الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/05/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.

هل باب المفاعل يدل على المشاركة؟

وهنا نقول: - نحن يوجد عندنا فعل ( ضرّ ) والكلام هو أنَّ ضرار هل هو مصدر الفعل الثلاثي المجرّد ( ضرَّ ) أو هو مصدر الفعل المزيد ( صارّ )؟ فإن قلنا هو مصدر من ضرَّ فيقال إنَّ هذا ليس من باب المفاعلة، حيث يقال ضرّه يضرّه ضرّاً وضراراً، أما قلنا إنه مصدر من ضارَّ فحينئذٍ يكون ضارّة يضارّه مضارّةً وضراراً، وهذا يعبر عنه بباب المفاعل، ة فيوجد احتمال أنَّ الضرار من باب المفاعلة - يعني هو مصدر من ضارّه لا مصدر ضرّه المجرد - فإنّ كان مصدر من ضارّه فسوف يصير من باب المفاعلة، لأنه كما قلنا إنه يكون ( ضارّه يضارّه ضراراً ومضارّةً )، ولو كان من باب المفاعلة فالمعروف بين أهل الأدب العربي أنَّ باب المفاعلة يدل على المشاركة، يعني أنَّ مقاتلة ومبارزة أي أنَّ أحدهما يقاتل ويبارز الآخر، وكذلك مجادلة، فهو يدل على وجود طرفين، فهذا يقاتل الآخر وهذا يجادل الآخر، فلو كان طرفاً واحداً فلا يقال قاتله مقاتلة وإنما يقال قتله قتلةً، فالمعروف بين أهل العربية أنَّ باب المفاعلة يدل على المشاركة في المادة، يعني صدور الفعل من هذا الطرف ومن ذاك الطرف.

ولكن الشيخ الأصفهاني(قده) أنكر هذا المطلب وقال:- وإن كان المعروف بين أهل الأدب أنَّ باب المفاعلة يدل على المشاركة ولكنه شيء مرفوض، وقد ذكر هذا في موردين، فذكره في شرح الكفاية[1] ، كما ذكره في تعليقته على الكاسب[2] ، وقد ادّعى أنه وإن كان المشهور بين اللغة أنَّ باب المفاعلة يدل على المشاركة بيد أنَّ الأمر ليس كذلك، وقد استشهد لذلك ببعض الشواهد القرآنية من قبيل قوله تعالى ﴿ يخادعون الله والذين آمنوا﴾ فهنا المخادعة هي من باب المفاعلة فلو كانت تدل على الاثنينية فسوف هم يخدعون الله تعالى الله تعالى أيضاً يخدعهم وهذا غير صحيح فإن الله تعالى لا يخدع أحداً، ومثل قوله تعالى ﴿ ومن يهاجر في سبيل الله﴾ فالمصدر هو مهاجرة، فإنَّ الذي يهاجر هو واحد وهي هجرة من طرف واحد أما أنه توجد هجرة من طرف الله تعالى إليه فلا، فهذا أيضاً من باب المفاعلة ولكن مع ذلك لا يدل على الاثنينية، وكذلك قوله تعالى ﴿ يراءون الناس﴾ يعني أنَّ هذا الانسان هو الذي يرائي ولا يوجد طرف آخر يرائي أيضاً، فلا توجد إراءة وغش من هذا الطرف ومن ذاك الطرف وإنما توجد مراءاة من طرفٍ واحد وهو المرائي فقط، وكذلك قوله تعالى ﴿ وناديناه﴾ وهي من المناداة، ولكن المناداة هنا من جانب واحد، فإنَّ النداء الإلهي قد صدر إلى موسى عليه السلام أما موسى عليه السلام فلم يصدر منه النداء، وكذلك ﴿ نافقوا﴾ و ﴿ شاقوا﴾ و ﴿ ولا تمسكوهن ضرارً﴾ و﴿ مسجداً ضراراً﴾، فكل هذه الشواهد لا توجد فيها اثنينية، فإنَّ الضرار قد صدر من واحدٍ ولا يوجد صدور من طرفين، وأما الاستعمالات غير القرآنية فنقول ( عاجله الله بالعقوبة )، فهنا المعاجلة من الله تعالى فقط ولا يوجد طرف آخر، أو نقول ( بارزه بالحرب ) فهنا المبارزة هي من طرف واحد أما الطرف الثاني فلم يبارز بالحرب أيضاً، أو نقول ( باشر الحرب) فهي من طرفٍ واحد لا من طرفين.

