الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/06/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الثاني - تنبيهات قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.

وأشكل الشيخ العراقي( قده ) [1] على ما ذكره الشيخ النائيني(قده) من أنَّ لا ضرر علَّة لوجوب الاستئذان، ثم بين في الاثناء شيئاً يصلح أن يكون حلاً للإشكال الذي أثاره الشيخ الأعظم(قده) من أنه لا ارتباط بين التعليل والمعلَّل.

أما إشكاله على الشيخ النائيني(قده) فقال: - إنك قلت إنِّ لا ضرر ذكره النبي صلى الله عليه وآله وسلم علَّة لوجوب الاستئذان، ولكن نقول إنَّ حديث الرفع حديث امتناني، وحينئذِ إذا طبقناه لإثبات وجوب الاستئذان كان ذلك امتناناً وسعة للأنصاري ولكنه سوف يصير خلاف المنَّة على سمرة لأنه لا يجوز له الدخول إذا لم يؤذن له في يومٍ ما، وعلى هذا الأساس لا يمكن أن يكون حديث لا ضرر هو العلة لأنه حديث امتناني على الجميع وليس على البعض دون البعض الآخر، فإنه لم يأت امتناناً على الأنصاري فقط وإنما جاء امتناناً على الجميع ومنهم سمرة، وقد يلزم خلاف المنَّة على سمرة إذا جعلنا جواز الدخول يدور مدار الإذن في الحالات التي لم يأذن فيها الأنصاري لسمرة بالدخول.

ثم تصدى لحل إشكال الشيخ الأعظم(قده) وقال: - نحن عندنا حكمان الأول هو أنه ينبغي للإنسان أن يعيش في داره حراً من دون إيذاءٍ ومضايقة من قبل الآخرين، والثاني هو أنَّ من كان له ملك في مكانٍ فله الحق في أن يذهب ويجيء إلى ملكه، أما بالنسبة إلى مدرك حق الأنصاري فهو أنه صاحب ملك وللإنسان أن يعيش في ملكه، فأصل جواز معيشته في ملكه هي من لوازم الملك وأما أنه يعيش من دون تضييقٍ في ملكه فلقاعدة لا ضرر، إذا أثبتت لنا قاعدة لا ضرر أنَّ من حق الأنصاري أن يعيش في بيته من دون مضايقة من أحد، وأما حق سمرة في الذهاب والمجيء إلى ملكه تارةً يستدل له بسيرة العقلاء فإنها جارية على أنَّ من كان له ملك فله أن يذهب ويجيء إليه وحيث لا ردع عن هذه السيرة فذلك دليل الامضاء، هذا مضافاً إلى وجود دليل آخر على حق سمرة في الذهاب الإياب إلى ملكه وهي أنَّ المستفاد من مجموع الأدلة أنَّ كل إنسان له ملك فله الحق في الذهاب الإياب إليه كلّما شاء من دون حاجةٍ إلى الاستئذان من أحد، وواقعنا الخارجي هو كذلك، فإذاً حصل عندنا حقان، وبعد حصولهما سوف تصير معارضة بين الحقين، لأنَّ مقتضى الحق الأول الثابت للأنصاري هو أن يعيش في داره من دون مضايقة أحد له إلا بالاستئذان، ومقتضى الحق الثاني الثابت لسمرة هو أنَّ كل إنسان له الحق في الذهاب والمجيء إلى ملكه من دون حاجةٍ إلى أخذ الإذن من أحد، فيصير تزاحم بين الحقين، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم حق الأنصاري لأهميته، والنتيجة هي أنه سوف يصير قلع النخلة ليس بلا ضرر، ووجوب الاستئذان ليس بلا ضرر كما قال الشيخ النائيني(قده)، وإنما ذكر لا ضرر لإثبات أنَّ الأنصاري له الحق في أن يعيش في ملكه من دون مضايقة وليس تعليلاً لوجوب الاستئذان، فإنه لو جعل علَّة لوجوب الاستئذان يلزم من ذلك خلف المنَّة على سمرة إذا لم يأذن له الأنصاري بالدخول في يومٍ من الأيام وهذا تضييقٌ عليه، وحيث إن لا ضرر امتناني فلا يمكن أن يكون هو العلة لوجوب الاستئذان، فإذاً ثبت أنَّ وجوب الاستئذان لا من باب لا ضرر وإنما من باب التزاحم بين الحقين وقدّم حق الأنصاري لأهميته.


[1] مقالات الأصول، العراقي، آقا ضياء الدين، ج2، ص306.