42/05/19
الموضوع: - قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.
وفي مقام المناقشة نقول: - إنك قلت قد نفي الموضوع وهو الضرر والمقصود هو نفي الحكم الشرعي - والحكم الشرعي يختلف فمرة جواز ومرة حرمة وهذا باختلاف المورد - ولكن نقول إنك هل تنظر إلى الضرر بنظرة موضوعية أو بنظرة طريقية؟، وبنحو الموضوعية يعني أنه ينفي الضرر بما هو ضرر لا بما هو مرآة إلى الشيء الضار مثل الوضوء فمرة نأخذ لا ضرر يراد به نفي الضرر بما هو ضرر، ومرة يكون المقصود من الضرر هو الوضوء الضرري الذي هو سبب للضرر فيؤخذ الضرر بنحو الطريقية والمرآتية إلى الموضوع - المتعلَّق - وهو الوضوء الضرري، ونحن نسأل ونقول ماذا تقصد من نفي الضرر فهل مقصودك هو نفي الضرر بما هو هو وننظر إلى الضرر بنحو الموضوعية ولا نأخذه بنحو المرآتية بنحو الوضوء الضرري مثلاً، فهل مقصودك هو نفي الضرر بما هو ضرر فهل أنَّ ( لا ضرر ) يعني أنَّ الضرر بما هو ضرر منفي ويكون المقصود هو نفي الحكم؟
فإن كنت تقصد هذا فيرد عليه: -أولاً: - ولكن نقول إذا أخذنا الضرر بنحو الموضوعية فسوف نحصل على عكس المقصود فإنَّ الضرر بما هو ضرر حكمه الذي نريد أن نرفعه هو الحرمة، فرفع الضرر بقصد رفع الحكم - يعني رفع الحرمة - وهذا سوف يؤدي إلى عكس المقصود فإنه سوف يصير الضرر جائزاً، يعني أنَّ النتيجة سوف تصير هي أنه ضرَّ نفسك فإنه جائز.
ثانياً: - إنه بقطع النظر عن المناقشة الأولى ترد مناقشة ثانية، وهي أننا نريد أن نرفع وجوب الوضوء الضرري، وبناءً على الاحتمال الأول سوف يُرفَع الضرر بما هو ضرر ولا يرفع وجوب الوضوء الضرري، فما يراد وما هو المطلوب اثباته لم يتحقق وما تحقق ليس هو المطلوب.
وإن كنت تقصد من الضرر أنه مأخوذ بنحو المرآتية إلى المصاديق كالوضوء الضرري فيرد عليه: -أولاً: - إنَّ الضرر ليس مرآةً للوضوء الضرري، وإنما المرآتية هي بين العنوان والمعنون لا بين السبب والمسبَّب، فبين العنوان والمعنون نقول إنَّ العنوان مرآة للمعنون لأنه يوجد اتحاد بين العنوان والمعنون فيكون العنوان مرآةً للمعنون فالمرآتية مقبولة في باب العنوان والمعنون، أما في باب السبب والمسبب فالسبب ليس مرآةً إلى المسبب أو بالعكس، وموردنا هو من باب السبب والمسبَّب فإنَّ الوضوء الضرري سبب للضرر، فبينهما سببية وفي مورد السببية لا توجد مرآتية للسبب عن المسبب أو يكون المسبب مرآة للسبب وإنما المرآتية هي بين العنوان والمعنون مثل ورقة فإنها عنوان ومرآة إلى مصاديق الورق، أما بين السبب والمسبَّب فالمسبب ليس مصداقاً للسبب أو بالعكس حتى تكون بينهما مرآتية.
