42/05/10
الموضوع: - قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.
الاحتمال الثاني لمعنى كلمة الضرار:- أن يكون بمعنى الضرر، فـ ( لا ضرر ولا ضرار ) فالضرار يعني لا ضرر، وقد ذهب إلى ذلك ابن الأثير في نهايته [1] ولكن منا من ذهب إلى ذلك وهو الشيخ الخراساني في الكفاية حيث قال:- ( كما أن الأظهر أن يكون الضرار بمعنى الضرر جيء به تأكيداً كما يشهد به اطلاق المضار على سمرة )[2] وتبعه تلميذه النائيني(قده) حيث قال:-( بل المتعين في موارد استعماله أن يكون بمعنى الضرر ... وعلى هذا فيمكن أن يكون في المقام للتأكيد)[3] .
وفيه: - إنَّ هذا احتمال ضعيف لأن التقدير يصير هكذا ( لا ضرر لا ضرر ) وهذا تعبير كليك.
الاحتمال الثالث لمعنى كلمة الضرار: - أن يكون الضرار بمعنى الجزاء على الضرر،
ولكن نقول: - إنَّ هذا الاحتمال وإن ذكره ابن الأثير في نهايته ولكنه ضعيف أيضاً، والوجه في ذلك هو إنَّ الجزاء على الضرر إن كان بحق كما لو ضربني شخص وأنا ضربته بمقار تلك الضربة، فهنا لا يحتمل أنَّ الحديث الشريف يشمل مثل هذه الحالة ولا يحتمل شرعاً في الإسلام أنه منفي، وإن فرض أنه كان الجزاء على الضرر كان بباطل كما لو فرض أنَّ الشخص ضربني ضربه صغيرة وأنا ضربته بشدَّة على رأسه فهذا جزاء باطل ولا يجوز ولكنه لا يحتاج إلى ( لا ضرار ) وإما يدخل تحت الضرر، فإذاً هذا الاحتمال ركيك على كلا التقديرين.
الاحتمال الرابع في معنى لا ضرار: - ما ذهب إليه بعض العلام من أنَّ الضرار هو الضرر المكرر، فالضرر تارة يكون غير مكرر فهذا ضرر، كما لو فرض أن شخصاً ضربني مرة واحدة، أما إذا فرض أنه ضربني ثانياً وثالثاً فهذا ضرار، فالضرر المكرر هو الضرار، وشبهه بـ( سافر ) أو ( ضارب ) فإنَّ هذا هو معناه يعني أنَّ الضرب حصل بشكل مكرر من واحد منهما أو من الاثنين، فالضرار هو الضرر المكرر ضرر بعد ضرر إما من الشخص الواحد أو الضرر مع ضرر آخر من الطرف الثاني المعتدى عليه وذلك مثل سافر وضارب وما شاكل ذلك.
وفيه: - إنَّ هذا مجرد الاحتمال ليست له شواهد مثبتة، على أنه ربما يقال إنه ركيك في نفسه، فافترض أن الضرار تستعمل بمعنى الضرر المكرر أما إرادته في الحديث فهو معنى ركيك لا ينبغي أن يصار إليه.
فإذاً جميع هذه الاحتمالات باطلة.
الاحتمال الخامس:- وهو الاحتمال المناسب في المقام، وهو أن يقال:- تارة يفترض أنَّ الضرر يتحقق في حث الشخص فيرتفع ما يترتب عليه من أحكام، فإذا كان الوضوء يضرك فهذا الضرر مرتفع بمعنى رفع الحكم، فرفع الضرر هو نفي للحكم بلسان في الموضوع، هذا بالنسبة إلى (لا ضرر)، وأما الضرار فالمقصود منه قصد الاضرار، فتارة الانسان يصدر منه الضرر في حق غيره ولكن من دون قصد، كما لو توضأ ولا يدري أنه يضره الماء ثم تبين أنه يضره فهذا ضرر، وأخرى يفترض أنه يقصد الاضرار بالطرف، كما إذا فرض أني فعلت فعلاً لشخصٍ لأجل أن أضرّه، كما لو فرض أني أبدلت قفل باب دكانه كي أضرّه، فها اضرار فالحديث يريد أن ينفي الضرر والمقصود هو نفي الحكم كما إذا كان الوضوء يضره كما أنه ينفي الاضرار يعني إذا أراد شخص إضرار الآخرين فإن هذا لا يجوز أيضاً، وهذا المعنى مأخوذ من كتاب الله عزّ وجل حيث توجد آيتان تدلان على ذلك، الأول ﴿ لولا تمسكونهن ضراراً لتعتدوا ﴾[4] حيث يطلق الزوجة لكنه يبقيها في البيت كي يضرها ويؤذيها فهنا المراد من الضرار هو ادخال الضرر على الآخرين بقصد الاضرار فهذا هو المستفاد من هذه الآية الكريمة، والآية الثانية