الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/05/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.

الدليل الثاني: - التمسك بفكرة التبادر، فإنَّ المتبادر من لا ضرر يعني لا تضر.

والجواب:- إنَّ التبادر يكون لتشخيص المعنى الموضوع له، فإذا حصل تبادر يدل ذلك على أنَّ المعنى الموضوع له هو هذا المعنى المتبادر، وفي مقامنا لا شك أن كلمة ضرر موضوعة للضرر وأنَّ كلمة لا موضوعة للنفي فالمدلول الوضعي واضح ليس فيه خفاء حتى نتمسك بفكرة التبادر وإنما الخفاء في أنه ماذا يراد من هذا النفي فالنظر هو إلى عالم الإرادة لا إلى عالم الموضوع له الاستعمال، فإنَّ الموضوع له والمستعمل فيه جزماً هو أنَّ لا نستعمله في النفي وكلمة ضرر مستعملة في الضرر ولا يوجد خفاء حتى تتمسك بالتبادر، وإنما الخفاء عندنا فيما وراء المعنى الموضوع له فماذا يريد المتكلم من هذا النفي، ومن الواضح ليست وظيفته تشخيص ما يراد في نفس المتكلم بل ما يراد عل مستوى المعنى الموضوع له أو المستعمل فيه، والمعنى الموضوع له أو المستعمل فيه والمعنى الموضع له أو المستعمل فيه بلا شك هو واضح إنما الكلام فيما يراد من ورائه والتبادر ليست وظيفته تشخيص ذلك، اللهم إلا أن يدعى وجود قرينة خاصة لأجلها نفهم أنَّ المراد هو النهي ولكن هذه قضية أخرى فهذا نعرفه من القرينة لا من التبادر، ولا توجد عندنا قرينة في الكلام تدل على ذلك، فإذاً هذا الدليل مدفوع.

الدليل الثالث: - إنَّ الوارد هو ( لا ضرر ولا ضرار على مؤمن )، وإذا كان المقصود نفي الحكم الضرري فلا معنى لذكر قيد ( على مؤمن ) إذ لو كان المقصود نفي الحكم الضرري لصار المعنى ( لا حكم على مؤمن) وهذا لا معنى له، فعلى هذا الأساس لابد أن يكون المقصود هو النهي عن الاضرار للمؤمن، فبقرينة ( على مؤمن ) يلزم أن نفسّر لا ضرر بالنهي حتى يحصل تلاؤم بين ( على مؤمن ) وبين ( لا ضرر ).

ويردّه: -

أولاً: - إنَّ هذه الرواية مرسلة عن ابن مسكان والمراسيل ولا معنى للتمسك بها، وعلى تقدير كونها معتبرة نقول إنَّ المناسبة موجودة، لأنَّ الفقرة الثانية هي ( لا ضرار ) فنقول إنَّ عبارة ( على مؤمن ) متصلة بلا ضرار، فلا إضرار يعني لا إضرار على مؤمن وهذا جيد ومقبول ، فهي مرتبطة بالفقرة الثانية وليست مرتبطة الفقرة الأولى، فالفقرة الأولى تنفي الحكم الذي يستوجب الضرر والفقرة الثانية تنهى عن إضرار المؤمن.

الدليل الرابع: - إنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في الرواية لسمرة ( إنك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار )، و( مضار ) يعني أنك تضر الآخرين، فسمرة من هذا الصنف الذي يحب أن يضير بالآخرين فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له ( إنك رجل مضار ) يعني أنك تريد أن تضر الآخرين، ولكن بعد ذلك حينما قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( ولا ضرر ) فإذا فسّرنا لا ضرر بالنهي فسوف يصير الارتباط واضحاً لأنه سوف يصير المعنى هو ( أنك رجل مضار ولا يجوز الاضرار )، وأما إذا فرض أنها كانت تفيد نفي الحكم الذ يستوجب الضرر فسوف يزول هذا الارتباط ونفقده وبالتالي لا يتحقق ارتباط بين ( إنك رجل مضار ) وفقرة ( لا ضرر ) لأن لا ضرر معناه أنك رجل تضر الآخرين ومعنى لا ضرر أنه لا حكم يستلزم الضرر وهذا لا ربط له بذاك، إذاً تحقيقاً للارتباط بين ( إنك مضار ) وبين ( لا ضرر ) يلزم أن نفسّر لا ضرر بالنهي فيتحقق الارتباط.

والجواب: - لعل الارتباط هو بلحاظ الفقرة الثانية لا بلحاظ الفرقة الثانية ولا يلزم أن يكون الارتباط بلحاظ الفقرة الأولى، فنحن سلَّمنا أنَّ ( إنك رجل مضار ) هو بمثابة الصغرى ولابد ن يرتبط بما بعده ولكن ذلك البعد هو ( لا ضرار ) وليس ( لا ضرر ) وسوف يتحقق بذلك الارتباط، فإذاً لا يثبت ما تريد.

