الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/07/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الرابع ( هل قاعدة لا ضرر تعم الضرر الاعتباري )- تنبيهات قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.

ويرد: -

أولاً: - هناك موارد يتمسك فيها بأصالة الحل ولا يوجد ما وراء ذلك شيء آخر غير قاعدة الحل ،كما لو شككنا في حلية لحم الأرنب أو حلية التدخين فهنا المدرك ليس هو أصالة الصحة ولا قاعدة اليد ولا الاستصحاب، لأنَّ هذه القواعد لا ربط لها بالمورد، ونحن نرى في الكثير من الموارد يتمسك الفقهاء بأصالة الحل ولا شيء وراءها، فأصلاً ليس في ذهن الفقيه شيء آخر، فلو قيل له يوجد حيوان جديد هل يجوز أكله أو لا بعد فرض أنَّ العناوين المحرمة عندنا محصورة ومضبوطة وهذا الحيوان لم يكون واحداً منها، فيكون الجواب أننا نتمسك بأصالة الحل، وهنا لا يوجد أحد المدارك الأخرى غير أصالة الحل، وهكذا في التدخين وما شاكل ذلك، فمن أين يدّعي الشيخ العراقي(قده) بأنَّ المدرك هو شيء آخر وهو أحد هذه المدارك الثلاثة المتقدمة؟!!

وقد يقول قائل: - إنه يمكن التمسك بالاستصحاب، فنقول قبل الشريعة لم تجعل الحرمة للتدخين وبعد الشريعة نشك في أن عدم جعل الحرمة مستمر أو ليس بمستمر فنستصحب عدم الحرمة وبذلك ثبت المطلوب من خلال الاستصحاب وحينئذٍ لا نحتاج إلى أصالة الحل، هكذا قد يقال دفاعاً عن الشيخ العراقي(قده).

وفي الجواب نقول: -

أولاً:- ما المانع أن يجعل الشع مدركين في مورد واحد ولكن الفرض أنَّ المدرك لم تنحصر مواردهما بمعنى أنَّ الاستصحاب هو جعله في كل حالة سابقة متيقنة ك في بقائها وأصالة الحل جعلها في مورد يشك في ثبوت الحرمة فيه، واتفاقاً قد يجتمعان في بعض الموارد وهذا لا يلزم منه أحد التشريعين يصير شكلياً، كلا وإنما هذا جعل كل مشكوك الحلية انب على أنه حلال أما الاستصحاب فموضوعه هو شيء آخر وهو أن كل شيء حالته السابقة متيقنة وشك في بقائها فحينئذٍ يجري الاستصحاب، فمورد ذاك الدليل غير مورد هذا الدليل ولا ربط لأحدهما بالآخر، نعم يمكن الاستفادة منهما معاً في بعض الموارد وهذا لا يعني أنه صارت أصالة الحل في الواجهة ولكن المستند هو شيء آخر، كلا، بل قد لا يلتفت الفقيه إلى استصحاب عدم الجعل السابق وإنما ابتداءاً يلتفت إلى أصالة الحل، فإذاً لا يلزم من ذلك أن الفقهاء تمسكوا بأصالة الحل وجعلوها في الواجهة بينما مقصودهم شيء آخر، كلا بل أصلاً ذات ليس مقصودهم وإنما مقصودهم هو أصالة الحل.

هذا مضافاً إلى أنه قد لا يقول الفقيه بحجة استصحاب في الأمور العدمية، لأنه توجد آراء متعددة في باب الاستصحاب فيبقى بحاجة إلى أصالة الحل ويكون تمسكه بأصالة الحل تمسكاً بالواجهة المقصود هو شيء آخر وإنما هو لا يبني على حجية الاستصحاب في العدميات، أو أنه لا يبني على حجية الاستصحاب في باب الأحكام كالشيخ النراقي والسيد الخوئي، فهما يقولان إنَّ كل استصحابٍ في حكمٍ لا يجري وذلك للمعارضة بين استصحاب بقاء المجعول واصلة عدم العل الزائد، مثلاً صلاة الجمعة كان واجبة في عصر الحضور فنشك هل الوجوب موجود في زمن الغيبة فاستصحاب بقاء الوجوب إلى عصر الغيبة لا يجي لمعارضة بأصالة عدم الجعل الزائد إذ نعلم أنَّ الجعل هو بمقدار زمان الحضور أما الجعل بمقدار أكثر فهذا شك في الجعل لا في بقاء المجعول فمن البداية حينما شرع المولى هل شرع صلاة الجمعة في زمان الحضور أن أو أنه شرّعه حتى في الفترة الزائدة - زمان الغيبة - أيضاً فنقول إنَّ الجعل بمقدار زمان الحضور متيقن اما الجعل في زمان الغيبة فنشك في أصل ثبوته من البداية فأصالة عدم الجعل الزائد تعارض بقاء استصحاب بقاء المجعول - بقاء وجوب صلاة الجمعة - إلى الغيبة فلا يجري الاستصحاب عندهما في باب الأحكام الإلزامية - دون الترخيصية لأن الترخيص لا يحتاج إلى جعل وإنما يكفي جعل عدم الحرمة أو عدم جعل الوجوب -.

