الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/07/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الخامس ( هل قاعدة لا ضرر تشمل الأحكام العدمية أو لا )- تنبيهات قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية.

ويوجد كلام بين الأصوليين مرة من حيث الكبرى وأخرى من حيث الصغرى: -

أما من حيث الكبرى: - فقد قالوا بأنَّ حديث لا ضرر لا يشمل الأحكام العدمية وإنما هو ناظر إلى الأحكام المجعولة فقط دون غير المجعولة، وهذه مناقشة من حيث الكبرى، يعني أنَّ حديث لا ضرر كبروياً لا يمكن أن يشمل الأحكام العدمية.

وأما من حيث الصغرى: - فقد يقال إنه قد نسلَّم بأن لا ضرر يشمل الأحكام العدمية ولكن في هذين الموردين هل ينشأ ضرر من الحكم العدمي أو لا ينشأ ضرر من عدم الولاية وعدم الضمان، أو قل إنَّ عدم شمول لا ضرر لهذين الموردين هل ينشأ منه ضرر أو لا؟

وللسيد اليزدي(قده) في ملحقات العروة الوثقى[1] مسألة ترتبط بهذا المورد:- حيث ذهب في هذين الموردين إلى أنَّ قاعدة لا ضرر ثابتة وللحاكم الشرعي حق الطلاق، قال:- ( المفقود الذي لم يعلم خبره .... لا يبعد جواز طلاقها للحاكم الشرعي ... بل وكذا المفقود المعلوم حياته مع عدم تمكن زوجته من الصبر[2] بل وفي غير المفقود ممن علم أنه محبوس في مكان لا يمكن مجيئه ابداً وكذا في الحاضر المعسر ... ففي جميع هذه الصور واشباهها وإن كان ظاهر كلماتهم عدم جواز فكّها وطلاقها للحاكم الشرعي لأن الطلاق بيد من أخذ بالساق إلا أنه يمكن أن يقال بجوازه لقاعدة نفي الحرج والضرر خصوصاً إذا كانت شابة واستلزم صبرها طول عمرها وقوعها في مشقة شديدة ولما يمكن أن يستفاد من بعض الأخبار).

فإذاً هو طبق قاعدة لا ضرر على الأحكام العدمية، فعدم الطلاق ضرري للمرأة، فيجوز أن يتصدّى الحاكم الشرعي لذلك.

ومن هنا عرفنا أنَّ من الفقهاء من سلّم بالكبرى والصغرى معاً كالسيد اليزدي(قده)، فهو سلّم بالكبرى وقال إنَّ لا ضرر تشمل الأحكام العدمية فيثبت الحكم الوجودي وأنَّ الولاية على الطلاق مثلاً تنتقل بيد الفقيه، كما سلَّم بالصغرى وهي أنَّ عدم شمول قاعدة لا ضرر لمثل هذه الموارد يسبب الضرر، ومنهم من أنكر الاثنين معاً، كما ربما يلوح من الشيخ النائيني(قده)، فهو قد أنكر الكبرى وقال إنها لا تشمل الأحكام العدمية، ولكن قد يلوح منه أيضاً إنكار الصغرى، حيث ذكر أنه لا يوجد عندنا حكم عدمي إذا لم تشمله لا ضرر يثبت حينئذٍ الضرر على الزوجة مثلاً، ومنهم من سلّم بالكبرى وأنكر الصغرى كالسيد الخوئي(قده) كما سيأتي، فإذاً توجد آراء مختلفة في المقام.

ولنلاحظ أولاً أدلة القائلين بأنَّ لا ضرر لا تشمل الأحكام العدمية كعدم الطلاق وعدم الولاية: -

الدليل الأول:- ما أفاده الشيخ النائيني(قده) وحاصله:- إنَّ لا ضرر ناظرة إلى الأحكام المجعولة وعدم الحكم ليس أمراً مجعولاً بل عدم مجعول، قال:- ( إذا لم يكن هناك جعل فلا يمكن أن تكون قاعدة لا ضرر حاكمة على ما ليس مجعولاً فإنَّ ما ليس مجعولاً لا يستند إلى الشارع )[3] ، فهو يقول إنَّ لا ضرر ناظرة إلى المجعولات الشرعية كوجوب الوضوء ووجوب القيام في الصلاة ووجوب الجهاد وغير ذلك من المجعولات فهذه المجعولات إذا سببت ضرراً للمكلف في حالة معينة فسوف يرتفع هذا المجعول، فهي ناظرة إلى المجعولات الشرعية وترفعها فتختص بما كان مجعولاً وعدم الحكم ليس مجعولاً وإنما هو عدم مجعول فلا تسمله قاعدة لا ضرر.

وفي الجواب نقول:- إنَّ لا ضرر جاءت للتخفيف على العباد والتخفيف يحصل أحياناً برفع المجعول وأخرى يحصل بشكل آخر وإذا كان في لسانها قصور عن شمول غير الجعول إلا أنَّ نكتة التخفيف يجعلنا نعمم القاعدة لغير الجعول، فصحيح أنَّ عدم ثبوت ولاية الطلاق للحاكم الشرعي ليس مجعولاً فهو عدم ثبوت الولاية فهو ليس جعلاً وإنما هو عدم مجعول والحديث ناظر إلى المجعولات، ولكن نقول نحن نعمم الحديث إلى عدم المجعول لأنَّ التخفيف أيضاً مطلوب هنا، يعني هل المولى يقول إنه مادام عدم الطلاق ليس شيئاً مجعولاً فلتبق هذه المرأة على الضرر، وهذا لا يحتمل في حق الشارع فمادام الشارع أراد التخفيف فلابد من إلغاء خصوصية المورد، يعني نسلَّم أنَّ نظر الحديث إلى المجعول ولكن نعمّمه إلى غير المجعول إذا استلزم عدم التعميم الضرر والذي يجعلنا نعمم إلى غير المجعول هو نكتة التخفيف لأن الشارع يريد أن يخفف على العباد حتى عن هذه المرأة، فلسان الحديث وإن كان قاصراً وضيقاً ولكن نعمم ما ثبت بهذا الحديث من رفع المجعولات إلى غير المجعولات أيضاً إذا كان التخفيف ضرورياً ويتوقف على شمول هذا الحديث لغير المجعولات فنحن نعممه من باب إلغاء خصوية المورد كما في سائر الموارد، فهنا الخصوصية ضرر وقصد التخفيف على العباد فصحيح ان الحديث ناظر إلى المجعولات ولكن لنكتة الضرر وإرادة التخفيف نعمّم إلى غير المجعولات فيثبت بذلك الولاية للحاكم الشرعي.


[1] ملحقات العروة، السيد اليزدي، ج2، ص74، مسألة 33، ص92.
[2] يعني حتى مع وجود من ينفق عليها.
[3] منية الطالب، النائيني، ج3، ص418.