاً، إذ مادام هو يريد أن يخفف - لأنَّ لسانه يفهم منه التخفيف وهذا مسلَّم - فهو يخفف من كلا الجهتين، لا أنه يريد أن يخفف برفع الضرر من دون أن يخفف بتدارك الضرر فإنَّ هذا شيء مرفوض عقلائياً، فالحديث وإن كان يراد به رفع الضرر كما ذكر الشيخ النائيني(قده) ولكن يلحق به تدارك الضرر من باب الجزم بعدم احتمال الخصوصية، فإنَّ الشرع يريد أن يخفف برفع الضرر وهذا يحصل بتراك الضرر أيضاً، فنكتة التخفيف كما تستدعي أن يخفف برفع الضرر تستدعي أيضاً أن يخفف بتدارك الضرر، وقد ذكرنا إنَّ هذا جواب وجداني وليس جواباً علمياً، فلو حكّمان الوجدان نرى أنَّ الله تعالى يريد أن يخفف بقاعدة لا ضرر، أما أنه يريد أن يخفف برفع الضرر فقط ولا يريد أن يخفف بتدارك الضرر فهذا مخالف للوجدان.