42/05/27
الموضوع: - قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.
أفرد أخرى للنهي: - ذكرنا فيما سبق أنه لو فسرنا كلمة ( لا ) بالنهي فهذا النهي ماذا يراد منه؟ فيه ثلاثة احتمالات، الاحتمال الأول أن يكون نهياً إلهياً ربانياً من الله عزَّ وجل، والاحتمال الثاني أن يكون نهياً ولائياً يعني بالولاية وعلى حدّ تعبير بعضٍ أنه نهي سلطاني، والاحتمال الثالث ما ذهب إليه الشيخ الأعظم(قده)[1] حيث توجد عنده عبارة قد يفهم منها هذا وهو أنَّ النهي في المورد هو تكليفي وارشادي معاً، مثل ﴿ أوفوا بالعقود﴾ فإنَّ وجوب الوفاء تكليفي، وبالدلالة الإلتزامية يرشدنا إلى أنَّ كل عقد هو لازم، واللزوم حكم وضعي، فيمكن أن تجتمع كلتا الحيثيتين حيثية كونه تكليف وحيثية كونه إرشاد فهو إرشادي وتكليفي ولكن التكليفي بلحاظ الدلالة المطابقية والارشادي بلحاظ الدلالة الإلتزامية، وكذلك الحال في لا ضرر، فيمكن أن يقال إنه اجتمعت فيه حثيتان حيثية أنه نهي عن الضرر والاضرار بالآخرين فيصير نهياً تكليفياً وتوجد حيثية ثانية وهي أنه يرشدنا إلى أنَّ كل حكم إذا كان ضررياً فهو مرفوع فبالدلالة المطابقية نقول يدل على النهي وبالدلالة الإلتزامية على الارشاد إلى ما يريده هو لأنه يبني على أنَّ لا ضرر ينفي الحكم الذي هو سبب للضرر والضرر مسبب فهو يرشد إلى انتفاء الحكم إذا كان يتولد الضرر فهو في نفس الوقت إرشاد ونهي.
ولكن الاشكال الذي يسجل على الشيخ الأعظم(قده) هو:- إنه يلزم كون كلمة ضرر مستعملة في معنيين، لأنه إذا كان المقصود هو النهي فهنا الضرر يكون بمعنى الاضرار يعني لا تضر فالضرر بمعنى الاضرار يعني أنه مصدر لا أنه اسم مصدر وإذا كان بالدلالة الإلتزامية ينفي الحكم إذا كان سبباً للضرر فهنا كلمة الضرر تكون مستعملة في الضرر الذي هو اسم مصدر، فكلمة ضرر استعملت في آنٍ واحد اسم مصدر كما استعملت مصدراً وهذا غير ممكن، فإن كان المقصود هو النهي فلابد أن نفسّر الضرر بالإضرار فصار مصدراً، وإن قلت هو ارشاد إلى كل حكم يولّد الضرر فهنا الضرر يبقى على حاله يعني اسم مصدر، فصارت كلمة ضرر مستعملة كاسم مصدر وكمصدر، ولا يمكن أن ينظر إليها بمنظارين في آنٍ واحد، بل إما أن تلحظ كمصدر أو تلحظ كاسم مصدر ولا يمكن الاستعمال في الاثنين معاً للتنافي والمباينة بينهما ولا أقل هو مخالف للظاهر، فما ذهب إليه الشيخ الأعظم(قده) يمكن مناقشته.
وأما بالنسبة إلى الاحتمال الأول - وهو أن يكون النهي نهياً ربانياً إلهياً -:-فهو ما قال به شيخ الشريعة(قده) وقد تقدم الكلام عنه.
وأما الاحتمال الثاني:- وهو يكون نهياً سلطانياً ولائياً وهو ما ذهب إليه السيد الخميني(قده)[2] حيث قال إنه صدر من النبي صلى الله عليه وآله هذا النهي - لا ضرر - ولكنه نهي من حيثية السلطة والولاية، وفي هذا المقام أخذ يبين أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم له ثلاثة مقامات أحدها مقام تبليغ الأحكام وهذا من المسلمات بيننا فهو الواسطة بين الناس وبين الله عزَّ وجل في إيصال الاحكام وهذا واضح ولا يحتاج إلى الاستشهاد بآية أو رواية، والمقام الثاني هو مقام القضاوة والقضاء فهو يقضي في باب النزاع والمشاجرة وهذا واضح أيضاً بالآية الكريم ﴿ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا تجد في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما ﴾، وعنده مقام ثالث وهو أنه سلطان وله ولاية من باب أنه سلطان، وهذا غير مقام التبليغ وغير مقام القضاء وإنما عنده مقام السلطة، وقد استدل له بآيتين، الأولى قوله تعالى ﴿ أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ﴾[3] ، أطيعوا هنا كررت مرتين فمرة أطيعوا الله وحينما وصل إلى النبي صلى الله عليه وآله أتي بأطيعوا ثانية، ولماذا لم يكتف بأطيعوا الأولى ويقال ( أطيعوا الله والرسول وألي الأمر ) وحينما كررت فهي كررت مع الرسول ولم تكرر مع أولي الأمر وهم الأئمة عليهم السلام؟ فهذا سؤالان الأول انه لماذا تكررت الاطاعة مرتين وكان من المناسب الأمر بالإطاعة الأول، والثاني هو أنه إذا صار البناء على التكرار فلتكرر ثلاث مرات مرة مع الله ومرة مع الرسول ومرة مع أولي الأمر؟، والسيد الخميني(قده) قال إنَّ النبي صلى الله عليه وآله ولم له السلطة والولاية على الناس أجمع فهو يستطيع أن يزوج هذا ويبيع مال ذاك وطلق زوجة فلان فهو يتصرف في مال الغير ونفوسهم كما يتصرف في ماله ونفسه فهو له ولاية بهذا الشكل، وستدل بهذه الآية الكريمة حيث يقول إنَّ تكرار الاطاعة مرة ثانية في الآية الركيمة شاهد على ما نقول وإلا إذا لم تكن للرسول إطاعة من باب الولاية فلا داعي إلى التكرار مرتين، فيتبين أن له عنوان خاص، فالله تعالى بعنوان كونه خالقاً وأما النبي فبعنوان أنه ولي وسلطان على المؤمنين، وهي لم تكرر مع أولي الأمر من باب أنَّ أولي الأمر مع النبي واحد من حيث السلطة لهم، فعلى هذا الأساس سلطتهم سلة واحدة وولايتهم ولاية واحدة وهي ولاية على النفوس والأموال، فولاية الله عزَّ وجل هو بسبب الخالقية أما هذه الولاية فهي ليست بسبب الخالقية وإنما بسبب كون النبي سلطان وولي على الآخرين، وسنخ هذه الولاية والسلطة للنبي وأولي الأمر واحد ولذلك لم يكرر الأمر بالإطاعة مرة ثالثة.