ثانياً: - إنه بغضّ النظر عن المناقشة الأولى نقول إنَّ هذا الاحتمال الثاني في حديث لا ضرر لا يوصلنا إلى ذلك، فإنَّ الضرر الوارد في حدث لا ضرر هو مرآة لمصاديقه من هذا الضرر وذاك الضرر ...، فإذا فرض أني سقطت على الأرض فهذا مصداقٌ من مصاديق الضرر، فالضرر يكون مرآةً لهذا المصداق، وأما الوضوء فهو سببٌ للضرر، والحديث يقول لا ضرر يعني أنَّ أحكام نفس الضرر سوف تسري إلى المصاديق لا أنها تسري إلى السبب وهو الوضوء الضرري، ونحن نريد أن نرفع وجوب الوضوء في حالة الضرر، ولا ضرر لا يؤدي إلى هذا الشيء، لأنَّ لا ضرر إذا لاحظناه بنحو المرآتية إلى مصاديقه فمصاديقه هي الضرر في هذا المورد والضرر في ذاك المورد، أما الأسباب فهي ليست مصاديق للضرر وإنما هي أسبابٌ للضرر، فعلى هذا الأساس حتى لو أخذنا الحديث بنحو المرآتية فهو مرآة إلى مصاديقه وهي أفراد الضرر لا إلى أسباب الضرر كالوضوء، ونحن نريد أن نقول هو ناظر إلى الوضوء ويرفع وجوبه والحال أنَّ الوضوء ليس مصداقاً للضرر حتى يكون الضرر مرآة إليه وإنما هو سببٌ إلى الضرر، وهذا مطلب ينبغي أن يكون واضحاً.
وإن شئت قلت: - يوجد عندنا موضوع ويوجد عندنا متعلَّق، والفرق بين الموضوع وبين المتعلَّق هو أنَّ المتعلَّق ما يلزم إيجاده أو إعدامه مثل شرب الخمر أو إيجاد الصلاة، ففعل الصلاة يجب إيجاده وفعل شرب الخمر يلزم تركه، فالذي يلزم تره أو يلزم فعله يقال له متعلَّق، وأما الموضوع لا يلزم إيجاده ولا يلزم تركه وإنما هو لو تحقق ثبت الحكم كالاستطاعة فإنه إن تحققت الاستطاعة ثبت وجوب الحج فالاستطاعة موضوع لوجوب الحج، ونحن في حديث لا ضرر نريد أن نقول إنَّ المتعلَّق وهو الوضوء فإنَّ الوضوء متعلَّق ويلزم إيجاده ونحن نريد أن نرفع هذا الوجوب حالة الضرر، وهذا لا ينظر إليه الحديث، لأنَّ الحديث قال لا ضرر ولا ضرر هو مرآة لمصاديقه، ومصاديقه هي الأضرار الخاصَّة لا الأسباب إلى الضرر، فعلى هذا الأساس لا يفعنا الحديث حتى لو أخذناه بنحو المرآتية فإنه لا يدل على أنَّ الوضوء حالة الضرر سوف يرتفع وجوبه، فإنَّ الوضوء متعلَّق لا أنه مصداق للموضوع، والحال أنه في موردنا الضرر هو موضوع يعني إن تحقق فلا يلزم فعل الشيء الفلاني، فهو ناظر إلى نفي الموضوع وليس ناظراً إلى نفي المتعلَّق ونحن نريد أن ننفي المتعلَّق وهو وجوب الوضوء، فالوضوء هو متعلَّق الحكم لا موضوع الحكم، بينما الضرر هو موضوع يعني إن فرض الضرر، فالضرر يؤخذ بنحو الفرض، يعني إن تحقق الضرر فسوف يرتفع الشيء الفلاني، فيصير مفاد لا ضرر هو أنه إذا تحقق الضرر في هذا المورد فسوف يرتفع الحكم وليس في وجوب الوضوء فإنَّ وجوب الوضوء متعلَّق لا أنه موضوع، والحديث ينظر إلى أفراد الموضوع ونحن نريد أن نرفع أحكام المتعلَّق لا أحكام الموضوع، فإنَّ أحكام الموضوع - الذي هو الضرر - هي الحرمة، فحديث لا ضرر يرفع الحرمة ولا يرفع أحكام المتعلَّق.