42/06/19
الموضوع: - التنبيه الثاني - تنبيهات قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.
التنبيه الثاني: - هناك إشكال في قاعدة لا ضرر أشرنا إليه سابقاً ونشير إليه الآن، وقد ذكره الشيخ الأعظم(قده) في رسالة لا ضرر، وحاصله إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بقلع النخلة معللاً بلا ضرر والحال أنَّ الضرر كان متحققاً ليس في النخلة وإنما في الدخول من دون إذن فكيف علل النبي صلى الله عليه وآله وسلم قطع النخلة بلا ضرر وقال ( اذهب فاقلعها وارمِ بها إليه فإنه لا ضرر ولا ضرار )، فإذاً هو علل قطع النخلة بلا ضرر والحال أنَّ الضرر ليس في وجود النخلة وإنما الضرر في الدخول من دون إذن، هذا إشكال وحاصلة هو عدم وجود الملائمة بين التعليل والمعلّل، فإن المعلَّل هو قطع النخلة والتعليلي هو الضرر ولا مناسبة بينهما لأن الضرر ليس في النخلة وإنما في الدخول من دون إذن، ويظهر أنَّ الشيخ الأعظم(قده) كان عاجزاً عن الجواب فقال إنَّ هذا لا يضر بالاستشهاد بالرواية فإنه وإن كان هذا الشيء لا نعرف جوابه ولكن الرواية تدل على نفي الحكم الضرري وإن خفي علينا الربط بين التعليل والمعلل، قال:- ( وفي هذه القضية إشكال من حيث حكم النبي صلى الله عليه وآله بقطع العذق مع أن القواعد[1] لا تقتضيه ونفي الضرر لا يوجب ذلك لكن ذلك لا يخلُّ بالاستدلال )[2] .
ولكن نقول: -أولاً: - إنَّ ما ذكره أخيراً - وهو أن جهلنا بوجه الارتباط والمناسبة بين التعليل والمعلل لا يضر باستفادة نفي الحكم الضرري - محل تأمل، إذ لعله إذا توصلنا إلى وجه الارتباط فقد نفسر بلا ضرر بتفسير آخر فلعل المقصود من لا ضرر معنى آخر غير ما فهمه الشيخ من خلاله يتحقق الارتباط بين التعليل والمعلل، فلا تقل إن جهلنا بوجه الارتباط لا يؤثر على ما انتهينا إليه - وهو أنَّ المقصود من لا ضرر هو أن كل حكم شرعي إذا كان ينشأ منه الضرر فهو منفي - ولكن نقول إذا عرفنا وجه الارتباط لعلنا ننتهي إلى تفسير آخر للا ضرر، فلا تقل هو لا يؤثر فإنَّ إجمال ذلك قد يؤثر على الاستفادة منها فقد نستفيد معنى آخر لو أوجدنا وجهاً للارتباط فإيجاد وجه الارتباط شيء مهم وإلا يبقى استفادة نفي الحكم الضرري كما أفاده محل تأمل.
وكيف يحلّ الاشكال من أنَّ لا ضرر لا يصلح أن يكون علّة لجواز قلع النخلة لأنَّ الضرر ليس في وجود النخلة وإنما الضرر هو في الدخول والخروج من دون، إذن فكيف نوجه الرواية بحيث لا يرد هذا الاشكال ويحصل تلاؤم بين فقرات الرواية؟هناك جواب للشيخ النائيني(قده) وجواب للسيد الخميني(قده) وجواب نحن أشرنا إليه: -أما ما ذكره الشيخ النائيني(قده) فقال:- صحيح إنَّ الضرر ليس متولداً من وجود النخلة وإنما كان قطع النخلة بسبب وبعلّه الحكم الولائي لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الولي وذلك بدلالة الآية الكريمة ﴿ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ﴾، فكل ما يقدر عليه المكلف ومالكٌ له هو ثابت للنبي صلى الله عليه وآله بهذه الآية الكريمة وكذلك الأئمة عليهم السلام بما أنَّ كل ما للنبي هو ثابت للأئمة عليهم السلام سوى منصب النبوة - ولكنهم لم يكونوا يعملوا هذه الولاية -، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قطع النخلة بإعمال هذه الولاية الثابتة له.
إذاً هو اعترف بأنَّ لا ضرر لا يصلح أن يكون علَّة لقلع النخلة وإنما سبب قلع النخلة هو بالولاية الثابتة للنبي صلى الله عله وآله وسلم.
