الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/06/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الأول - تنبيهات قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.

وقد أجاب الأعلام عن هذا الإشكال بعدة أجوبة: -

الجواب الأول:- ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) في الرسائل، وحاصل ما ذكره:- إنه يمكن أن نقول إنَّ هذه التخصيصات الكثيرة هي خرجت بعنوان واحد أن كل واحد خرج بعنوان حتى يلزم التخصيص وإنما هي خرجت بعنوان واحد وإن كنا لا نعرف ذلك العنوان الواحد، ثم أضاف وقال خصوصاً إذا قلنا إنَّ المخاطب وهو المكلف كان يعلم بهذه التخصيصات من البداية، يعني يعرف أنَّ الخمس خارج والزكاة خارجة والقصاص خارج، قال:- ( إنَّ الموارد الكثيرة الخارجة عن العام إنما خرجت بعنوانٍ واحدٍ جامعٍ لها وإن لم نعرفه على وجه التفصيل، وقد تقرر أن تخصيص الأكثر لا استهجان فيه إذا كان بعنوان واحد جامع لأفراد هي أكثر من الباقي كما إذا قيل أكرم الناس ودل دليل على اعتبار العدالة خصوصاً إذا كان المخصص مما يعلم به المخاطب حال الخطاب ). [1]

وربما ينحل ما أفاده إلى جوابين: -

الأول: - إنَّ كثرة التخصيص إذا كانت بعنوانٍ واحدٍ لا استهجان في ذلك، إنما الاستهجان إذا كثرت التخصيصات، أما إذا كان التخصيص واحداً وبواسطته يخرج الأكثر فهذا لا شيء فيه.

الثاني: - إذا كان المخاطب يعلم من البداية أنَّ هذه الموارد خارجة بالتخصيص فالعموم هنا لا استهجان فيه مادام المخاطب يعرف من البداية أن هذه الأمور خارجة بالتخصيص.

والتعليق على ما أفاده واضح: -

أما بالنسبة إلى جوابه الأول فنقول: - إنه حتى لو فرض أنَّ عنوان المخصِّص كان واحداً وعنوان الخارج كان واحداً ولكن بالتالي إذا فرض أنه قد خرج الأكثر فسوف يكون مستهجناً، فنحن ندعي الاستهجان، كما لو فرض أنَّ شخصاً قال أكرم الناس ولكن يوجد عنده تخصيص وهو ( إلا الفسّاق ) ولكن الفسّاق افترض أنَّ نسبتهم إلى الناس خمسة وتسعين بالمائة فهل تقبل هذا كإنسان عرفي؟!! كلا بل لا تقل أكرم الناس إلا الفساق فإنَّ هذا التعبير مستهجن بل عليك أن تقول أكرم هؤلاء الخمسة، فنحن ندعي وجود الاستهجان حتى لو فرض أنَّ الإخراج كان بعنوان واحد ولكن مادام الذي خرج بذلك العنوان الواحد أكثر من الباقي، ولا تقل لماذا تفترض أكثر بل افترض أن ربع العام أو نصفه قد خرج منه ولكن نقول إذا صار المدار عندك هو أنَّ العنوان الواحد هو الذي يدفع الاستهجان فحينئذٍ لا فرق حتى لو بقي واحداً فإنه حتى لو بقي واحد يلزم أن يقول الشيخ الأنصاري لا استهجان فيه فأقول لك أكرم الناس إلا الفسّاق ولا يوجد عندنا عادل إلا شخصاً واحداً أو شخصين أو ثلاثة فهذا مستهجن أيضاً، فمادام الخارج هو الكثير أو الأكثر ولو بعنوانٍ واحد فهذا مستهجن فما ذكره الشيخ الأنصاري(قده) ليس بتام.

وأما بالنسبة إلى جوابه الثاني: - فنقول نفس الشيء، فلو قال أكرم الناس وأنا أعلم بخروج الفسّاق منه وأعلم بعدد الفسّاق فعلمي بخروجهم كما لو كانت نسبتهم خمسة وتسعين بالمائة لا يرفع استهجان الحكم العام، لأننا نقول للمولى لماذا قلت أكرم الناس بل قل أكرم الخمسة وإن كنتُ عالماً بأنَّ الخمسة والتسعين خارجون عن العام، فعلمي من البداية لا يرفع الاستهجان، فما ذكره الشيخ الأنصاري(قده) هنا غريب أيضاً.

إذاً ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) مرفوض كبروياً، يعني أنَّ الكبرى التي ذكرها وهي أنه إذا كان الخروج بعنوان واحد ولو للكثير أو الأكثر لا ضير مادام بعنوانٍ واحد لا نسلّمها، وما ذكره من أنه مع علم المخاطب بأنَّ الخارج أكثر فالمكلف كان يعلم حين صدور الخطاب ومن البداية فهنا لا استهجان وبالتالي يريد أن يقول وحيث أننا نعلم من البداية بخروج الزكاة والخمس والحج وما شاكل ذلك فلا استهجان في لا ضرر، ولكن نقول إنه حتى لو كنا نعلم من البداية فالاستهجان بَعدُ باقٍ فيقال له لا تقل أكرم كل الناس وإنما قل أكرم الخمسة وإن كنتُ أعلم بخروج خمسة وتسعين منه.

