42/05/17
الموضوع: - قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.
أما الرأي الأول: - وهو أنَّ المقصود من لا ضرر هو نفي الحكم الضرري، وقد اشترك في هذا الرأي الشيخ الأعظم والشيخ الخراساني ولكن اختلفا في التوجيه والبيان، والاحتمالات في ذلك ثلاثة: -
الاحتمال الأول: - أن يكون المقصود هو نفي الحكم المستلزم للضرر، بمعنى أنه حيث إن الحكم يستلزم الضرر فينفى الضرر والمقصود هو نفي المسبَّب والمقصود نفي السبب لأنَّ الضرر نشأ من جود الوضوء فنفي المسبب والمقصود نفي السبب، هكذا قل، أو قل نفي السبب وهو الحكم بلسان نفي المسبَّب وهو الضرر، وهو ما ذهب إليه الشيخ الأنصاري(قده).
الاحتمال الثاني: - هو أنه نفي الموضوع والمقصود نفي الحكم، فإنه أحياناً ينفى الحكم من خلال نفي الموضوع، كما ذهب إليه صاحب الكفاية مثل لذلك بـ( لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ) فهنا نفيت الصلاة التي هي الموضوع والمقصود هو نفي الحكم هو الاستحباب، فالصلاة في البيت ليست هي الصلاة الراجحة وإنما الصلاة الراجحة تكون في المسجد فنفيت الصلاة في البيت لمن جاره المسجد والمقصود هو نفي الحكم بالرجحان والاستحباب فنفي الاستحباب ولكن لا بلسان نفي الاستحباب وإنما بلسان نفي الموضوع، ومن هذا القبيل ( يا أشباه الرجال ولا رجال ) فهنا نفي الرجال الذي هو الموضوع والمقصود هو نفي الحكم، يعني أنه وجودهم غير نافع فلا شجاعة ولا عمل ولا غير ذلك، فإذاً في اللغة العربية يوجد عندا أنه ينفى الحكم بلسان نفي الموضوع، وهو ما ذهب إليه صاحب الكفاية.
والفارق النظري بين الاحتمال الأول والاحتمال الثاني واضح: - فإنه في الاحتمال الأول الشيخ الأعظم(قده) يتمسك بفكرة نفي السبب من خلال نفي المسبَّب وأما في الاحتمال الثاني فالشيخ الخراساني(قده) يتمسك بفكرة أنه ينفي الموضوع والمقصود هو نفي الحكم.
أما الفارق العملي بينهما: - فيمكن أن يذكر موردان للفرق: -
المورد الأول: - ما إذا فرض أنَّ الضرر لم يكن في نفس الشيء وإنما كان في مقدماته، يعني أن الوضوء ليس بضرري ولكن الماء مفقود وتحصيله يحتاج إلى مقدمات بأن أركب دابة أو سيارة أو أمشي كثيراً وتحصيل كل هذه الأمور صعبة عليَّ فهنا صار الضرر في مقدمات الوضوء وليس في نفس الوضوء فإن كان الضرر في المقدمات دون نفس الوضوء، فهل يمكن نفي وجوب الوضوء بقاعدة لا ضرر؟ إنه على رأي الشيخ الأعظم(قده) يمكن نفيه، لأنه يقول إنه كل ما كان وجوب الوضوء سبباً للضرر فينتفي الوجوب، وهنا صار الوضوء سبباً للضرر، لأنه إذا كان واجباً فيلزم أن أحصل على دابة أو سيارة أو أمشي طويلاً وسوف أتضرر فهنا سوف ينتفي وجب الوضوء الذي هو سبب للضرر لأنَّ المسبَّب وهو الوضوء يحتاج إلى مقدمات وهي تضرني فصار وجوب الوضوء سبباً للضرر فيرتفع وجوب الوضوء، وأما على طريقة الشيخ الخراساني(قده) لا يمكن التمسك بلا ضرر في هذا المورد، لأنَّه يقول إنَّ موضوع وجوب الوضوء هو الذي قد نفي وموضوع الوجوب هو الوضوء والوضوء لا ضرر فيه حتى ينتفي الحكم، لأنه على رأيه نفي الحكم من خلال نفي الموضوع أو نفي الموضوع الضرري والمقصود هو نفي الحكم ولكن لا بد أن يكون الموضوع ضررياً حتى بانتفائه ينفى الحكم، والموضوع هنا ليس بضرري فإنَّ الوضوء ليس بضرري وإنما الضرر في المقدمات فلا يمكن التمسك بحديث لا ضرر هنا.