والآية الثانية التي استند إليها قوله ﴿تعالى﴿ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصِ الله ورسوله فقد ضلَّ ضلالاً مبيناً ﴾، فإذا لم تكن هناك مقام ولاية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لكان المناسب أن يقال ( ومن يعص الله ) فقط، ووجوب اطاعة الناس للنبي صلى الله عليه وآله وسلم هي من باب مقام ولايته، فلو كان كذلك فعصيان الرسول سوف يرجع إلى عصيان الله عز وجل ولا يصير عصياناً ثانياً للرسول، فيتبين من الآية الكريمة أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم له مقام الولاية وعدم اطاعته سوف يصير عصياناً له ولذلك ذكر الرسول بعنوانه وإلا كان المناسب عدم ذكر الرسول بعنوانه والاكتفاء بـ( ومن يعص الله ) فيتبين أنَّ الرسول له مقام الولاية ويتحقق عصيان آخر غير عصان الله عزَّ وجل ولذلك ذكر الرسول بعنوانه.
وإذا ثبت أنَّ للرسول صلى الله عليه وآله وسلم مقام وجوب الاطاعة من باب السلطة ومن باب الولاية لهاتين الآيتين الكريمتين فإنه بناءً على هذا نقول نحن نفسر في حديث لا ضرر ونقول إنَّ هذا الحكم الذي صدر من النبي هو قد صدر بلحاظ هذا المقام - أي مقام السلطة والولاية - فهو نهي سلطاني ومن باب الولاية، والدليل على ذلك هو ثلاثة وجوه: -
الوجه الأول: - إنَّ الوارد في نقل هذا الحديث هو ( قضى النبي صلى الله عليه وآله أن لا ضرر ولا ضرار ) ولسان ( قضى ) لم يرد في رواياتنا وإنما ورد في روايات العامة وقد أكّد التعبير بلسان ( قضى )، وحينما عبّر بلحاظ ( قضى ) فسوف يدور الأمر بين أن يكون هذا القضاء إما أنه صدر من مقام التبليغ أو أنه صدر من مقام الولاية أو أنه صدر من مقام القضاء بالمعنى الشرعي الموجود عندنا، فأولاً ندعي أنَّ كلمة ( قضى ) قدر ورت في الحديث وهذا لم يثبت في كتبانا وإنما هي ثابتة في مجامع الحديث عند العامةـ وهي مرددة بين احتمالات ثلاثة، فهي إما أن تكون من باب التبليغ فيكون حكماً ربانياً، أو من باب السلطان والسلطنة وهو له مقام السلطنة للآيتين الكريمتين، أو من باب مقام القضاء بين الناس، أما بالنسبة إلى الحيثية الأولى وهو أنه من باب أنه مبلغ للأحكام فلا معنى لـ( قضى ) وإنما هو يبلغ حماً لا أنه يقضي فهذا السان لا يتناسب مع التبليغ وإنما التبليغ يتناسب معه بيان الحكم الكلي أما أنه يأتي ويقضي بأنه هنا لا ضرر فهذا ليس مقاماً للبليغ وإنما التبليغ يكون للأحكام الكلية لا أنه في هذه الواقعة الشخصية يتدخل ويقضي وحينئذٍ احتمال إرادة التبليغ بعيد جداً والأمر كما قال، فيدور الأمر بين احتمالين بين أن يكون قضى من باب أنه سلطان وبين أن يكون قضى بما أنه قضاء خاص، واحتمال إرادة باب القضاء الخاص باطل لأن القضاء يكون في أمور جزئية لا في أمور كلية، فإنه لا معنى له في الأمور الكلية، فالحكام حينما يريد أن يقضي فهو يبين مثلاً أنَّ هذه الدار لزيد لا أنه يبين حكماً كلياً ويقول كل دار وقع فيها تنازل بين طرفين فمن كان كذا فكذا، فبيان الحكم الكلي لا يتناسب مع مقام القضاء فإن القضاء دائماً تكون نتيجته حكم جزئي، فإذاً هذا الاحتمال باطل، وأما احتمال كونه حكم إلهي فهو بعيد لأنه عبر وقال ) قضى صلى الله عليه وآله وسلم فهو لم ينسبه إلى الله عزَّ وجل وإنما نسبه إلى الرسول فكونه حكماً إلهياً بعيد، فإذاً يتعين أن يكون هذا من باب الولاية والسلطنة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.