الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/06/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.

ورب قائل يقول: - صحيح أنَّ لا ضرار تدل على حكمين فهي بالمطابقة تدل على أنه لا يجوز الاضرار وبالالتزام تدل على تشريع الوسائل الوقائية ومنها تشريع جواز قلع النخلة وكلّ ضرر، ولكن مجرد كون هذا الكلام مقبولاً لا يصيره دليلاً، فما هو الدليل على أنه يدل بالملازمة على ذلك، نعم نحن نقبل أنه يدل بالمطابقة على تحريم الاضرار أما أنه يدل الالتزام على تشريع كل وسيلة وقائية تدفع الضرر ومنها أنَّ قلع النخلة جائز فما هو الدليل عليه فإن هذه دعوى ولكن تحتاج إلى مثبت؟

ولكن نقول: - يمكن أن نذكر بيانين لتقريب الدلالة الإلتزامية: -

البيان الأول: - هو عقلائية المطلب.

البيان الثاني: - إنه يلزم نقض الغرض ونقصان التشريع.

أما البيان الأول: - فعقلائياً لو كنت رئيساً للبلاد والأمور بيدك فسوف تشرّع أحكاماً، كما لو شرعت بأن لا يتجاوز الانسان في بنائه على الزقاق، وهذا بالدلالة المطابقية واضح أنه لا يجوز التجاوز، ولكن هذا الحكم يكفي الناس وإنما هم سوف يتجاوزون رغم ذلك ولا يعيرون أهمية لذلك ففي مثل هذه الحالة لابد أن تشرّع الوسيلة الوقائية وهي الاتيان بالآلة ونزيل هذا البناء، وهذا مطلب عقلائي، فالإنسان حينما ينهى عن شيء والناس لا ينتهون بمجرد النهي فإن كانوا أتقياء وسوف ينتهون بمجرد النهي فسوف لا تحتاج إلى وسيلة وقائية، ولكن عوام الناس ليس كذلك فيحتاج إلى أن تشرّع قضية ثانية تدعم ذلك التشريع تجلع تشريعاً مطبّقاً فتقول لا يجوز التجاوز في بنائك على الزقاق، ويوجد شيء آخر وهو قد يكون مضمراً وقد تضرح به وهو ( ومن تجاوز فسوف تقوم الجرّافة بهدم البناء المتجاوز على الزقاق )، فعقلائية المطلب تقتضي أنَّ المشرّع حينما يشرّع قانوناً ويحذر من المخالفة لابد وأن يشرّع معه الوسيلة الوقائية فإنه بالتالي كمال التشريع يكون بضم الوسيلة الوقاية، وهذا شيء عقلائي ومستعمل في الدول وعند العقلاء والكل يقبله، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال ( ولا ضرار ) فلابد من وجود وسيلة وقاسية إذا أدخل شخص الضرر على الآخرين وهي أنه إذا لم تنفعه النصيحة فسوف تقلع النخلة، فإذاً الشاد والمدرك للملازمة التي ذكرناها هي عقلائية التشريع الثاني - أي الوسيلة الوقائية - إلى جنب التشريع الأول، فمادام هذا شيئاً عقلائياً وقبلت بكونه مطلباً عقلائيا فحينما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( لا إضرار ) يعني لا يجوز الاضرار فلازمه وجود دلالة التزامية وهي ( أن من أضرَّ فسوف نزيل إضراره مادام لا ينفع به الكلام ) وهذا مضمر ولا يذكر لوضوحه.