المورد الثاني: - إنه في باب الانسداد، فإذا انسَّد باب العلم ففي مثل هذه الحالة يقال إنه في المقدمة الرابعة من مقدمات الانسداد أن الاحتياط موجب للعسر، ونسأل ونقول هل يمكن رفع وجوب الاحتياط بلا ضرر؟ والجواب:- إنه على رأي الشيخ الأعظم(قده) يمكن رفعه، أما على رأي الشيخ الخراساني(قده) لا يمكن رفعه، لأنه على رأي الشيخ الأعظم هو أن وجوب الاحتياط سبب للضرر وأنَّ الضرر هو في الاحتياط حيث يتوقف على الجمع بين الاحتمالات فيحتمل أن الواجب في ظهر يوم الجمعة هو صلاة الظهر ويحتمل أو الواجب هو صلاة الجمعة فالاحتياط يصير بالجمع بين الصلاتين وافترض أنَّ الجمع بين الصلاتين فيه عسر على المكلف فعلى رأي الشيخ الأعظم(قده) يرتفع وجوب الاحتياط لأنَّ الوجوب يصير سبباً للجمع بين الاحتمالات والجمع بين الاحتمالات ضرري، وحيث إنه ضرري فسوف يرتفع الضرر فسوف يرتفع الوجوب، فإنه يرتفع المسبب والمقصود هو رفع السبب وهو الوجوب، أما على رأي الشيخ الخراساني(قده) لا يمكن رفع الاحتياط، لأنَّ الجمع بين الاحتمالات ليس هو الموضوع وإنما هو حصِّل للواقع فالإتيان بالواقع ليس ضررياً لأنَّ الواقع مثلاً هو صلاة الضهر وهذا ليس ضررياً، فالموضوع ليس ضررياً حتى نقول رفع الحكم من خلال رفع الموضوع فإن الموضوع ليس ضررياً حتى يرتفع الحكم، فإما أن يكون الواجب واقعاً هو الظهر والاتيان بالظهر وحدها ليس فيها ضرر أو يكون الواجب هو صلاة الجمعة والاتيان بها بمفردها ليس فيه ضرر وإنما الضرر في الجمع بين الاجتمالين والجمع بين الاحتمالين ليس هو الموضوع للحكم وإنما الموضوع للحكم في علم الله تعالى إما صلاة الظهر فقط أو صلاة الجمعة فقط ونحن نريد أن ننفي وجوب الاحتياط بالجمع بين الاحتمالين، فعلة رأي الشيخ الخراساني(قده) لا يمكن نفي وجوب الجمعة بقاعدة لا ضرر، لأنَّ لا ضرر تنفي الحكم إذا كان الموضوع ضررياً بلسان نفي الموضوع الضرري، وهذا بخلافة على رأي الشيخ الأنصاري(قده)، فعلى رأيه يكون المجال مفتوحاً للفقيه ويكون في راحة في التمسك بلا ضرر حتى في هذا المورد لأنه إذا كان المطلوب هو الاتيان بالواقع هنا فهذا الواقع لا يمكن احرازه والاتيان به إلا من خلال الجمع بين الاحتمالين فسوف يصير وجوب الصلاة الواقعية الواجبة في يوم الجمعة منشأ للضر لأنه بالتالي الصلاة الواقعية هل هي الظهر أو الجمعة فيلزم الجمع بينهما فصار الوجوب الواقعي سبباً للضرر حيث يلزم الجمع بين الاحتمالين، وهذا ضرري فيرتفع بلا ضرر، أما على رأي الشيخ الخراساني(قده) المقصود هو نفي الحكم بلسان نفي الموضوع، والموضوع هنا ليس ضررياً، لأنَّ الموضوع للوجوب إما صلاة الظهر فقط وهي ليست ضررية أو صلاة الجمعة فقط وهي ليست ضررية فلا يمكن تطبيق قاعدة نفي الضرر ونستفيد منها لنفي وجوب الاحتياط، بينما يمكن التمسك بها على رأي الشيخ الأعظم(قده) لنفي وجوب الاحتياط.