والتعليق عليه واضح حيث نقول: - نحن أيضا نسلّم بالولاية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بلا إشكال ولكن الرواية ربطت قلع النخلة بلا ضرر وليس بالولاية، وهذه قضية غفل عنها الشيخ النائيني(قده)، إذ لو كان ملتفتاً إليها لأشار إليها ولعالجها لأنها قضية مهمة، فعدم ذكرها وعلاجها يدل على أنه ليس ملتفتاً إليها.
وأما بالنسبة إلى السيد الخميني(قده) فقال: - إنَّ ( لا ضرر ولا ضرار ) هو حكم سلطاني حكومتي صدر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم من باب أنه سلطان وحاكم وعلى أساسه قلعت النخلة ولكنه صدر بلسان لا ضرر، فلا ضرر ليس حكماً إلهياً وإنما هو نهي سلطاني من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما هو حاكم وسلطان.
والفرق بين ما ذكره الشيخ النائيني(قده) وما ذكره السيد الخميني(قده) واضح، فإنه على رأي الشيخ النائيني(قده) فهو لا يتمسك بلا ضرر ولا ضرار لقلع النخلة لأنه أجنبي عن قلع النخلة وإنما تمسك بقضية ثانية وهي أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنده الولاية لقاعدة ﴿ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ﴾ فقلع النخلة صدر من هذه القاعدة ولم يصدر من لا ضرر، فإنَّ لا ضرر ليس هو السبب لقلع النخلة وإنما هو حكم لا يرتبط بقلعها، لأنه النخلة قد قلعت بالولاية الثابتة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنه أولى بالمؤمنين من نفسهم، فلا ضرر هو إلهي وليس حكماً ولائياً، بينما السيد الخميني(قده) قال هو ليس حكماً إلهياً وإنما هو حكم سلطاني حكوميتي فقطعت النخلة بهذا الحكم السلطاني.
ونحن فيما سبق لم نقبل بما ذكره السيد الخميني(قده) لما تقدم، وبذلك يبقى الاشكال الذي أثاره الشيخ الأنصاري(قده)[3] على حاله.
والصحيح أن نجيب بما ذكرناه سابقاً حيث نقول: - هنا لابد من الفصل بين لا ضرر وبين لا ضرار، فهما حكمان وليس حكماً واحداً، بينما الشيخ الأنصاري النائيني والسيد الخميني لم يفصلوا بينهما، فنحن نقول إنَّ لا ضرر شيء ولا ضرار شيء آخر، ولا ضرر تفيد مطلباً أشرنا إليه سابقاً وهو أنه لا حكم شرعي ينشأ منه الضرر - كما ذكر هذا الشيخ الأنصاري(قده) ولكنه لم يميز بين لا ضرر وبين لا ضرار وإنما جعلهما بمثابة واحد -، وأما لا ضرار فهي نهي عن الإضرار يعني لا تضر غيرك، فلا ضرر ليس نهياً عن الإضرار وإنما هي نفي، فلا ضرر تنفي كلَّ حكمٍ ينشأ منه الضرر، أما لا ضرار فهي تنهى عن الاضرار بالأخرين يعني لا يجوز لك أيها الانسان أن تضرَّ غيرك، فلا ضرار هي نهي وليس نفياً، بينما لا ضرر هي نفيٌ وليس نهياً، والذي يرتبط بقضية سمرة هو فقرة لا ضرار وليس فقرة لا ضرر، لأنَّ دخول سمرة وخروجه من دون إذنٍ هو ضرارٌ وهو لا يجوز فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقلع النخلة.
ولو قلت: - إنَّ الاضرار كان من قبل سمرة في الدخول والخروج لا من جهة النخلة.
أجبنا وقلنا: - إنَّ لا ضرار حينما ينهى عن الاضرار فهو بالدلالة المطابقية ينهى عن الاضرار وبالدلالة الإلتزامية يشرع الوسائل الوقائية التي تقي من هذا الإضرار، والذي يقي من إضرار سمرة هو قلع النخلة، ونستفيد ذلك بنكتتين الأولى إنَّ هذه قضية عقلائية، فإنَّ العاقل حينما يرى وجود ضررٍ في قضية معينة ولا يقي من هذا الضرر إلا بتشريع وسائل الوقاية منه فهو سوف يشرّع الوسيلة الوقائية، فالعاقل حينما ينهى عن شيء لابد أن يشرّع الوسيلة الوقائية التي تقي من الوقوع في هذا الشيء، والثانية هي أنه إذا لم يشرّع الوسيلة الوقائية فسوف يبقى التشريع ناقصاً.
فإذا قلع النخلة لم يكن بلا ضرر إنما كان بلا ضرار حيث يستلزم تشريع الوسيلة الوقائية، وبذلك يحصل الارتباط.