الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/07/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الرابع ( هل قاعدة لا ضرر تعم الضرر الاعتباري أو لا )- تنبيهات قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية.

وأما إذا كان الحق ثابتاً في زمن الغيبة: - مثل الطبع وجق النشر وما شاكل ذلك، فهل يمكن التمسك بقاعدة لا ضرر بلحاظه؟

إنه بادئ ذي بدء قد يقول قائل إنَّ قاعدة لا ضرر تنفي كل حكم يستوجب الضرر سواء كانت مصاديق الضرر في عهد المعصوم أو عصرنا المتأخر فهي صالحة لشمول الاثنين معاً بمقتضى الاطلاق فلماذا تخصصها بكون الحق ثابتاً في عصر المعصوم؟!! وإنما بمقتضى الاطلاق الشمول حتى للحق الثابت في زمن الغيبة.

ولكن يوجد إشكالان قد يخطران إلى الذهن فإن استطعنا دفعهما فسوف تزول المشكلة: -

الاشكال الأول: - إنَّ قاعدة لا ضرر مصبَّ نظرها هو الحكم وليس إلى متعلق الحكم، فإنَّ المقصود من لا ضرر هو أنه لا حكم يستلزم الضرر، فالمنظور هو الحكم حسب ما انتهينا إليه سابقاً، وبعد أن انتهينا إلى هذا التفسير فالمنظور إليه في قاعدة لا ضرر هو الحكم دون الضرر، فالمتكلم يكون في مقام البيان من ناحية الحكم دون الضرر، فالإطلاق إذاً إنما يمكن التمسك به بلحاظ الحكم لأنَّ المتكلم بلحاظ البيان من ناحيته دون الضرر لأنه ليس في مقام البيان من ناحيته.

الاشكال الثاني: - إنَّ المدار في كون الشيء ضررا وليس ضرراً على النظرة الكلية العامة لا على النظرة الخاصة في مشاحة ضيقة، يعني افترض أنا وأنت وشخص ثالث أو رابع أو عشرين مثلا اتفقنا على أنه إذا حصلت هذه القضية فهذا ضرر فهل تأتي قاعدة لا ضرر وتشمل هذا المورد الذي اتفقنا فيما بيننا على أنه ضرر؟ كلا فإنها لا تشمله وإنما هي تنفي حكم الضرر في المساحة الواسعة عند الجميع لا في المساحة الضيقة، وفي موردنا الأمر من القبيل الأول - يعني أنَّ مساحته ضيقة لأنَّ أصحاب دو النشر والطباعة اتفقوا على أنَّ هذا تجاوز على حق الطبع والنشر وعدّوه ضرراً - لا أنَّ الطابع العام للناس يعدونه ضرراً؟

أما الاشكال الأول فيرد عليه: - صحيح أنَّ قاعدة لا ضرر تنفي الحكم وهي ناظرة إلى نفي الحكم ولكنها تنفي الحكم في مورد الضرر فهي بعين ناظرة إلى الحكم وبعيٍن أخرى ناظرة إلى الضرر، لا أنها ناظرة إلى الحكم فقط دون الضرر، وإنما هي ناظرة إلى الاثنين معاً وتقول هذا الحكم الثابت في الموضوع الضرري منتفٍ، فهي ناظرة إلى الاثنين لا أنها ناظرة إلى الحكم فقط، فنحن سلّمنا أنها تنفي الحكم ولكنها تنفي الحكم عن الضرر، فكأن المتكلم يريد أن يقول ( كل ضررٍ في مورد ينتفي حكمه ) أو يقول ( أي حكمٍ ينتفي في مورد الضرر )، فإذاً مورد الضرر ملحوظ للمتكلم على حدَّ لحاظ الحكم لا أنه ليس ملحوظاً له، فهو في مقام البيان من ناحيتهما معاً، ودعوى أنه ناظر للحكم دون الموضوع مخالفة للوجدان.

والخلاصة: - أنَّ كون الرواية ناظرة إلى جنبة الحكم لا ينافي كونها في نفس الوقت ناظرة إلى الضرر لتنفي الحكم عنه، فهي ناظر إلى الاثنين فالإطلاق يمكن أن ينعقد بلحاظهما معاً.

وأما الاشكال الثاني فيرد عليه: - إنَّ الطبقة العامة للناس لها مصداقان مصداق كل الناس وجميعهم، وتوجد مرحلة ثانية وهي أصحاب دور الطباعة والنشر وهؤلاء عددهم كثير، فهي طبقة عامة أيضاً ولكن ضيق من طبقة عموم الناس، فإذاً هذا لا يؤثر على صدق الضرر مادامت هذه الطبقة هي ذات شريحة عامة ولكنها اضيق دائرةً من دائرة عموم الناس.

إذاً كلا الاشكالين لا مجال لهما.

