الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/07/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تتمة التنبيه الرابع، التنبيه الخامس ( هل قاعدة لا ضرر تشمل الأحكام العدمية أو لا )- تنبيهات قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية.

والجواب: - إنما يجوز التمسك بسعة النكتة إذا كانت هناك سيرة منعقدة في زمن المعصوم عليه السلام وكانت السيرة بمقدار تجسدها في الخارج بدرجة ضيقة إلا أنَّ نكتة هذه السيرة أوسع منها فهنا المدار هل هو على المقدار المجسد من السيرة أو المدار على سعة النكتة؟ إنه يوجد مجال في أن يدّعى أنَّ المدار على سعة النكتة، فإنَّ الامام عليه السلام حينما سكت فهذا يدل على أنَّ النكتة بعرضها العريض ممضية عنده وإلا لردّ عن سعة النكتة ببيانٍ وآخر، من قبيل الملكية بالحيازة فإنَّ السيرة كانت منعقدة على أنَّ الحيازة سبب للملكية ولم يكن هناك ردع فيثبت الامضاء، فإن كان هناك شجر أو حجر حازه الانسان فهذه الحيازة تصير سبباً لملكه، أو أنه أخذ السمك من الماء فهذا كلّه مملوك له، ولا تقل إنَّ هذا ثابت بقاعدة ( من حاز ملك ) حيث نقول إنَّ هذا القاعدة نحن أتينا بها وبألفاظها، فبعد أن ثبتت السيرة على ثبوت هذا الحكم أردنا أن نعبّر عنه فأتينا بهذه القاعدة وبهذا التعبير لا أنها نصٌّ شرعي، فإذاً الحيازة جارية على السمك والطير والحجر وغير ذلك من هذه الأشياء التي يأخذها الانسان، أما حيازة النفط فهل هي سبب للملكية أو لا؟ هنا يأتي الكلام أنَّ المدار على النكتة فيقال صحيح أنه في زمن المعصوم عليه السلام لم يكن النفط موجوداً حتى يُحاز ولكن كانت هناك سيرة ضيقة على السمك والحجر وأرواق الأشجار وما شاكل ذلك ولكن نكتة هذه السيرة وسيعة ولم تختص بمثل هذه الأشياء فإنَّ كل شيء يُحاز، وبما أنَّ النكتة وسيعة والامام عليه السلام سكت عن سعتها فهذا يدل على إمضائها وإلا لردع عن سعتها، لأنَّ سعة النكتة سوف يهدد بالخطر بلحاظ الأجيال الآتية إذا لم تكن هذه السعة مرضية للشرع المقدس، والامام عليه السلام هو حافظ للشرع فيلزم أن يردع عنها، فعدم ردعه يدل على إمضاء السيرة بعرضها العريض.

إذاً عرفنا أنَّ فكرة التمسك بسعة النكتة لا بمقدار ما تجسد من السيرة إنما يتم فيما إذا انعقدت السيرة في زمن المعصوم عليه السلام وكانت نكتتها أوسع مما نجسّد من السيرة فهنا يوجد مجال في أن يقال إنَّ المدار على النكتة بسعتها لا على المقدار الذي تجسّد من السيرة، ولكن الشرط هو أن تكون السيرة موجودة في زمن المعصوم عليه السلام، أما إذا لم تكن موجودة في زمانه فلا معنى لأن تقول هل المدار على مقدار ما تجسد من السيرة أو المدار على النكتة فإنَّ هذا غير صحيح، فإنَّ السيرة ليست موجودة في زمن المعصوم عليه السلام فلا هي ولا نكتتها حجة، لأنه لا يوجد إمضاء، فشرط التمسك بالسيرة وسعة النكتة أن تكون السيرة قد انعقدت في زمن المعصوم عليه السلام.

وبعد اتضاح هذا نقول: - إنه في موردنا لم تنعقد السيرة على حق الطبع وحق النشر في زمن المعصوم عليه السلام وإنما حدثت في وقت قريب، فلا معنى للتمسك بالسيرة ولا معنى للتمسك سعة النكتة، فهذا الاقتراح لا مجال له أبداً.

إذاً اتضح من خلال ما ذكرنا أنَّ الحقوق الاعتبارية مثل حق النشر وحق الطبع لا يمكن اثباتها بالسيرة وينحصر الأمر بطريقين الأول أن نفترض أنه ينقد حق عقلائي وتنباني اجتماعي عقلائي موجود على حق الطبع وحق النشر - ليس بالكتابة على غلاف الكتاب - ويلزم التضرر من التجاوز عليه فهنا يمكن التمسك بقاعدة لا ضرر، والثاني أن يلزم من التجاوز على حق الطبع وحق النشر اختلال نظام الطباعة والنشر لأن الشرع المقدس يريد النظام في الحياة بكل مرافقها وأحدها عالم الطبع والنشر فإنَّه من العوالم المهمة جداً الآن، فإذا حصل اضطراب في هذا العالم فلابد من ضبطه، فإذا لزم اختلال نظام الطباعة والنشر فهنا يوجد مجال في أن يتدخل الحاكم الشرعي ويمنع كل من يتجاوز على حق الطبع والنشر.

