الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/06/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الأول - تنبيهات قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.

الثالث:- وهذا المورد ذكره السيد الخوئي(قده)، [1] وحاصله:- قد يفترض أنَّ الضمان يثبت في غير مورد اليد يعني إذا كان الضمان بسبب اليد فهنا يأتي جواب الشيخ النائيني(قده) من التمسك بفكرة الضمان وأنه اقدم على الضمان ولكن أحياناً الضمان موجود من دون إقدام فهنا كيف نجيب، من قبيل[2] ما لو كنت سائراً في السوق فعلقت عباءتي في إناء فيه بيض فتلف جميع البيض فهنا الضمان موجود بلا إشكال وهذا الضمان ضرري عليَّ لأني لم أقصد الاتلاف إنما حصل الاتلاف لمال الغير اتفاقاً فالحكم بالضمان عليَّ يكون ضررياً فيلزم خروجه من قاعدة لا ضرر، لأنَّ قاعدة لا ضرر تقول لا ضرر في أحكامي بينما هنا الحكم بالضمان صار موجباً للضرر، فكيف نوجه هذا المورد بحيث لا يلزم منه تخصيص قاعدة لا ضرر؟ هنا ذكر السيد الخوئي وقال إن المورد يكون من تعارض الضررين، ومورد تعارض الضررين خارج من قاعدة لا ضرر، أما بالنسبة إلى القضية الأولى وهي أن الحكم بالضمان ضرري فواضح لأنَّ صاحب العباءة لم يقصد الإضرار فالحكم عليه بالضمان ضرري عليه بلا إشكال، كما أنَّ الحكم بعدم الضمان ضرري بلحاظ مالك البيض، وسوف يصير المورد من تعارض الضررين، فالحكم بالضمان ضرر على المتلف الذي لم قصد الاضرار والحكم بعدم الضمان ضرر على مالك البيض فيصير المورد من تعارض الضررين وإذا صار من تعارض الضررين يكون خارجاً من قاعدة لا ضرر من البداية لا أنه كان داخلاً ونحن نخرجه بالتخصيص وإنما هو خارج من البداية لأنه لا يمكن في هذا المورد الحكم بالضمان لأنه ضرري على صاحب العباءة ولا ضرر يرفعه ولا بعدم الضمان ضرري على مالك البيض فيلزم من مول لا ضرر للمورد ثبوت الضمان وعدم الضمان يعني ثبوت المتناقضين فلا يمكن أن يشمل هذا المورد وإلا لزم ثبوت الضمان وعدم الضمان، ولعلَّه لشدة وضوح المطلب لم يذكر النكتة.

وفي التعليق عليه نقول: - إنَّ ثبوت الضمان من البداية محل تأمل، كما أنَّ عدم ثبوت الضمان من البداية محل تأمل أيضاً، والوجه في ذلك هو أنَّ مستند الضمان أو عدم الضمان ليس إلا ارتكاز العقلائي الممضي من قبل الشارع، وفي هذا المورد حيث يوجد تناقض فلا يمكن من الأساس ثبوت كلا الارتكازين، إذ كيف يحصل من العقلاء ارتكاز على أمرين متناقضين؟!! فعلى هذا الأساس المقتضي للضمان وعدم الضمان ليس بثابت من البداية في هذا المورد، فإذاً النكتة هي هذه، وكان من المناسب للسيد الخوئي(قده) أن يعلل بأنَّ هذا ليس من مورد التخصيص لأنَّ الحكم بالضمان مستنده الارتكاز العقلائي الممضى والحكم بعدم الضمان مستنده أيضاً الارتكاز العقلائي الممضى وحيث لا يمكن أن يتحقق ارتكازان على أمرين متناقضين فهذا المورد هو ليس مشمولاً من البداية لقاعدة لا ضرر لا من الباب الذي ذره السيد الخوئي وهو أنَّ قاعدة لا ضرر لا يمكن أن تشمل المتباينين لأنه يلزم ثبوت الضمان وعدم الضمان وبل المناسب أن يقال إن الضمان من الأساس لا مدرك له لن المدرك ينحصر بالارتكاز العقلائي ولا يوجد في هذا المورد ارتكاز عقلائي على ثبوت الضمان وعدم الضمان لأنه لا يمكن أن يتحقق كلا الارتكازين كما ان تحقق حدهما دون الثاني بلا موجب وبلا وجه، وعلى هذا الأساس ينبغي التمسك بهذه النكتة لا بما ذكره السيد الخوئي(قده).