ولكن السؤال: - لماذا ذكر النبي صلى الله عليه وآله ( لا ضرر ) مادامت الصغرى والكبرى موجودة، بل من المناسب أن يذكر لا ضرار فقط حتى يحصل تلاؤم وارتباط بينهما من دون أن يذكر لا ضرر، فالمجيء بلا ضرر من دون وجه وهو كالأجنبي بين القريبين فلا معنى لذكره؟

والجواب عنه: - إنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يقول له إنك رجل مضار ويوجد شيء في الإسلام وهو أنَّ كل حكم يستوجب الضرر فهو منفي والضرر لا يجوز، فكل حكم يستوجب الضرر هو منفي فإنَّ جواز الدخول منفي فلا حق لك في الدخول لأنه يستوجب الضرر وكل إضرار في الاسلام لا يجوز، فهو بيّن حكمين يرتبطان بسمرة الأول أنه لا يجوز لك الدخول وهذا أثبته النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلا ضرر لأنَّ جواز الدخول فيه ضرر على الأنصاري، والحكم الثاني هو أنَّ لا ضرر يعني لا يجوز الاضرار الذي يرتبط بقوله ( إنك رجل مضار)، وهذه المقدمة ليست فاصلاً أجنبياً ممقوتاً، وإنما مادام كل الكلام مرتبط بسمرة فحينئذٍ لا بأس بذكره، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بيّن قانونين، فهو بعد أن بين الصغرى - وهي ( إنك رجل مضار ) - بين قانونين وهو أنَّ كل حكم يستوجب الضرر مرفوع في الإسلام فلا حق لك في الدخول إلى بالاستئذان وذلك الاضرار حرام فأنت فاعل للمحرّم ولا يجوز لك ذلك، فإذاً الارتباط بين الجملتين موجود ولا إشكال من هذه الناحية.

هذا كله مضافاً إلى ورود هذه الفقرة في مرسلة ابن مسكان، فإذاً الاشكال السندي موجود وكذلك الاشكال من حيث الدلالة موجود، فهي مجملة، وعليه فلا تنفع شيخ الشريعة(قده).

الدليل الرابع: - اتفاق أهل اللغة على استفادة النهي من لا ضرر، واتفاق أهل اللغة حجة.

والجواب: -

أولاً:- إنَّ أهل اللغة كلامهم حجة في تعيين المعنى الموضوع له والمستعمل فيه وأنه ما هو المقصود من ضرر في اللغة العربية وما هو معنى لا ضرار وماذا تعني ( لا ) في اللغة العربية، فـ ( لا ) اداة في، وضرر هو اسم للنقص لكل نقص طارئ، فوظيفة اللغوي هو تفسير الألفاظ بمعانيها الموضوع لها ونحن لسنا في صدد هذا الشيء وإنما كلامنا الآن في أنه ماذا يقصد منها، فنحن ناظرون إلى عالم القصد والإرادة واللغوي لا دخل له في عالم الإرادة وما يراد من هذا الكلام وإنما اللغوي يبين لك عالم الموضع له والمستعمل فيه أم أكثر من ذلك فهو ليس وظيفته، ولنفترض أنَّ أهل اللغة قالوا إنَّ هذا التعبير المقصود منه النهي ولكن وظيفتهم ليس هي تشخيص ما يراد وإنما وظيفتهم هي أنَّ ( لا ) تستعمل في النفي ولا تستعمل في النهي، فإذاً قال اللغوي يراد بها النهي فلا نقبل منه ذلك ونقول له إنَّ هذا تجاوز على وظيفتك فلا عبرة بكلامك.

ثانياً: - إنَّ التمسك بكلام أهل اللغة وأنهم اتفقوا على أنَّ المقصود هو النهي هذا حرفة العاجز، لأنَّ أهل اللغة أحدهما يأخذ من الآخر، ولا نقول إنَّ هذه قضية دائمية، بل يوجد بعض أهل اللغو هم أهل الفن ولكنهم قليلون لكن البقية بعضهم أخذ من البعض الآخر غاية الأمر بعضهم يُعمِل بعض التنظيمات ويكون طرحه بشكلٍ وآخر، أما أنه وجد إجماع بحيث أنَّ إجماعهم يفيد الجزم فهذا ليس بموجود، لأنه أهل اللغة بعضهم يأخذ من البعض الآخر، فكلامهم لا يورث الاطمئنان، بخلافه في الفقه، فإنَّ الفقهاء إذا اتفقوا على شيء فهذا يورث الاطمئنان، لأنَّ الفقيه لا يعتمد على الفقيه الآخر وإلا لم يكن فقيهاً، وإنما هو ينظر في الأدلة من هنا وهناك، فاتفاق أنظارهم قد يورث لي الاطمئنان، أما في اللغوي فلا يوجد إِعمال نظر وإنما اللغوي سمع من الأعرابي أنه هكذا يقول أو سمع من العرب ذلك، فلغوي أخذها من لغوي ثانٍ واتفقوا، فلا يورث لنا الاطمئنان حتى يكون حجة.

الدليل السادس: - إنه يلزم من تفسير لا ضرر بنفي الحكم المستلزم للضرر مكثرة التخصيص، وحيث إنها باطلة فيثبت أن هذا المعنى - وهو في الحكم الضرري - ليس بمراد، لأنه بناء على إرادة نفي الحكم الذي يستلزم الضرر توجد عندنا الكثير من الأحكام الضررية فإنَّ الخمس ضرري لأنَّ المكلف سوف تذهب منه خمس أمواله، كذلك الزكاة والكفارات وكذلك القيام في الجو البارد صباحاً لصلاة الصبح وكذلك الصوم في الصيف وكذلك الحج ... والكثير من هذا القبيل، فكل هذه الأمور فيها ضرر، وعليه سوف يلزم تخصيص الكثير من الأحكام واخراجها من لا ضرر بناءً على تفسير الشيخ الأعظم(قده)، فهنا يلزم التخصيص الكثير المستهجن، بخلافه إذا فسّرنا لا ضرر بالنهي فإنه لا يلزم التخصيص وإن لزم التخصيص فهو قليل.

ونحن نقول: - سيأتي جواب هذا الدليل فيما بعد حينما نذكر الإشكالات على رأي الشيخ الأعظم(قده) على مسلك نفي الحكم الضرري، حيث نذكر عدّة إشكالات وسوف ندفعها وأحد هذه الإشكالات هو أنَّ نفي الحكم الضرري يستلزم كثرة التخصيص، فانتظر الجواب في ذلك الموضع.