ثانياً: - إنه بناء ما قلت يكون قول عليه السلام: - ( كل شيء لك حلال حتى تعرف أنه حرام بعينه فتدعه ) لغواً ، فقولك هو إشكال على الامام عليه السلام لأنه يوجد مدرك آخر فلا داعي لأن يجعل أصالة الحل، فإنَّ ما ذكرته لا يحتمل في حق الامام عليه والسلام وإنما يحتمل ذلك في حق الفقيه، أما حينما ذكر الامام عليه السلام هذه القاعدة ونحن نأتي وتقول إنَّ المستند الحقيقي في موارد هذه القاعدة وإنما المستند هو أمور أخرى فهذا غير مقبول لأن الامام عليه السلام لا يفعل هكذا وتشريعه هذا لا يمكن أن يستفاد منه وسوف يصير لغواً لأن المستند دائماً سوف يكون شيئاً آخر فهذا التشريع يكون ذكره لغواً.

هذا بالنسبة إلى أصالة الحل، وبهذا ختم كلامنا مع الشيخ العراقي(قده).

وهناك شيء ينبغي أنَّ نذكره[1] :- وهو أنَّنا ذكرنا أنَّ التنبيه الثالث كان يرتبط بقول الشيخ العراقي(قده) حيث قال إنَّ الفقهاء جعلوا لا ضرر في الواجهة لكن مدركهم هو أمور أخرى وذكر أربعة موارد، وقد ذكرنا ثلاثة موارد وقلنا سيأتي المورد الرابع في تنبيهٍ مستقل ولكن لم نبيّن أي تنبيهٍ هو حتى نعرف ارتباطه بهذا الموضوع، والآن نريد أن نشير إلى ذلك وهو أنَّ المورد الرابع هو مسألة تعارض الضررين، كما لو كان المكلف عنده دار وهو يحتاج إلى حفر بالوعة فيه ولكن حينما يحفرها سوف تنتقل الرطوبة إلى بيت الجار فهل يجوز له أن يحفر صاحب الدار البالوعة؟ قال الفقهاء إنه لأجل قاعدة لا ضرر نعم يجوز ذلك، فإنَّ في عدم حفرها ضرر على صاحب الدار، فالفقهاء تمسكوا بلا ضرر والشيخ العراقي(قده) قال إنهم تمسكوا بلا ضرر هنا ولكنهم جعلوها في الواجهة ولكن المدرك هو شيء آخر وهو أنَّ المورد من تعارض الضررين، فيوجد ضرران ضرر لصاحب الدار وضرر للجار فيصير تعارض بين الضررين، فقاعدة لا ضرر لا يمكن تطبيقها في المورد لأن تطبيقها في حق اصاحب الدار معارض بتطبيقها على الجار فالمدرك لابد أن يكون شيئاً آخر، أما ما هو الشيء الآخر وأنه هل هو تعارض الضررين ويقدم الأهم منهما أو غير ذلك فهذا ليس مهماً الآن وإنما المدرك ليس هو قاعدة لا ضرر وإنما هو شيء آخر أما لا ضرر فقد جعلوها في الواجهة، هكذا أراد أن يبين الشيخ العراقي(قده) في المورد الرابع، قال:- ( ومنها أبواب تزاحم الحقوق حيث إن ديدنهم فيها على التشبث بعوم نفي الضرر وربما ينتهي أمرهم إلى تعارض الضررين أو ترجيح ما هو الأهم منهما لكثرته أو لجهة أخرى ... )[2] .

وحيث إنَّ مسألة تعارض الضررين قد عقد لها الأصوليون بحثاً مستقلاً فنحن أيضاً نعقد لها تنبيهاً مستقلاً، ولذلك نرجئ هذا البحث إلى ذلك التنبيه. وبهذا ينتهي الاستدراك.


[1] هذا ما استدركه الشيخ الأستاذ في المحاضرة التالية / المقرر.
[2] مقالات ألأصول، العراقي، ج2، ص316.