وأما البيان الثاني: - وهو أنه حينما تشرع تقول لا يجوز لك أن تتجاوز في بنائك على الزقاق لابد أن تشرع إلى جنب ذلك الوسيلة الوقائية، وهذا بقطع النظر عن مسألة عقلائية التشريع الثاني، بل لابد أن تشرع لتشريع الثاني وتقول ( من تجاوز في بنائه على الزقاق فنحن نهدم ذلك التجاوز ونزيله )، وإلا إذا لم تشرّع هذا التشريع يلزم نقصان التشريع من قبلك، فالتشريع لا يكمل إلا بالمنع من التجاوز هذا أولاً وثانياً بتشريع إزالة التجاوز فآنذاك يكمل التشريع والناس سوف يرتدعون عن التجاوز إلا فالناس لا يرتدعون إلا فالناس لا يرتدعون عن النهي بل لابد من وجود القوة إلى جنب ذلك وهي الوسيلة الوقائية وهي أن نهدم البناء.

إذاً هذان بيانان بهما تثبت الدلالة الإلتزامية.

وأما الرأي الثالث[1] : - وهو ما ذكره الفاضل التوني(قده) في تفسير لا ضرر وهو نفي الضرر غير المتدارك، قال:- ( إذ نفي الضرر غير محمول على نفي حقيقته لأنه غير منفي بل الظاهر أنَّ المراد به نفي الضرر من غير جبران بحسب الشرع ). [2] [3]

وتوضيح ما ذكره:- هو أنه يريد أن يقول عن حديث لا ضرر هو ينفي كل ضرر غير متدارك وسوف تصير النتيجة هي أن كل ضرر سوف يقع لابد من تداركه، فإذا فرض أنَّ الضرر جاء من شخصٍ كما لو دفعني ووقعت فانكسرت رجلي فهذا الضرر يصير متداركاً من قبل هذا الشخص لأنه هو الذي أدخل الضرر عليَّ فلابد أن يدفع كل النفقات لأجل علاج رجلي، فمعنى نفي الضرر غير المتدارك يعني أن كل ضرر يقع سوف يكون متداركاً، هذا إذا كان الضرر شخصياً أي وقع من قبل شخص، وأما إذا فرض أنَّ الضرر لم يكن من شخصٍ يعني أني كنت ماشياً فوقعت وانكسرت رجلي فهذا الضرر متدارك أيضاً على والي المسلمين والحكومة الإسلامية، فلا ضرر غير متدارك يعني أنَّ كل ضرر يصيب الانسان هو متدارك ولكن التدارك يصير إن كان الذي سبب الضرر هو شخص فيكون هو الضامن وإذا لم يكن الضرر من قبل شخص فالضامن هو الحكومة الإسلامية ووالي المسلمين، وهذا معنىً جميل يريد أن يقوله الفاضل التوني(قده) وبه يثبت أن الانسان مؤمن على الحياة في حياته، فإن كان الضرر حصل من قبل جهة معينة فسوف تكون هي الجهة الضامة وإلا فسوف يكون الضمان على الحكومة الإسلامية.

وأورد عليه السيد الخوئي(قده)[4] وقال:- إنَّ هذا خلف الاطلاق، فإنَّ لا ضرر مطلقة ولا يوجد فيها قيد ( لا ضرر غير متدارك )، وهذا التقييد خلف الاطلاق فلا يمكن المصير إليه، فالأصل عدم التقييد وظاهر الكلام هو الاطلاق فنتمسك بالإطلاق.

وبعد أن رفض السيد الخوئي(قده) هذا الرأي فسوف يستفيد منه أنه يقول: - بينما على رأي الشيخ الأعظم(قده) إذا كان المقصود من لا ضرر يعني لا حكم بنشأ منه الضرر فلا يوجد تقييد للضرر فنأخذ به، أما ما ذكره الفاضل التوني(قده) ففيه تقييد وهو خلف الاطلاق وأصالة الاطلاق نتفي هذا القيد.


[1] هو ما ذكره الفاضل التوني في تفسير لا ضرر وهو نفي الضرر غير المتدارك.
[2] الوافية في أصول الفقه، الفاضل التوني، ج1، ص194.
[3] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج2، ص455.
[4] مصباح الأصول( مباحث الفاظ- مكتبة الداوري)، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص615.