الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/06/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الأول - تنبيهات قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.

ولكن نقول: - وما ذكره الشيخ النائيني(قده) وإن كان جواباً فنّياً وعلمياً ولكنه مرفوض من الجنبة الواقعية، والوجه في ذلك هو أنه على رأيه سوف تصير الكثير من أحكام الإسلام ضررية، وهذا وهنٌ في الإسلام ولا يمكن الالتزام به، والجواب الصحيح هو ما أشرنا إليه من أنه حتى مثل الزكاة والخمس وما شاكلهما إنما هي مبنية على فكرة العدالة الاجتماعية وإلا فلا يمكن للمجتمع أن يعيش من دون نظام الضرائب، والإسلام قد فرض نظام الضرائب كي يعني الطبقة الفقيرة، وهذه نقطة قوة في الإسلام، فهذا ليس بضررٍ وإنما هو عين العدالة، ونحن لا نريد أن نطبق فكرة عرفانية وهي أنَّ كل ما في الكون هو ملك لله عزّ وجل فإذا قال الله عزّ وجل أعطِ الفقير فأنت سوف تعطيه من ماله وليس من مالك وعليه لا يلزم الضرر، ولكن هذا جواب عرفاني لا يهمنا، والمهم لنا ذِكرُ جوابٍ مقبولٍ وهو ما ذكرناه.

ثم إنه يوجد كلام للسيد الخوئي(قده)[1] في الدراسات في هذا الصدد مضمونه نفس كلام الشيخ النائيني(قده) وفيه إضافة حيث قال:- ومما يدعم الجواب المذكور[2] هو أن النبي صلى الله عليه وآله حينما قال في قضية سمرة ( اذهب فاقلعها فإنه لا ضرر ولا ضرار ) لم يشكل أحد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويقال له كيف تقول لا ضرر في الإسلام والحال أنَّ الزكاة ضررية والخمس ضرري والحج ضرري مع أنهم كانوا متربصين له ويبحثون عن أي ثغرة في كلام أو سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يعيبوا عليه، فسكوتهم يدل على أنَّ هذا الاشكال لا يرد لأنهم فهموا أنَّ مثل هذ الأحكام هي في دائم حالاتها ضررية، فمثلها لا ينظر حديث لا ضرر إليه وإنما هو ينظر إلى الأحكام التي تكون ضررية في بعض الحالات، قال:- ( إنَّ وجوب الحج والجهاد وإن كان ضرريا إلا أن دليل لا ضرر لا يعم إلا ما كان الحكم الشرعي ضررياً اتفاقاً وأما إذا كان الحكم في نفسه وطبعه ضررياً فهو غير مشمول له أصلاً والشاهد على ذلك أن وجوب الحج والجهاد وغيرهما من الأحكام الضررية كانت ثابتة عند صدور هذا الكلام من النبي صلى الله عليه وآله في قضية سمرة ومع ذلك لم يعترض عليه أحد من الصحابة بمثل هذه الأحكام في الشرعية )[3] .

ونقل السيد الشهيد(قده) عن الدراسات أنَّ السيد الخوئي(قده) أجاب بجوابين عن إشكال لزوم خروج الكثير من الأحكام عن لا ضرر باعتبار أنها ضررية في دائم أحوالها كالخمس والجهاد والكفارات وما شاكل ذلك: -

الأول: - إنَّ هذه التخصيصات حيث يعلم بها المخاطبون فصارت خارجة من باب الوضوح فتكون كالمخصص المتصل، فمقصود النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير هذه الأحكام لأنَّ هذ الأحكام خروجها واضح.

الثاني: - أو يقال إنها خرجت بعنوان واحد فلا استهجان، إنما الاستهجان يكون فيما إذا خرجت أحكام كثيرة، أما إذا خرج حكم بعنوان أحد فلا يلزم من ذلك الاستهجان، لأنَّ العنوان الخارج هو واحد ولكن مصاديقه تصير متعددة.

قال:- ( وفي الدراسات عبارة يحتمل أن يراد منها أن التخصيصات المذكورة كانت معلومة لدى المخاطبين لوضوحها في الشريعة فإن الرواية لم ترد في أوائل التشريع فلا قبح ولا استهجان في كثرتها لكونها كالمتصل، ويحتمل أن يراد منها ما تقدم عن الشيخ من كون التخصيصات بعنوانٍ واحد هو الأحكام الضررية من أصلها فلا يكون مستهجناً )[4] .

ولكن نقول: - لو رجعنا إلى الدراسات لم نجد ما نسبه السيد الشهيد(قده) إلى السيد الخوئي(قده)، ولعله سمعه منه خارج مجلس الدرس.

والتعليق على ما ذكره السيد الخوئي(قده) واضح حيث يقال: - لعلهم لم يشكلوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من باب أنهم فهموا أنَّ الزكاة والخمس وما شاكلهما هي تشريعات مبنية على فكرة العدالة الاجتماعية، لأنَّ فكرة العادلة الاجتماعية هي قضية عقلائية قبل أن تكون إسلامية وشرعية، فلا يتعين أن تكون النكتة في سكوتهم ما أراده، ولا أقل القضية مجملة من هذه الناحية.


[1] دراسات أصولية، الخوئي، .
[2] ومقصوده من الجواب المذكور هو ما ذكره الشيخ النائيني وهو تنباه من أن حديث لا ضرر لم ينظر إلى الأحكام التي هي في دائم أحوالها ضررية.
[3] دارسات في أصول الفقه، الخوئي، ج3، ص511.
[4] بحوث في علم الأصول، الهاشمي الشاهرودي، ج5، ص475.