الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/06/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الأول - تنبيهات قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.

الجواب الرابع: - وهو للشيخ النائيني(قده) أيضاً، وهو مجموع أجوبة موردية، وهي: -

الأول[1] : - ما ذكره في باب الزكاة والخمس، حيث قال إنَّ الخمس والزكاة ليس ضرراً لأنَّ الفقير يكون شريكاً مع المالك من البداية، وإذا كان المورد مورد الشركة فحينئذٍ لا يلزم تضرر المالك، إذ هو في البداية لم يملك جميع المال وإنما الفقير ملك مقدار الخمس من البداية، وهذا نظير ما لو كان للميت ابن آخر غير ابنه الأول فهنا سوف تقل حصة الابن الأول ولكن هذا ليس ضرراً، إذ من البداية حصَّة الابن الأول سوف تصير قليلةً بسبب وجود الابن الآخر، فهذا ليس من الضرر بعدما كان الفقير شريكاً في المال. ووافقه على ذلك السيد الخوئي(قده)[2]

وفي مقام الجواب والتعليق نقول: - إنَّ الخمس فرع الملكية، فهو ضريبة على الملك في نهاية السنة بمقدار الخمس، فالخمس والزكاة ضريبة على ما يملكه الانسان، فإذا كان لا يملك مجموع المال فحينئذٍ لا يجب تخميس مجموع المال وهذا لا يمكن أن يلتزم به أحد، فإذا كان يملك أربعة أخماس فيجب عليه أن يخمّس الأربعة أخماس من المال لا أنه يخمّس ذلك الخمس لأنه ليس ملكاً له من البداية.

وإن شئت قلت بعبارة أخرى: - نحن نسأل الشيخ النائيني(قده) ونقول إنه في باب الخمس والزكاة هل يكون الفقير مالكاً للخمس من البداية أو يكون مالكاً في نهاية السنة عند حلول وقت الوجوب؟ فإن قال إنه يكون مالكاً من البداية فصحيح هنا لا يلزم الضرر بدفع الخمس لأنَّي لا أملك ذلك المقدار من البداية ولكن لازمه عدم جواز التصرف في جمع المال، لأنَّ مقدار خمسه من البداية ليس ملكاً لي، فإذا كان عندي ألف دينار فلا يجوز لي التصرف في مجموع الألف في اثناء السنة وإنما يجوز لي التصرف في مقدار ثمانمائة دينار، وإذا كان الفقير يصير مالكاً عند انتهاء الحول فسوف يخرج مقدار الخمس من ملكي قهراً ويدخل في حساب الفقير وهذا عين الضرر؟!!

الثاني: - ضمان اليد، حيث قال:- إنه في باب ضمان اليد لو فرض أني أخذت عباءة غيري ولبستها من دون أن أعلم بأنها ملكه وفرض أنه لسبب وآخر وقعت العباءة في الماء وتلفت فهنا يوجد ضمان لمالكها بسبب اليد[3] وهذا الضمان حكم ضرري فيكف يدفع هذا الاشكال؟ أجاب وقال:- إنَّ الشخص هو قد أقدم على الضمان، فلا يكون الضمان آنذاك ضررياً.

وفي الجواب نقول: - إنَّ هذا إن تم فهو يتم فيما إذا كان الشخص عالماً، أما إذا كان جاهلاً بكون هذه العباءة ليست ملكه فهو لم يقدم على الضمان، فإذاً هذا الجواب أشبه بكونه أخصّ من المدّعى ولا يدفع الاشكال بشكلٍ كافٍ، بل حتى لو كان عالماً فمع ذلك قد لا يكون مقدماً على الضمان، لو كان لا يعتقد بقاعدة الضمان - كالظلمة - فهو لم يقدم على الضمان، فتضمينه سوف يكون ضررياً.

وقد يقال: - إنه يمكن أن نردَّ بردٍّ آخر، وحاصله: - إنَّ الفكرة التي ذكرها الشيخ النائيني(قده) - من أنه لا يوجد ضرر باعتبار أنَّ الشخص قد أقدم على الضمان - قد يجاب عنها ويقال إنَّ الاقدام على الضمان فرع ثبوت الضمان شرعاً، فلابد أن يكون الضمان موجوداً حتى يصدق الإقدام حينئذٍ، وثبوت الضمان شرعاً فرع الإقدام على الضمان، فيلزم الدور إذ صار الإقدام موقفاً على الإقدام.

وهذا الجواب في الحقيقة يراد أنَّ يقال فيه إنَّ الاقدام على الضمان لا يمكن أن يصير نكتةً وعلّة لانتفاء الضرر، والوجه في ذلك هو أنَّ الاقدام على الضمان دوري، إذ الإقدام على الضمان فرع ثبوت الضمان، والضمان فرع عدم جريان قاعدة لا ضرر، وعدم جريان قاعدة لا ضرر فرع الإقدام على الضرر، فصار الإقدام على الضرر فرع الإقدام على الضرر.

ولكن يمكن أن يقال:- إنه لا يلزم الدور، لأنَّ الإقدام على الضرر ليس فرع ثبوت الضرر واقعاً حتى يقال إنَّ ثوبت الضرر واقعاً فرع عدم جريان لا ضرر وعدم جريانها فرع الإقدام على الضرر، وإنما الإقدام على الضمان فرع الضرر ولو باعتقاد الطرف وليس بلحاظ الواقع، فلا يلزم أن يكون الشخص محكوماً بالضمان شرعاً آنذاك يصدق الإقدام على الضمان، بل لا يتوقف على ذلك وإنما يكفي تصوّر الشخص أنه إذا وضع يده على مال الغير فهو قد أقدم على الضمان، فالإقدام على الضمان يكفي فيه الضمان باعتقاده والتضرر باعتقاده ولا يتوقف على ثبوت الضرر والضمان واقعاً وفي حكم الشرع، فينقطع حينئذٍ الدور ولا يتحقق، وعليه فلا يرد هذا الإشكال على الشيخ النائيني(قده).


[1] رسالة لا ضرر، الشيخ النائيني، ص403.
[2] مصباح الأصول( مباحث الفاظ- مكتبة الداوري)، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص626.
[3] فأنت تصير ضامناً باليد لأنك أخذت العباءة فتلفت وضمان اليد لا يتقيد بالعلم أو عدم العلم.