التنبيه الخامس: - هل قاعدة لا ضرر تشمل الأحكام العدمية أو لا؟

إنَّ الحكم الذي نريد أن نطبق عليه قاعدة لا ضرر تارةً يكون وجودياً وبتطبيق قاعدة لا ضرر سوف نرفعه، وهذا هو القدر المتيقن من قاعدة لا ضرر، مثل وجوب الوضوء أو الغسل فإنَّ حكم وجودي والمكلف يتضرر إذا أراد أن يغتسل أو يتوضأ فيرفعه ويقول مادام وجوب الغسل أو الوضوء حيث إنه ضرري فهو مرتفع، وإذا ارتفع توجد وظيفة أخرى وهي التيمم، وهذا هو القدر المتيقن من قاعدة لا ضرر، وفي هذا التنبيه نريد أن نتكلم هل قاعدة لا ضرر تسمل الأحكام العدمية أو لا؟، وإذا شملت الأحكام العدمية فسوف يثبت عندنا حكم وجودي، يعني أن القضية متعاكسة، يعني إذا طبقنا لا ضرر على وجوب الوضوء الذي هو حكم وجودي فسوف تصير النتيجة عي عدم وجوب الوضوء، أما إذا طبقنا قاعدة لا ضر على الحكم العدمي فالنتيجة سوف تصير هي الوجود، ونذكر موردين لذلك:-

المورد الأول: - عدم الضمان في مورد يكون فيه عدم الضمان ضررياً فيثبت الضمان، كما لو فرض أن شخصاً جاء إلى حديقة الحيوان وفتح القفص الذي فيه طير من دون قصد أو مع القصد ولكنه لا يعلم أنه يطير فطار ذلك الطير فنهنا عدم الضمان يكون فيه ضرر على صاحب هذا الطير فتاتي قاعدة لا ضرر وترفع عدم الضمان في هذا المورد وسوف يثبت الضمان، ففي مجال الأحكام العدمية سوف نرفع عدم الضمان فيثبت الضمان.

أو فرض أنَّ أحد الصديقين أمسك صديقه فهرب حيوانه، فهنا عدم الضمان يسبب الضرر له فهل يمكن التمسك بقاعدة لا ضرر لإثبات الضمان؟

أو فرض أني حبست شخصاً ومنعته من الخروج - بمزاحٍ أو بغير مزاح - وكان عاملاً يعمل بأجرة يومية كالف دينار مثلاً فهل يضمن الممسك له ذلك لأنَّ عدم ضمانه للمحبوس سوف يفوت عليه هذه الأجرة، فهل نقول إنَّ عدم الضمان سوف يرتفع لأنَّ عدم الضمان ضرري فيرتفع بقاعدة لا ضرر فيثبت الضمان؟، فإذاً المجال الأول هو باب الضمان، فهل يمكن تطبيق قاعدة لا ضرر في الأحكام العدمية في باب الضمان لكي يثبت بذلك الضمان فنحن نطبقها على الحكم العدمي ليثبت الحكم الوجودي، فهل هذا مقبول أو هو مرفوض؟

المورد الثاني: - المرأة التي غاب زوجها وانقطعت أخباره ولم يترك لها نفقةً فنقول لابد أن تنتهي الولاية إلى الحاكم الشرعي في طلاقها، فهل تثبت الولاية للحام الشرعي على طلاقها فنقول إنَّ عدم ثبوت ولاية الحاكم الشرعي على طلاقها فيه ضرر على المرأة فتثبت الولاية بقاعدة لا ضرر، يعني هي ثبتت في مورد عدم الولاية فارتفع عدم الولاية وتبدل إلى ثبوت الولاية، فهل يمكن قبول هذا؟

أو امرأة يمتنع زوجها من الانفاق عليها ولا يمكنها العمل والزوج يمتنع عن طلاقها فهي واقعة في الضرر فهنا هل تثبت الولاية للحاكم الشعري في طلاقها، ببيان أنَّ عدم الولاية له على الطلاق يسبب الضرر لها وبقاعدة لا ضرر يرتفع عدم الولاية إلى الولاية فتثبت الولاية؟

أو كان زوج المرأة مسجوناً وانقطعت أخباره ولا يوجد من ينفق عليها فالكلام نفس الكلام فهل نستطيع أن نقول إن عدم ولاية الحاكم الشرعي على طلاقها في ضرر عليها فبقاعدة لا ضرر تثبت الولاية للحاكم الشرعي؟

إذاً ذكرنا موردين لتطبيق قاعدة لا ضرر على الأحكام العدمية أحدها مورد عدم الضمان والآخر مورد عدم ولاية الحاكم الشرعي على الطلاق، ففي هذين الموردين هل يمكن تطبيق قاعدة لا ضرر على الحكم العدمي ليثبت الحكم الوجودي؟