وهناك كلام آخر للسيد الخوئي(قده) لا يرتبط بالأجوبة الموردية وإنما هو جواب على أصل مشكلة التخصيص حيث قال[3] : - نحن استعرضنا جميع الموارد التي يتوهم فيها تخصيص قاعدة لا ضرر من مثال الزكاة والخمس والضمان وما شاكل ذلك وقد أجبنا عن الجميع ولم يبق عندنا إلا موارد ثلاثة، وهذه الوارد الثلاثة خرجت بالنص، فهي قد ثبت فيها الضرر بالنص وبذلك تكون خارجة من قاعدة لا ضرر بالتخصيص، وحيث إنها ثلاثة - أي قليلة - فلا يلزم محذور كثرة التخصيص، فالأول هو أنَّ الملاقي للنجاسة يجب الاجتناب عنه فإنَّ هذا ضرر، كما لو كان عندنا قدر كبير من اللبن وأصابته قطرة دم فتنجس فهذا ضرر خرج بالنص فيلزم فيه التخصيص، والثاني المريض الذي أجنب نفسه فإنه يجب عليه الاغتسال وإن أضرَّه الماء لأنَّ النص قد دلَّ على وجوب اغتساله، والثالث شراء ماء الوضوء إذا حلَّ وقت الصلاة ولو بأضعاف قيمته على ما دلَّ عليه النص، فهذه موارد ثلاثة يلزم فيها تخصيص قاعدة لا ضرر وحيث إنها ليست كثيرة فلا يلزم محذور كثرة التخصيص.

والجواب: - قد ذكرنا فيما سبق أنَّ كثرة تخصيص قاعدة لا ضرر شيء مرفوض إما لأجل أنَّ نفس كثرة التخصيص هي بنفسها مستهجنة عرفاً وعقلائياً، وإذا كان هذا هو المحذور فهو لا يرد في المقام لأنه في ثلاثة موارد لا يلزم الاستهجان، أو لأجل محذور أنَّ كثرة التخصيص لقاعدة لا ضرر من باب أنها واردة مورد الامتنان وتخصيص الحكم الامتناني مستهجنٌ حتى بموردٍ واحد، لأنَّ الامتنان بلا ضرر لا معنى لأن يخصَّص ويستثنى منه، فيقبح الاستثناء والتخصيص حتى في موردٍ واحد ولكن في خصوص لا ضرر لأنها امتنانية ولسان الامتنان يأبى عن التخصيص، فإذاً لا معنى لأن يقول إنَّ هذا ليس بمستهجن إذ نقول إنَّ هذا ليس بقبيح بناءً على النكتة الأولى لعدم جواز التخصيص الكثير لقاعدة لا ضرر أما بناءً عل النكتة الثانية فيكون مستهجناً.

كما يأتي جوابنا السابق في هذه الموارد حيث نقول:- إنَّ ذلك لأجل العدالة الاجتماعية ومصلحة المكلف ومن هذا القبيل، وهنا الأمر كذلك، أما بالنسبة إلى الملاقي للنجاسة حيث نقول لعل النكتة في ذلك أنه لعل هذا المتنجس مضرَّ بصحة المكلف لاحتمال وقوع الميكروبات المضرة فيه فمن هذا الباب وجب الاجتناب عنه، وحينئذٍ لا يلزم منه تخصيص لا ضرر لأنه ضرر على المكلف، فلأجل أنه ضرر عليه وجب الاجتناب عنه، فالحكم بوجوب الاجتناب ليس ضررياً بل في صالح المكلف نفيه تحفظاً على صحته، فيحتمل أن تكون النكتة هي هذه أو ما شاكلها ومعه لا يلزم من الحكم بوجوب الاجتناب عنوان الضرر حتى كون خروجه من قاعدة لا ضرر بالتخصيص، وهكذا في مثال من أجنب نفسه وهو مريض فإنَّ الشرع أراد أن يربي ارادة هذا المكلف وأنه لماذا تقدم على هذا وكان بإمكانك أن تجنب نفسك عن الحاجة إلى الماء والاغتسال فلأجل التحفظ على إرادته وتقويتها ألزمه بلزوم الغسل حتى لا يقدم مرة ثانية على ذلك فإذاً هذا الحكم هو في صالح المكلف كي يقوي ارادته ولا يقدم على مثل ذلك، هكذا في مثال الوضوء الذي يبذل من أجل مائه المال الكثير فإنَّ هذا ليس ضرراً عليه بل لتقوية وتربية الارادة، فإنَّ مثل هذه النكات التي ذكرناها فميا سبق يمكن أن تأتي هنا وبالتالي لا يلزم التخصيص في مثل هذه الموارد أيضاً.


[1] مصباح الأصول( مباحث الفاظ- مكتبة الداوري)، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص624.
[2] والمثال من عندنا ولم يذكره السيد الخوئي(قده).
[3] مصباح الأصول( مباحث الفاظ- مكتبة الداوري)، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص624.