الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/06/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.

وفي مقام تعليق نقول:- إنَّ كلمة ( قضى ) تستعمل بمعنى ( حكم ) لا بمعنى القضاء في باب القضاء ذلك مثل ﴿ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه﴾ يعني حكم وهنا نقول إنَّ معنى قضى هنا هو ( حكم )، ولكن نقول إن السيد الخميني قال إنه حيث نسب إلى النبي بأنه ( قضى ) فهذا ليس حكماً إلهياً وإلا كان المناسب أن ينسب إلى الله عزَّ وجل، ونحن نعلّق هنا ونقول إنه حينما يقال ( قضى النبي ) في كل الموارد يوجد فيه احتمالان، فيحتمل أنه حكم بما هو حكم إلهي ويحتمل أنه حكم بما هو صاحب النبوة لخصوصيته هو، فكلا الاحتمالين موجود، فلا يتعين أن يكون بما هو صاحب المصب والحكومة بل نقول يحتمل أنه بما هو مبلغ عن الله عزَّ وجل، وقد ورد في الروايات الاستعمال كلمة ( قضى ) ويراد بها الحكم عن الله عز وجل من حيثية التبليغ وبيان حكم الله لا أنه حكم بما هو حاكم المسلمين، من قبيل ما راه طلحة بن زيد عن أب يعبد الله عليه السلام قال:- ( قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل اشترى جارية فوطأها ثم وجد فيها عيباً، قال:- تقوّم وهي صحيحة وتقوّم وبها الداء ثم يردّ البائع على المبتاع فضل ما بين الصحة والداء )[1] ، ومعنى ( قضى أمير المؤمنين عليه السلام ) يعني حكم بما هو وسيط في بيان الحكم الإلهي لا بما هو سلطان أمير، وهذه قضية واضحة، لأنَّ هذا حكم شرعي لا يرتبط بالحكم والولاية والوالي ومع ذلك استعملت كلمة قضى، ومن قبيل صحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السلام:- ( قضى علي عليه السلام أنه ليس في إباق العبد عهد إلا أن يشترط المبتاع )[2] ، وكيفية الاستدلال كما مر في الرواية السابقة، كما يمكن أن نحصل على أمثلة كثيرة من هذا القبيل في الروايات، والمهم الذي نريد ان نقوله هو أنَّ كملة ( قضى ) حينما تستعمل وتنسب إلى الشخص كقضى النبي وقضى أمير المؤمنين عليه السلام هي بمعنى حكم هذا مورد اتفاق، ولكن هل حكم بما هو صاحب حكومة وسلطنة أو أنه حكم بما هو مبلغ عن اله عز وجل ووسيط في تبليغ الأحكام فإنها مجملة من هذه الناحية، وعليه فلا يمكن أن نقول في موردنا إنَّ الرواية حينما قالت في مسد أحمد عن عبادة بن الصامت ( قضى النبي بلا ضرر ولا ضرار ) بمعنى حكم بلا ضرر ولا ضرار، ولكن نقول هل حكم بما هو سلطان أو بما مبلّغ؟ إنها تحتمل الاثنين معاً كقضى الواردة في الروايتين اللتين ذكرناهما. هذا بالنسبة إلى الشق الأول من كلامه الذي هو بلحاظ كتب العامة.

وأما استدلاله بلحاظ ما عندنا فنقول: - إنه قال إنَّ الأنصاري جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتظلَّم عنده، ومعلومٌ أنَّ الظلم لا يدفع بلا ضرر الكلّية - يعني أيها الأنصاري لا حكم في الإسلام ينشأ منه الضرر - كما فسّر ذلك الشيخ الأعظم(قده)، أو أنه لا يجوز الإضرار كما قال به شيخ الشريعة(قده)، ولكن كلا هذين لا ينفعان الأنصاري وإنما الذي فعه هو الحكم الحكومتي بأنه لا ضرر يعني لا يجوز الاضرار وهذا إضرار بالأنصاري فاقطعوا النخلة، هكذا كان هو الشق الثاني في دليله الأول.

