42/05/26
الموضوع: - قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.
وبعد أنَّ ناقشنا الوجوه التي استند إليها شيخ الشريعة(قده) وأبطلناها ولكن هل يثبت بذلك بطلان ما ذهب إليه شيخ الشريعة(قده) أو أننا نحتاج إلى إقامة أدلة أخرى على بطلان مدعاه؟والجواب: - قد يتصور بادئ ذي بدء أنه مادمنا قد أبطلنا الأدلة التي ذكرها فقد بطل بذلك مدّعاه، والآن ننبه ونقول إن بطلان الأدلة لا يلازم بطلان أصل المدّعى، فإن أدلته التي ذكرها بالة ولن قد يكون مدّعاه صحيحاً، وعليه لابد من إقامة الدليل على بطلان مدّعى شيخ الشريعة ولا يكفي في بطلانه بطلان أدلته، فبطلان أدلته لا يلازم بطلان مدعاه.
وفي مقام إبطال مدّعى شيخ الشريعة نقول: - إنه قد يقال في إبطال مدعاه إن كلمة ضرر هي سم مصدر لا أنها مصدر، والفرق المعني بين المصدر واسم المصدر هو أنَّ المصدر الملحوظ فيه الجنبة الحدوثية مثل الضرب فيقال هذا ضربٌ أو صدر ضربٌ فالضرب بمعنى الحدوث هو مصدر، ولكن حينما أنظر إلى مكان الضرب فلو رأيت الحمرة على اليد فهذه نتيجة المصدر فأقول هذا ضرب شديد، فهذه هي نتيجة المصدر، وكلمة ضرب قد تطلق ويراد بها نفس الحدوث فتكون مصراً وقد تطلق ويراد بها نتيجة الحدوث وهي حمرة اليد فهذا اسم مصدر، وهنا كلمة ضرر في ( لا ضرر ) قصد بها اسم المصدر لا الاضرار وإنما الضرر أي نفس النقص دون الجنبة الحدوثية فهو اسم مصدر فإذا كان اسم مصدر فاسم المصدر - يعني النتيجة - لا يمكن أن يتوجه إليه النهي، وإنما النهي يتوجه إلى المصدر ولا يتوجه إلى اسم المصدر لأن المصدر جنبة الحدوث فيه ملحوظة فيمكن تعلق النهي به، أما اسم المصدر - أي الحمرة الطارئة - فليس ملحوظاً فيها جنبة الحدوث، فالنهي لا معنى لتعلقه بها وإنما هو يتعلّق بالمصدر، والمفروض أنَّ شيخ الشريعة(قده) يفسّر النفي بالنهي فإذا فسّره بالنهي يلزم أن يكون متعلَّق النهي هو المصدر والحال أنَّ الضرر هو اسم مصدر لا أنه مصدر يعني لم تلحظ فيه الجنبة الحدوثية حتى يكون مصدراً وإنما نتيجة الحدوث أي النقص الطارئ والنقص الطارئ هو نتيجة المصدر وهذا لا يقبل توجه النهي له.
ويرده:- إنَّ هذا يتم فيما إذا كان مدّعى شيخ الشريعة(قده) هو أنَّ النفي قد استعمل في النهي، يعني أنَّ ( لا ) هنا استعملت في النهي، فإذا كان هكذا فما ذكر يرد عليه وأنَّ النهي لا يدخل على اسم المصدر وإنما يدخل على المصدر أي نفس الحدث، ولكن يمكن أن يجيب شيخ الشريعة(قده) ويقول:- إنَّ مقصودي ليس هو المراد الاستعمالي من هذه الفقرة وإنما المراد الجدي منها فإن المراد الجدي من هذه الفقرة الي هو ما وراء الاستعمال ولا أريد أن أقول هي قد استعملت للنهي حتى تقول إنَّ لا الناهية لا تدخل على اسم المصدر بل تدخل على المصدر، وإنما أريد أن أقول إنَّ المراد الجدي الذي هو ما وراء المراد الاستعمالي هو النهي يعني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قصده هو النهي، فصحيحٌ أنَّ الاستعمال هو في النفي ولكن مقصوده الجدّي هو النهي، وإذا كان مقصود شيخ الشريعة(قده) هو هذا فما ذكر لا يصلح رداً عليه، إنما يكون ما ذكر رداً عليه فيما إذا فرض أنه كان يقول إنَّ كلمة ( لا ) مستعملة في النهي، أما إذا قال هي مستعملة في النفي لكن المراد الجدّي هو النهي فلا يرد عليه ما ذكر.
إذاً جئنا بوجه آخر لإبطال مدّعى شيخ الشريعة، وهذا المقدار الذي ذكرناه لا يكفي في إبطاله بل لابد من المجيء بشيء آخر.