فإذاً هذه شواهد كثيرة على أنَّ باب المفاعلة لا يدل على المشاركة والاثنينية وإن كان ذلك معروفاً عند أهل اللغة العربية، وإنما نقول هي مستعملة إما في التعدية، من قبيل ( جلس ) فإنَّ ( جلس ) فعل لازم فنقول ( جلس فلان إلى زيد ) فهو يتعدى بحرف الجر ولا يتعدى بنفسه، ولكن حينما نحوله إلى باب المفاعلة فسوف يتعدّى بنفسه فنقول ( جالست فلاناً )، ففائدة باب المفاعلة هي إفادة التعدية، وأما إذا كان الفعل متعدياً مثل ( ضرب ) فإنَّ ضرب متعدٍّ بنفسه، ولكن نستعمل باب المفاعلة فيه فنقول ( ضارب زيد عمرواً ) فإنَّ ضَرَبَ هو متعدٍّ بنفسه ولكن حينما تحول إلى باب المفاعلة ففي مثل هذه الحالة تكون التعدية ملحوظة بنحو الاستقلال ومسلّط عليها الأضواء، فحينما تقول ( ضارب زيد عمرواً) فهنا يوجد تسليط أضواء على التعدية وأنَّ هذا ضَرَبَ ذاك، بخلاف ما لو قلت ( ضرب زبد عمروا ) فهنا الفعل قد تعدّى ولكن لا يوجد تسليط للأضواء أكثر على التعدية، أما في حالة استعمال باب المفاعلة فالتسليط يصير أكثر.

ولكن يبقى أنه لم يقم دليلاً علمياً على أنَّ باب المفاعلة لا يفيد المشاركة وإنما ذكر شواهد على ذلك فقط، وما ذكره أشبه بالقصور في المقتضي والمهم أن يقيم دليلاً على أنَّ باب المفاعلة لا يستعمل في الاثنينية والمشاركة، ولكنه أجاب وقال: - لو كان باب المفاعلة يستعمل للمشاركة والاثنينية للزم من ذلك استعمال الهيأة في نسبتين ومعنيين، فإذا كانت ( قاتل زيد عمرواً ) تدل على المشاركة يعني أنَّ هيأة ( قاتل ) قد استعملت في نسبتين نسبة مقاتلة صادرة من زيد لعمروٍ ونسبة ثانية وهي مقاتلة عمروٍ لزيد، فيلزم استعمال الهيأة في معيين وهو شيء إن لم يكن باطلاً فلا أقل هو مخالف للظاهر.

والدليل المهم للشيخ الأصفهاني(قده) هو هذا وليس التتبع وعدم وجود أمثلة قرآنية أو غيرها على المشاركة.

ولكن في الجواب نقول: -

أما ما أفاده في الدليل فيرد عليه: - إنه تام فيما إذا فرض أننا قلنا إنَّ هيأة المفاعلة تستعمل في نسبتين نسبة صدور الضرر من زيد إلى عمرو ونسبة صدور الضرر من عمروٍ إلى زيد، فهذا من استعمال الهيأة في نسبتين وهو ممتنع أو مخالف للظاهر، ولكن يمكن أن نقول بشيءٍ آخر، وهو أنَّ هيأة باب المفاعلة مستعملة في نسبة واحدة ولكنها نسبة تتلاءم مع صدور الفعل من الطرف الأول في حق الطرف الثاني كما أنها نسبة تتلاءم مع صدور الفعل من الطرف الثاني في حق الطرف الأول، فهي نسبة واحدة لا أنها نسب متعددة، وعليه فلا يأتي ما ذكره.

وأما بالنسبة إلى أصل مدّعاه فنقول: - ما المقصود مما ذكرته، فهل المقصود هو أنَّ باب المفاعلة ليس مستعمل دائماً في الاثنينية والمشاركة؟ فإن كنت تقصد هذا فهو لا بأس به، يعني أحيانا يستعمل في باب المشاركة وأحياناً أخرى لا يستعمل في باب المشاركة مثل ﴿ يراءون الناس﴾ فإنَّ هذا ليس مستعملاً في باب المشاركة، أما في موردٍ آخر فإنَّ باب المفاعلة يكون مستعملاً في باب المشاركة مثل المقاتلة مثل ( قاتل زيد عمرواً ).

فإذاً أن كان مقصودك أنه لا يستعمل دائماً في باب المشاركة فنحن نقبل منك بهذا، وأما إذا كنت تقصد أنَّ هيأة باب المفاعلة لا تستعمل أبداً في الاثنينية والمشاركة - والظاهر أنَّ مقصوده هو هذا - فنقول إنَّ الشواهد على خلافه، فإنَّ المقاتلة هي حصول القتال من الطرفين، أما إذا كان أحدهما يضرب والآخر ساكت فهنا لا نقول ( قاتل زيد عمرواً ) وإنما نقول ( قتل زيد عمرواً )، فإذاً ( قاتل ) الذي هو من باب المفاعلة يدل على الاثنينية، وكذلك المضاربة والمؤاكلة ... وهكذا، فإذاً باب المفاعلة مستعمل في كثيرٍ من الموارد في المشاركة والاثنينية، نعم إذا كان مقصودك أنَّ هذا ليس على نحو الايجاب الكلي فهذا صحيح، أما إذا أن تدعي السلب الكلي فنحن لا نوافقك عليه وقد أتينا ببعض الأمثلة كالمقاتلة والمبارزة والمضاربة فإنَّ هذه بأجمعها تدل على الاثنينية.


[1] نهاية الدراية، الأصفهاني، ج3، ص317، ط جديدة، مؤسسة آل البيت.
[2] التعليقة على المكاسب، الأصفهاني، ج1، ص10، ص11، عند تفسير ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) من أن البيع لغة مبادلة مالٍ بمال، باعتبار أنَّ المبادلة هي مفاعلة فهو بهذه المناسبة ذكر هذا المطلب.