الجواب الثاني:- ما ذكره صاحب الكفاية(قده)، وحاصله:- إنَّ لا ضرر ناظر إلى الأحكام التي لم تبنَ على الضرر أما إذا كان نكتتها الضرر وهي مبنية على الضرر فهذه الأحكام لا يشملها الخطاب وإنما الخطاب يشمل الأحكام التي لم تبنَ على الضرر متى ما فرض أنه لزم الضرر فسوف ترتفع، وحيث إنَّ الحج والزكاة والجهاد هو مبني على الضرر من البداية فهو ليس بمشمول للخطاب من البداية لا أنه داخل ثم يخرج بل الخروج يكون خروجاً تخصصياً فإنَّ لا ضرر ناظر إلى الأحكام الضررية التي يطرأ عليها الضرر صدفةً لا أنها مبنية على الضرر ومؤسسة على الضرر مثل الزكاة والخمس فهذه إذاً خارجة بالتخصّص، فلا تشكل علينا وتقول إنه يلزم خروج الكثير من الأحكام بل أكثرها، وإنما نقول إنَّ ذلك الكثير أو الأكثر حيث إنه مبني على الضرر فهو خارج من خطاب لا ضرر من البداية تخصصاً، ولا ضرر ناظر إلى الأحكام التي هي غير مبنية من الأساس على الضرر كالصلاة وردّ السلام والوضوء وما شاكل ذلك من أحكام فإن استلزم فيها الضرر اتفاقاً فحينئذٍ يرتفع، فإذا كان هذا هو المقصود من الضرر - يعني النظر إلى الأحكام التي هي ليست مبنية على الاضرار والضرر - فخروج هذه الموارد التي ذكرت يكون خروجاً تخصصياً لا تخصيصياً حتى يلزم تخصيص الأكثر، قال:- ( ثم الحكم الذي أريده بنفي الضرر هو الحكم الثابت للأفعال بعناوينها أو المتوهم ثبوته لها كذلك في حالة الضرر لا الثابت له بعنوانه الأولي في حال الضرر لا الثابت له بعنوانه لوضوح أنه العلة للنفي لا يكاد يكون الموضوع يمنع عن حكمه وينفيه بل يثبته ويقتضيه ) ، [2] يعني يريد أن يقول مادام الخمس أو الزكاة قد ثبتت للضرر فلا يمكن أن يرفعه لا ضرر لأنه ثبت للضرر فلا يمكن أن يرتفع في حالة الضرر وإلا صار الضرر الذي هو مثبتٌ للحكم - من زكاة أو خمس أو ما شاكل - هو النافي له وهذا غير ممكن وهو تناقض، فالضرر الذي هو مثبتٌ للخمس لا يمكن أن يرفع وجوب الخمس.

وفيه: - إذا كان صاحب الكفاية(قده) يقصد هذا المعنى الذي ذكرناه من أنَّ هذه الأحكام كالخمس والزكاة وما شاكل ذلك قد ثبتت إضراراً بالمكلف فيكف يكون الضرر رافعاً لمثل هذا الحكم الذي كانت علَّة ثبوته هي الاضرار، فكيف يصير الاضرار علَّة للرفع، إذ كيف تصير علَّة الثبوت هي علَّة الرفع؟!! فإن كان هذا هو مقصوده فهو موهون جداً، لأنَّ تشريع الخمس والزكاة وما شاكل ذلك من الأحكام لم يكون للإضرار بالمكلف وإنما هي شرّعت لحِكَمٍ أخرى غير الاضرار، بل هي شُرّعت لأجل أن يعيش الناس الحياة الاجتماعية والسعادة وحتى لا تبقى طبقة من الفقراء وإنما ترتفع عن الفقر، فالنكتة لوجوب الخمس والزكاة ليست هي الإضرار بصاحب الأموال إنما هي لمصالح وحِكَم يعرفها الله عزّ وجل ولا يلزم أن نعرفها وحتى يستفيد الفقير من ذلك، وهذا ليس إضراراً بالغني، فكون النكتة لوجوب الخمس هي الاضرار بصاحب المال كلامٌ غريب، وإنما العلَّة هي اصلاح أمر الفقراء وارتفاع دخلهم حتى يعيش الكل حياةً سعيدة، ولا تشكل على ما بيناه بإشكالات وإنما نقول إنَّ الحكمة لا نعرفها ولكن الحكمة ليست هي الاضرار بأصحاب الأموال فإنَّ هذا غير مقبول، وإنما النكتة هي أمورٌ أخرى لا نعرفها ونحن عبّرنا عنها بالعدالة الاجتماعية أو حتى يرتفع دخل الفقير حتى يعيش الحياة المتوسطة أو ما شاكل ذلك، فما ذكره غريب.

اللهم إلا أن يقصد من كلامه هذا ليس ما يعطيه ظاهره وإنما يقصد ما سوف ننقله عن الشيخ النائيني(قده).


[1] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج2، ص465.
[2] كفاية الأصول، الآخوند الخراساني، ج1، ص382.