وقد يبين بطلان مدعى شيخ الشريعة بما أفاده السيد الخوئي(قده)[1] :- حيث قال:- تارةً نفترض أنَّ قيد ( في الإسلام ) موجود في الحديث وتارة نفترض أنه ليس بموجود، فإن كان قيد ( في الإسلام ) موجود فنفس ورود هذا القيد يصير قرينة على أنَّ ( لا ) ليست للنهي، لأنَّ معنى لا ضرر إذا كانت لا ناهية يصير ( لا تضر في الإسلام ) وهذا لا معنى له، بل المناسب ما يقوله الشيخ الأعظم وهو أن المقصود من لا ضرر في الإسلام يعني أن الضرر الذي ينشأ من الحكم الشرعي ليس موجوداً في الإسلام، فقيد ( في الإسلام ) يتناسب مع كون ( لا ) نافيه لا أنها ناهية، وإن فرض أنَّ قيد ( في الإسلام ) ليس بموجود وإنما الموجود هو تعبير ( لا ضرر ) فقط فحمل ( لا ) هنا على النهي - كما يقوله شيخ الشريعة - يعني لا تضر يحتاج إلى قرينة تخالف الظهور في النفي وهي مفقودة، فالقرينة موجودة في مثل ﴿ لا رفث ولا جدال ولا فسوق في الحج﴾، ففي الحج لا يوجد جدال ولا رفث ولا فسوق، فإنَّ ( لا ) في هذه الآية لا يمكن أن نفسّرها بالنهي لوجود قرينة على ذلك، لأننا نعلم بأنه يحصل في الحج الكثير من الفسوق كأن يكذب الحاج وكذلك يحصل الجدال في الحج، فكموضوعٍ خارجي هو موجود، فالآية الكريمة حينما قالت ﴿ لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ﴾ ليس مقصودها النفي وإلا يلزم كذب الآية الكريمة فإنَّ هذه الأمور واقعة في الحج من قبل الناس غير المبالين أو الذين لا يعرفون الأحكام الشرعية، وهذا يضطرنا إلى أن نفسّر كلمة ( لا ) بالنهي وليس بالنفي، يعني أنَّ الآية الكريمة تريد أن تقول لا يجوز لكم الرفث والفسوق والجدال في الحج، فهنا توجد قرينة على حمل ( لا ) النافية على الناهية، إذ حملها على النافية يلزم منه الكذب ومخالفة الواقع، فيلزم أن نفسرها بالناهية، وأما محل كلامنا فالقرينة ليست موجودة على حمل كلمة ( لا ) على النهي وإنما تبقى على النفي، فإذا كان المقصود هو النهي فهو يحتاج إلى قرينة وحيث إنَّها معدومة فحينئذٍ نفسّر ( لا ) بالنفي وأنَّ الضرر ليس بموجود من ناحية الأحكام الشرعية، فإذاً يلزم حمل كلمة ( لا ) من جهة النفي ولكن النفي من جهة التشريع.
وفي مقام التعليق نقول: -أما ما أفاده في الشق الأول[2] فنقول: - إنه يمكن أن نفسّر ( لا ) بالنهي، حيث نقول إنَّ المراد الجدّي هو النهي وليس المراد الاستعمالي هو النهي، فأنت تجعل المراد الاستعمالي هو النهي وتفسر العبارة بأنه لا تضر في الإسلام ولكن هذا التفسير هو تفسير على مستوى المراد الاستعمالي وهو لا يصح، أما إذا كان مقصوده شيخ الشريعة(قده) على مستوى المراد الجدي فلا يرد عيه هذا الإشكال حتى لو كان قيد ( في الإسلام ) موجوداً.
أما ما أفاده في الشق الثاني[3] فنقول: - إنَّ ما أفاده له وجاهة، ولكن نحن نتمّمه ونقول:- إنَّ ظاهر كلمة ( لا ) هو النفي، فحتى شيخ الشريعة لا يستطيع أن يقول إنَّ ( لا ) ظاهرها ليس هو النفي، بل هي نافية وليست ناهية، وإذا كانت ناهية فهي على مستوى المراد الجدّي وليس على مستوى المراد الاستعمالي لأنه لا يمكن أن يكون على مستوى المراد الاستعمالي أن تكون ناهية لأنها لا تدخل على الأسماء وهذا واضح، فإذاً كلمة ( لا ) يراد منها النفي دون النهي على مستوى المراد الاستعمالي، وهذه قضية ينبغي أن تكون مورد اتفاق بيننا وبين شيخ الشريعة(قده)، فحتى شيخ الشريعة يسلّم بذلك، ولكن نقول إنَّ الحمل على خلاف الظاهر وأنَّ المقصود الجدّي هو النهي يحتاج إلى قرينة، والشيخ الأنصاري(قده) ومن تبعه لا يحتاجون إلى قرينة، لأنَّ نفس ( لا ) هي ناهية وهو يفسر مضمون لا ضرر بما يتلاءم مع النفي أي لا حكم ينشأ منه الضرر، أما شيخ الشريعة(قده) فهو يفسّر ( لا ) على خلاف الاستعمال، فهو يفسّرها بالنهي فإنه يقول إنها مستعملة في النفي ولكن أريد منها النهي، هذا هو الذي يحتاج إلى دليل، أما نحن فلا نحتاج إلى إقامة الدليل لأننا نتكلم بكلامٍ يتوافق فيه المراد الجدّي مع المراد الاستعمالي، فالمراد الجدّي هو النفي والمراد الاستعمالي هو النفي أيضاً، أما شيخ الشريعة(قده) فهو يذكر شيئاً على خلاف ظاهر كلمة ( لا ) فإنَّ ظاهرها هو النفي، وحينما يذكر شيئاً على خلاف ظاهرها فسوف يحتاج إلى دليل، وحيث لا دليل فعليه سوف يبطل مدّعاه.