ولكن نقول:- إنّ الأنصاري ذهب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتظلم والنبي لم يقل له لا ضرر ولا ضرار حتى ترتب كل هذه الأمور، وإنما الموجود هو أنَّ النبي أمر بقلع النخلة وعلل بلا ضرر فهو دفع تظلم الأنصاري بقلع النخلة فلاحظ الرواية، حيث ورد في موثقة ابن بكير عن زرارة:- ( ... فأرسل إليه رسول الله صلى اله عليه وآله وخبّره بقول الأنصاري وما شكى وقال إذا أردت الدخول فاستأذن، فأبى، فلما ابى ساومه حتى بلغ به من الثمن ما شاء الله فأبى أن يبيع، فقال:- لك بها عذق يمدّ لك في الجنة، فأبى أن يقبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للأنصاري اذهب فاقلعها وارم بها إليه فإنه لا ضرر ولا ضرار )، فدفع تظلم الأنصاري بالأمر بقلع النخلة ولكنه علل الأمر القلع وجواز القلع بلا ضرر وولم يدفع تظلمه بلا ضرر، هذا في نقلٍ للرواية، أما النقل الآخر لها فقد ورد في مرسلة ابن مسكان:- ( ... إنك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن، قال:- ثم أمر بها رسول الله فقلعت ثم رمي بها إليه )، فعلى هذا الأساس النبي صلى الله عليه وآله لم يدفع تظلم الأنصاري بمجرد لا ضرر وإنما دفعه بالأمر بقلع النخلة، كما ورد في رواية الصيقل عن الحذّاء:- ( ما أراك يا سمرة إلا مضاراً، اذهب يا فلان فاقطعا واضرب بها وجهه ) ففي هذه الروية لا يوجد فيها تعبير لا ضرر، فعلى هذا الأساس في موثقة ابن بكير عن زرارة التي هي المعتبرة تظلم الانصاري دعه النبي صلى الله عليه وآله وبالأمر بقلع النخلة اما لا ضرر ولا ضرار جعله تعليلاً.

نعم قد يتمسك بمرسلة ابن مسكان لأنه ورد في بدايتها ( إنك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرا على مؤمن، قال:- ثم أمر بها رسول الله فقلعت ورمي بها إليه )، ولكن نقول إنَّ تظلم الأنصاري لم يدفعه النبي بلا ضرر وإما دفعه بالأمر بقلع النخلة نعم هو قدم لا ضرر في البداية ولكن بالتالي دفع تظلم الأنصاري صار بالأمر بالقلع والرمي بالنخلة إلى سمرة.

وإذا فرض أنَّ السيد الخميني(قده) أراد أن يتمسك بهذه الرواية وقال إنَّ النبي صلى الله عليه وآله قدّم مقدمة وهي لا ضرر وجعل الجواب هو لا ضرر فنقول إنه لم يثبت أنَّ المذكور في بداية الرواية هل هو الأمر بالقلع أو هو تعبير لا ضرر، فإنه في موثقة ابن بكير عن زرارة الوارد أولاً هو الأمر بالقلع ثم علل بلا ضرر، فالتظلم دفع بلا ضرر، أما مرسلة ابن مسكان فصحيح أنه قدّم فيها لا ضرر ثم الأمر بالقلع صار متأخراً ولكن نقول إنَّ هذه الرواية مرسلة، ولا نريد أن نقول إنَّ المرسلة ليست حجة وإنما نريد نقول إنه صار تعارض بين النقلين ولعل النقل الصحيح هو ما جاء في موثقة زرارة، فيبطل ما أماده من أنَّ تظلم الأنصاري دفعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلا ضرر.

هذا كله يرتبط بدليله الأول مع تتمته.

وأما دليله الثاني ففي مقام التعليق عليه نقول: - نسلّم أنه في مرسلة ابن مسكان أنَّ الأمر بالقلع علل بلا ضرر وحينئذٍ القلع يكون ضرراً فلا يمكن أن يعلل بلا ضرر الذي هو نفي الحكم الذي ينشأ منه الضرر، ولكن نقول إنَّ الأمر بالقلع لم يشأ من لا ضرر وإنما نشأ من لا ضرار، فإنه توجد فقرتان في الحديث الشريف، فلو كان قد علل بلا ضرر فقد يكون ما أفاده له وجاهة - وهذا كله بقطع النظر عن ضعف سند رواية ابن مسكان - ولكن نقول إنَّ النفي حصل بلا ضرار وليس بلا ضرر.


[1] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملی، ج18، ص102، أبواب أقسام العيوب، ب4، ح2، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملی، ج18، ص114، أبواب أقسام العيوب، ب10، ح2، ط آل البيت.