42/06/10
الموضوع: - قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.
ولكن نقول:- إنَّ ما أفاده وجيه إذا كان ما ذكره الفاضل التوني(قده) يستلزم التقييد في اللفظ بحيث يصير التقييد تقييداً لفظياً وتصير العبارة هكذا ( لا ضرر غير متدارك ) بحيث يصير ( غير متدارك ) تقييد إلى ( لا ضرر ) فإن كان الأمر كذلك فنقول إنَّ هذا خلف الاطلاق كلمة الضرر كما قال السيد الخوئي(قده) فإنه تقييد لا مثبت له والاطلاق ينفيه، ولكن نقول ليس من البعيد أن يكون مقصود الفاضل التوني هو أنَّ قيد ( غير متدارك ) لا يؤخذ بعنوان تقيد لفظي بل يؤخذ كمصحح للاستعمال بنحو الاطلاق يعني أنت أيها المتكلم كيف تنفي الضرر بنحو الاطلاق والحال أن الضرر واقع، فالمصحح للإطلاق هو أن هذا الضرر مادام متداركاً من جهة شخص أو من جهة معينة كالدولة الاسلامية فيصح أن نقول ( لا ضرر ) فمادام هذا الضرر معوضاً فيصح الاطلاق، فعلى هذا الأساس سوف يصير هذا اقليد ليس قيداً لفظياً حتى ينفى بالاطلاق وإنما يراد أن يقال إنَّ هذا القيد مصحّح للإطلاق، فكيف صحَّ أن يطلق المتكلّم ويقول ( لا ضرر ) والحال أنَّ الضرر ما أكثره؟!! فيقال إنَّ المصحح للإطلاق أنَّ هذا الضرر معوّض فمادام معوّضاً فلا ضرر أي ينفى بشكل مطلق.
وأشكل الشيخ الأعظم(قده)[1] بإشكالٍ آخر وقال:- إنَّ مجرّد حكم الشارع بالضمان لا يصحح نفي الضرر بشكل مطلق، إنما الذي يصحح النفي بشكل مطلق هو الضمان الفعلي فهنا نقول الضرر هو كلا ضرر مادام التدارك الفعلي قد حصل، أما مجرّد حكم الشارع بالضمان وأنَّ على من أضرَّ هذا الانسان عليه أن يضمن لا يصحح نفي الضرر بشكلٍ مطلق.
وجوابه: - إذا كان الشرع المقدس حينما قال لا ضرر يقصد نفي الضرر في عالم الوجود الخارجي فما أفاده الشيخ الأعظم(قده) مقبول لأنَّ الضرر لا ينتفي في عالم الخارج إلى بدفع الخشارة فهذا نقول هو في حكم عدم الضرر وهذا صحيح، أما إذا كان المقصود هو نفي الضرر من ناحية الشارع المقدس كمقنن ومشرّع فمادام هو قد حكم بالضمان فمن زاويته بما هو مقنن يصدق لا ضرر لأنه حكم بالضمان من زاوية التشريع والتقنين والقانون لا من زاوية الخارج فلابد من التفرقة بين الأمرين، وبالتالي لا يمكن أن يكون ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) رداً على الفاضل التوني.
والأنسب أن يقال: -أولاً: - أن نقول إنَّ ما ذكره الفاضل التوني(قده) احتمال وجيه، ولكن يوجد في مقابله احتمال آخر، وهو ما ذكره الشيخ الأعظم(قده)، وهو أنَّ المقصود هو نفي الضرر من جهة الأحكام يعني لا يوجد عندنا حكم يسبب الضرر فإذا كان هناك حكم سبب الضرر فهو منتفٍ ، فكلاهما احتمال وجيه، لكن ما ذكره الفاضل التوني(قده) هو احتمالٌ لا مثبت له، بينما ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) هو احتمال يوجد له مثبت، وهو أنَّ هذا النفي صادر من الشارع المقدس بما هو شارع المناسب للنفي الصادر من الشارع أن يكون المقصود منه أنه لا ضرر من جهتي أنا الشارع أي من أحكامي، فالقرينة المقامية ثبت الاحتمال الذي ذهب إليه الشيخ الأعظم(قده)، بينما لا توجد قرينة مقامية ولا غيرها في صالح ما ذكره الفاضل التوني(قده).