والذي يمكن أن قال في هذا المجال: - لعلَّ المنشأ لهذا الحق هو الكتابة على غلاف الكتاب حيث يكتبون على الغلاف ( حقوق النشر محفوظة للناشر وحقوق الطبع محفوظة لكذا وحق الكذا ثابت للمؤلف )، فيمكن الاشكال القول بأنَّ هذه القضية ناشئة من الكتابات على غلاف الكتب لا أنها ناشئة من تباني عقلائي على ثبوت هذا الحق، ولذلك نحن البقية لا نشعر بثبوت هذا الحق وإنما ينادي به أصحاب دور النشر فقط، فهذا الحق نحن نشك في أصل كونه حقاً لكونه نشأ من الكتابة على الغلاف مثلاً، نعم لو كان ناشئاً من تنباني وعرف مقبول بحيث نحن نسلّم لهم بذلك فسوف يثبت أنه حق، أما مجرّد الكتابة على الغلاف فلا يولّد حقاً.

وبهذا أردت أن ألفت النظر إلى هذه القضية:- وهي أني لا أنكر شمول حديث لا ضرر للأضرار التي هي في مساحة ضيقة ولكن ليست ضيقة جداً وإنما المقصود أنها أضيق من الدائرة العامة لمجموع الناس، ولكن هذا الحق لابد أن يوجد عليه تبانٍ عقلائي حقيقةً، ومجرد الكتابة على الغلاف لا يحقق التباني العقلائي، ونحن نريد تبانياً عقلائياً ولو عند أصحاب النشر والطبع فإنَّ هذا مقبول ولكن لابد أن يكون هناك تبانياً على هذا الحق فإنَّ تحقق هذا التباني فلا مانع من أن تشمله قاعدة لا ضرر، فكلامنا هو في الصغرى وليس في الكبرى، وهو أنَّ صغرى هذا الحق هل هي ثابتة أو أنها مجرد كتابة على الغلاف فإنَّ الكتابة على الغلاف لا تولّد حقاً، بل المهم أنه يوجد تبانٍ عقلائي حقيقي على هاذ الحق بين أصحاب دور الطباعة والنشر، فإن ثبت وجود هذا الحق فسوف تشمله قاعدة لا ضرر.

فإذاً إذا كان هناك إشكال فهو من هذه الناحية التي أشرنا إليها، وهي أنَّ التباني الكلي الحقيقي قد يشكك في تحققه في مجال الطباعة النشر، وإنما الثابت عندنا الآن هو الكتابة على الغلاف، وهذه الكتابة لا تكفي في تحقق التباني العقلائي وعدُّ ذلك ضرراً.

وقد يتمسك بفكرة السيرة لإثبات هذا الحق فيقال: - إنَّ السيرة قد جرت على أنَّ الحقوق الجديدة لا يجوز التجاوز عليها أيضاً لا من ناحية قاعدة لا ضرر وإنما من ناحية عدم جواز التجاوز، فقد يقال إنَّ السيرة جرت على إنكار ذلك فيدل ذلك على إمضاء هذا الحق، فيثبت هذا الحق بالسيرة فإنها ترفض ذلك أشد الرفض سواء كان بتبديل اسم المؤلف أو أن يطبع شخصٌ الكتاب من دون إذن صاحب المطبعة الأولى التي طبعته، فتمسك بفكرة السيرة لا بقاعدة لا ضرر.

والجواب على هذا واضح فإنه يقال: - إنَّ شرط حجية السيرة الامضاء، يعني لابد أن تكون ثابتة في زمن المعصوم عليه السلام حتى يثبت الامضاء، وهذه السيرة الجارية في إنكار التجاوز على التأليف أو الطبع حادثة في الأزمنة المتأخرة وليس من المعلوم أنها جارية في زمن المعصوم عليه السلام، نعم لو كان يفعلها إنسان واحد في ذلك الزمان فربما قد ينكرون عليه ذلك ولكن لا نجزم بكونها سيرة فعلية، وعليه فالامضاء لا يمكن إثباته للسيرة.

ويوجد اقتراح آخر لإثبات هذا الحق:- وهو أنَّ نقول نحن نتمسك بعموم النكتة، يعني نقول إنَّ السبرة وإن كانت ضيقة ولكن إذا كانت النكتة المرتكزة في الذهن عامة فالمدار يكون على النكتة العامة وليس على مقدار ما تجسَّد من السيرة في عالم الخارج، وحيث إنَّ النكتة وسيعة فإنَّ العقلاء يرفضون التجاوز على كل شخصٍ ولو بأن ينتحل شخصية مؤلف الكتاب، فالنكتة عامة وإن كان مقدار السيرة ليست عامة، ومادامت النكتة عامة فنحن نأخذ بعمومها ويثبت هذا الحق، فحتى لو فرض أنَّ هذه السيرة لم تتجسد في زمان المعصومين عليهم السلام لكن النكتة عامة فنتمسّك بعموم النكتة.