42/06/26
الموضوع: - التنبيه الثالث - تنبيهات قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.
وذكر الشيخ العراقي(قده) أربعة وشواهد على كون قاعدة لا ضرر ليست هي المستند الحقيقي وإنما هناك قواعد أخرى ما وراء لا ضرر هي المستند ولكن أبرزت قاعدة لا ضرر في الواجهة، قال:- ( وحينئذٍ لا غرو في دعوى كون هذه القاعدة سيقت للحكاية عن نفي الأحكام الضررية بجهات أخرى ثباتة من الخارج من دون كونها إنشاءً مستقلاً في قبال سائر القواعد فكان وزان هذه العمومات[1] وزان " كل شيء لك حلال " في رواية مسعدة المشتمل ذيلها على مورد اليد أو الاستصحاب او اصالة الصحة الحاكمة جميعها على قاعدة الحلية )[2] ، وسنذكر شاهدين أو ثلاثة في هذا التنبيه ونعقد تنبيهاً مستقلاً للشاهد الرابع: -
الشاهد الأول: - باب الوضوء، فإنه لو توضأ مكلف وكان الوضوء في حقه ضررياً فهنا قال الفقهاء لا يجب عليه الوضوء لقاعدة لا ضرر، فإذاً أبرزت قاعدة لا ضرر في الواجهة والحال أنَّ المستند هو شيء آخر وليس قاعدة لا ضرر، والمنبه على ذلك أمور ثلاثة: -
الأمر الأول: - إنَّ هذا المورد هو من موارد اجتماع الأمر والنهي ولكنهم لا يقولون هو من مورد اجتماع الأمر والنهي وإنما يقولون لقاعدة لا ضرر ولكن واقع الحال هو أنهم يتمسكون بقاعدة لا ضرر ولكن المستند الحقيقي هو اجتماع الأمر والنهي، ففي الوضوء يوجد أمر ونهي، فهناك أمر بعنوان كونه وضوءاً وهناك نهي من باب أنَّ كل شيء مضر هو منهي عنه، فيجتمع الأمر والنهي، فلأجل كون المورد من اجتماع الأمر والنهي مع تقديم جانب النهي قالوا يجب عليك الوضوء.
ثم قال: - إن قلت لعل المستند هو لا ضرر فكما يحتمل كون المستند هو اجتماع الأمر والنهي يحتمل أيضاً كون المستند هو لا ضرر، فلماذا تجزم بأنَّ مستندهم هو اجتماع الأمر والنهي، بل فيحتمل أن يكون مستندهم هو قاعدة لا ضرر؟
أجاب قال:- إنه توجد قرينة على كون مستندهم هو اجتماع الأمر والنهي هو أنهم حكموا ببطلان الوضوء، يعني لو توضأ المكلف فيوف يكون وضوءه باطلاً، فهم حكموا بالبطلان إضافة إلى الحكم بعدم الوجوب، والحكم بالبطلان لا يمكن تبريره إلا على كون المورد من اجتماع الأمر والنهي، ولا يمكن تبريره بقاعدة لا ضرر، لأنَّ قاعدة لا ضرر هي فقط تنفي الحكم التكليفي - الوجوب - لأنَّ فيه ضرر ولكنها لا تنفي الملاك، وإذا كان الملاك باقياً فيقع الضوء صحيحاً من خلال الملاك، فحكمهم بالبطلان ليس لقاعدة لا ضرر وإلا لحكموا بالصحة فإنَّ قاعدة لا ضرر تنفي الوجوب ولا تنفي الملاك، والمناسب صحة الوضوء بعد وجود الملاك، فإذا جزماً هم استندوا إلى مسألة اجتماع الأمر والنهي وقدموا جانب النهي كما هو المعروف في هذه المسألة فيبقى المورد من دون أمر بالوضوء لأنَّ الأمر قد سقط بعد كون المورد من اجتماع الأمر والنهي وتقديم جانب النهي، وبالتالي يبقى الوضوء من دون ملاك أيضاً لأنَّ الملاك فرع وجود الأمر فإذا لم يكن الأمر موجوداً فالملاك لا يكون موجود أيضاً.
ويرد عليه: -أولاً:- إنَّ بالإمكان أن يكون المستند هو قاعدة لا ضرر في الحكم ببطلان الوضوء الضرري وليس اجتماع الأمر والنه، والنكت في ذلك هي أنَّ لا ضرر صحيح أنها ترفع الكلفة والثقل - يعني الوجوب - ولكن إذا ارتفع الوجوب لا يبقى شيء يدل على الملاك، فإذاً باعتبار فقدان الدال على الملاك والمحرز له حكموا بالبطلان، فحكمهم بالبطلان لا يلزم أن يكون لأجل اجتماع الأمر والنهي وإنما يمكن تفسيره بالاستناد إلى قاعدة لا ضرر فإن قاعدة لا ضرر ترفع الوجوب وإذا رفعت الوجوب لا يبقى ما يدل على الملاك فلذلك حكموا بالبطلان فحكمهم بالبطلان حيدي لا يدل على أن المنشأ الحقيق هو اجتماع الأمر والنهي وإنما قاعدة لا ضرر.
اللهم إلا أن يرد الشيخ العراقي(قده) ويقول: - إنَّ قاعدة لا ضرر امتنانية، ومقتضى الامتنان هو رفع الوجوب فقط لا رفع الوجوب مع الملاك فإنَّ الامتنان يتحقق برفع الوجوب ولا يحتاج إلى رفع الملاك، بل لعل رفع الملاك خلاف المنَّة، لأنَّ الوضوء من المكلف يعود باطلاً ولا يقدر على الضوء الصحيح وهذا خلاف المنة، فالمنَّة أن تجعله مخيراً لا أن تجعله في ضيق بتعيّن التيمم عليه؟!!
ولكن نجيب ونقول: - أنت ترى أنَّ قاعدة لا ضرر امتنانية ولكن لا ينبغي أن تحمّل هذه الدعوى على جميع الأعلام، فلعلهم لا يرون أنَّ لا ضرر امتنانية كما نحن ناقشنا كونها امتنانية فيما سبق، فكلامك هذا مبني على كون لا ضرر قاعدة امتنانية والحال يمكن المناقشة في ذلك، فإن مقتضى الامتنان حينئذٍ يقول برفع الوجوب دون الملاك ونحن نجيب بأنَّ لسان الامتنان فيها ليس بثابت وإنما هي حيادية من هذه الناحية كما أوضحنا سابقاً.