الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/07/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الثالث - تنبيهات قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.

المورد الثالث[1] : - المرأة التي غاب زوجها ولم تيرك لها نفقة، فهي سوف تتضرر، وقد ذكر بعض الفقهاء أنه يجوز للحاكم الشرعي أن يتصدّى لطلاقها إذا طلبت هي ذلك، فإذا لم يترك الزوج لها نفقة وغاب عنها أربعة سنين أو أكثر ولم يعرف له خبر فهنا يتمكن الحاكم الشرعي أن يجري الطلاق، فهنا استند الفقهاء إلى قاعدة لا ضرر، ولكن في الحقيقة المستند هنا ليس هو قاعدة لا ضرر فإنَّ لا ضرر امتنانية وإذا طبقناها حتى يثبت للحاكم الشرعي الحق في الطلاق فهنا صار امتناناً على الزوجة فإنها إذا طلقت واعتدت فسوف تتحرر وتتزوج من رجلٍ آخر ويندفع عنها الضرر، ولكن سوف يلزم الضرر على الزوج لأنَّ زوجته قد طلّقت منه، فحينما طبّقت لا ضرر في صالح الزوجة حصل امتنان عليها ولكن في المقابل حصل عكس الامتنان على الزوج، ولا معنى لإثبات حق الطلاق امتناناً على طرفٍ مادام يلزم منه عكس الامتنان في حق الطرف الآخر لأنَّ هذا ترجيح بلا مرجح، فإذاً المستند في ذلك ليس هو قاعدة لا ضرر بل المستند هو شيء آخر.

وقد يقال: - صحيح أنَّ الفقيه يثبت له حق طلاق هذه المرأة من باب قاعدة لا ضرر ولكن هذا الطلاق هل يقع بائناً أو رجعياً أو ماذا؟

والجواب: - إنَّ هذه الأمور ليست مهمة الآن، بل المهم هنا أنه قد أُثبِت الحق للفقيه بالطلاق.

وقد يقال: - لماذا تحصر هذه المسألة بالفقيه العادل فقط ولا تشمل كل مؤمن عادل؟

والجواب: - ذلك من باب التمسك بفكرة القدر المتيقن، يعني نحن نشك أنَّ جواز الطلاق ثبت لكل شخص عادل أو لخوص الفقيه، والقدر المتيقن هو الفقيه من باب أنه مطلع على الأحكام الشروط، ولا يصح أن تعطى هذه القضية إلى إنسان لا يعرف هذه الأمور، وإنما لابد أن يكون شخصاً مطلعاً على ذلك، والقدر المتيقن هو الفقيه، فاقتصر على الفقيه من باب التمسك بفكرة القدر المتيقن.

وفي مقام التعليق على ما ذكره الشيخ العراقي(قده) نقول: -

أولاً: - أنت قلت إن قاعدة لا ضرر امتنانية ويلزم عكس الامتنان على الزوج، ونحن نقول نسلم الآن أنها امتنانية ولكن يكفي لإشباع نكتة الامتنان أن كون في تطبيق القاعدة امتنان على الزوجة ولا يلزم أن يكون هناك امتناناً على الطرف الثاني أيضاً، نعم لابد أن لا يلزم عكس الامتنان كتضرر الطرف الثاني مثلا أما أنه يلزم أن يكون هناك امتنان في حق الطرف الثاني أيضاً فلا، فحينما يقال إنَّ لا ضرر امتنانية فكيفي في اشباع نكتة الامتنان أن تكون امتنانية في مورد تطبيقها ولا يلزم أن يكون هناك امتنان أيضاً على الطرف الثاني إن وجد، نعم لابد أن لا يلزم تضرر الطرف الثاني وإلا فسوف تصير لا ضرر في جانب الطرف الثاني وفي جانب الطرف الأول ويحصل تعارض لا ضرر في الطرفين، فإذاً في المقام لا يلزم تضرر الزوج لأنَّ زوجته هذه ليس قريبه ولكن لا يلزم أن يثبت عليه امتنان، نعم يلزم أن لا يتضرر، وهذه نكتة ينبغي الالتفات إليها.

ثانياً: - ما أشرنا إليه سابقاً، وهو أنه من قال إنَّ لا ضرر امتنانية، فإنه لا يوجد فيها لسان امتنان، نعم هي تخفيفية، فهي جاءت للتخفيف لا للامتنان.

ولو قال قائل: - ما الفرق بين الامتنان والتخفيف؟

قلنا: - إنَّ الامتنان هو تخفيف مع زيادة، ﴿ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ﴾، فهذا تخفيف ومعه زيادة، أو ( رفع عن أمتي )، فهنا يوجد تخفيف مع زيادة، أما ( لا ضرر ) فيوجد فيها تخفيف فقط ولا توجد زيادة، فلا ضرر جاءت للتخفيف لا للامتنان، فيه ليست امتنانية فلا يأتي ما ذكرته من أن تطبيقها في حق الزوجة معارض في حق الزوج، وإنما نقول أصلاً هي ليست امتنانية، ولكن نقى نقول هنا إنه حينما صار تخفيفاً في حق الزوجة فيلزم أن لا يصير تضرراً في حق الزوج.

ثالثاً: - إنه ذكر أنَّ مستند الفقهاء ليس هو قاعدة لا ضرر لأنَّ لا ضرر امتنانية وبالتالي يلزم خلف الامتنان على الزوج بل المستند هو شيء آخر، ونحن نقول: - إنَّ هؤلاء الفقهاء اشتبهوا في نظرك لا أنَّ مستندهم ليس هو قاعدة لا ضرر لما ذكرته من أنها امتنانية ويلزم من تطبيقها عكس المنَّة على الزوج، ولكن هذا إشكال في نظرك على تمسكهم ولكن الإشكال لا يعني أنهم لم يتمسكوا بها، فهناك فرق بين أن نقول أصلاً لا ضرر ليست مستندهم وبين أن نقول إنَّ لا ضرر هي مستندهم ولكن فيه إشكال، والصحيح هو الثاني لا أن نقول مادام يوجد إشكال في استنادهم إلى لا ضرر فإذاً لابد أن يكون مستندهم هو ليس لا ضرر؟!!، ولعلَّ هذا الكلام يأتي في الموارد السابقة.


[1] هذا هو المورد الثالث الذي ذكره الشيخ العراقي من كون الفقهاء يتمسكون بقاعدة لا ضرر ولكنهم جعلوها في الواجهة ولكن المستند لهم هو شيء آخر.