ثانياً: - إذا كان المقصود من لا ضرر هو أنه لا ضرر غير متدارك يعني أن كل ضرر هو متدارك فنذهب على قضية سمرة مع الأنصاري، فإنَّ الانصاري قد تضرر في اليوم الأول وفي اليوم الثاني وهكذا لأنَّ سمرة يأتي ويؤذي الرجل وعياله لأنه يدخل من دون إذن ولا نستطيع أن نقول إنَّ الضرر لم يصب الأنصاري في هذه الأيام ولكن لم يعوَّض هذا الضرر الحاصل ولم يتدارك من قبل الحكومة الإسلامية أو أخذ من قبل سمرة للأنصاري، ولو كان هذا حاصلاً لنقل إلينا.
ولو قلت: - إنَّ النخلة قد قطعوها فهذا تعويض عن ضرر الأنصاري؟
ولكن قلنا: - إنَّ قلع النخلة هو دفع للضرر البعدي، فهي قطعت لأجل دفع الضرر المستقبلي لا لدفع الضرر الذي مضى فإنَّ الضرر الذي مضى لا يعوّض بقطع النخلة.
ثالثاً: - إذا كان المقصود هو أنه لا ضرر غير متدارك يعي أن كل ضرر غير متدارك فهل يمكن الالتزام بهذا الحكم بعرضه العريض؟!! فنحن في حياتنا قد نتضرر كثيراً فهل يوجد تدارك لهذه الأضرار؟!!، كما أنَّ الضرر تارةً يكون من قبل شخص معين كأن قتل شخص ابني فهنا سوف تدفع الدية أو من هذا القبيل، وتارةً توجد أضرارٌ ليس من قبل شخصٍ معين كما لو وقعتُ وانكسرت رجلي فهل يوجد تعويض من قبل الدولة الاسلامية لذلك فإنَّ هذا لا يمكن الالتزام به، إلا اللهم إلا أن يريد الفاضل التوني(قده) أن يقول كلاماً آخر وهو أنَّ كل ضررٍ يصيبك فسوف يكتب لك الأجر، ولكن هذا كلام عرفاني لا يليق بعلم الأصول، فعلى أيَّ حال الالتزام بهذا العرض العريض الذي ذكره الفاضل التوني(قده) شيءٌ مشكل.
وبهذا فرغنا من التعليق على جميع هذه الآراء، وقد اتضح أنَّ الرأي الصائب والمقبول هو ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) أي نفي الضرر من جهة الشرع، نلفت النظر إلى قضة وه انه بناءً على تفسير لا ضرر بما أفاده الشيخ الأعظم(قده) سوف يستفيد الفقيه فائدة كبيرة، يعني سوف تصير عنده قضية قانونية كلية نافعة في المجالات المختلفة، فمثلاً رآني خص وقال لي إنَّ الماء يضرني لو توضأت فأقول له عليك التيمم وهذا الحكم يستند إلى ( لا ضرر ) وكذلك لو آذاه الغسل فإنه يتيمم ... وهكذا بقية الواجبات، فمثلاً لو كان الحج يضرني فهنا سوف يسقط عني المباشرة وعلي أن أبعث نائباً عني، وذلك الحال في الجهاد، يعني كل حكم يلزم منه الضرر فسوف يرتفع إلا ما خرج بالدليل، فبناءً على رأي الشيخ الأعظم(قده) في تفسير لا ضرر سوف يحصل الفقيه على قاعدة مهمة في مجال الاستنباط ينتفع منها في مجالات مختلفة، بينما على تفسير شيخ الشريعة(قده) فلا ضرر تكون في دائرة ضيقة يعني لا تضر، أما على رأي الشيخ الأعظم(قده) سوف نخصّص كل الأحكام إلا ما خرج بالدليل بينما على ما أفاده شيخ الشريعة(قده) فهو في منطقة معينة ضيقة، وهكذا بالنسبة إلى ما أفاده الفاضل التوني(قده).
وبهذا ننهي كلامنا عن قاعدة لا ضرر ويقع الكلام في التنبيهات.