هي ﴿ والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين﴾[5] ، فهنا الضرار يعني بقصد الاضرار ولذلك يكون ارعابها مفعول لأجله يعني لأجل الاضرار، فهنا استعملت كلمة ضرار في القرآن الكريم في هذين الموردين بمعنى قصد الاضرار فإن عنصر القصد مأخوذ وهذا يمكن أن يصير شاهداً لمقامنا وهو أنَّ الضرار في حديث (لا ضرر ولا ضرار) هو الاضرار بالآخرين عن قصد الاضرار والايذاء، وببناءً على هذا يصير معنى الحديث (لا ضرر) فالمقصود نفي الحكم الي ينشأ منه الضرر فوجوب الوضوء إذا كان ينشأ منه الضرر فهو مرفوع - ومن الواضح أنه هنا رفع الحكم بلسان نفي الموضوع، وأما (لا ضرار) فهو نهي يعني تحريم الاضرار بالآخرين وبناء على هذا المعنى الذي ذكرناه يصير الضرر في (لا ضرر) حينئذٍ اسم مصدر وهو نتيجة الفعل، فالمصدر هو الفعل وما يحصل بالفعل - أي نتيجته - هو اسم المصدر، فحينما تضرب شخصاً فهذا الضرب بمعنى المصدر ولكن حينما يصير خدّه أحمر فهنا تقول إنَّ هذا ضربٌ، فهنا أطلق الضرب ولكن بمعنى النتيجة، فنتيجة صدور المصدر يصير اسم مصدر، فالضرر اسم مصدر يعني ما يترتب على الضرر، فالضرر اسم مصدر والضرار هو المصدر، فإذاً الأول نفي لاسم المصدر يعني نفي للنتيجة يعني يريد أن يقول لا يوجد ضرر في الأحكام الشرعية، فكل حكم يلزم منه الضرر فهو مرفوع، وأما في فقرة ( لا ضرار) فالحكم تكليفي، يعني لا يجوز لك الاضرار بالآخرين بقصد الاضرار.
ورب قائل يقول: - أنتم فسّرتم الضرار بمعنى قصد ادخال الضرر على الآخرين هو احتمال ظريف ولكن هذا مجرد احتمال لا مثبت له، ومجرد الوجاهة وأنه شيء ممكن لا يساوق الوقوع بل لابد أن تثبت الوقوع، والامكان وحده لا يوصلنا إلى الوقوع، وأنت من كل كلامك غاية ما أثبتَّ الامكان ولم تثبت الوقوع؟
ولكن نقول: -أولاً: - نحن إذا قبلنا بأنَّ الضرار هو بمعنى ادخال الضرر على الآخرين بقصد وقد أثبتنا أن هذا استعمال قرآني مألوف ثابت وقد أثبتنا ذلك بآيتين كريمتين.
ثانياً: - إذا تتبعنا كلمة لا ضرار في المعاجم اللغوية لا نجد لها معنى يتناسب مع هذا الحديث الشريف، لأننا ذكرنا فيما تقدم معاني متعدد وهي كلها ركيكة.
ثالثاً: - إذا طرحنا هذا المعنى على العرف وان لا ضرار بمعنى لا إضرار فلا تضر غيرك، أما لا ضرر فهو من ناحية الحكم الشرعي يعني كل حكم شرعي متى ما ولج الضرر فهو مرفوع، كما أنَّ ( ولا ضرار ) يعني ولا إضرار فإنَّ الضرار يأتي بمعنى الإضرار كما في الآيتين الكريمتين، فيمكن أن يدّعي شخص حصول ظهورٍ في هذا المعنى، وهو معنى وجيه ومتعين بعد فرض أنَّ المعاني المحتملة البقية لا تتناسب مع الحديث الشريف وهذا المعنى تناسب معه فيكون هو المتعين.
والخلاصة من كل ما ذكرنا :- إنَّ الضرر كما ذكرنا سابقاً هو بمعنى أما المصدر يعني نتيجة المصدر - فالإنسان حينما يتوضأ ويحصل الضرر فهذا نسميه، فنتيجة الاضرار بالنفس - الذي هو الوضوء - هي ضرر، فالشرع يريد أن يقول ( لا ضرر ) فهو يريد رفع الحكم الشرعي من خلال اسم المصدر لأن هذا التضرر الذي هو اسم المصدر يريد أن يرفعه والمقصود هو رفع الحكم، فالضرر المقصود منه اسم المصدر وهو الضرر الحاصل كالحمّى بسبب الوضوء، هذا نفي للحكم الشرعي من خلال نفي الموضوع، وأما ( لا ضرار ) فهو حكم تكليفي يعني يحرم الاضرار بالآخرين، فالضرار يصير بمعنى إضرار الآخرين عن قصد كما في الآيتين الكريمتين، فهذا المعنى يتعين مضافًا إلى أنه لا يتنافى مع الاستظهار العرفي.
هذا كله بالنسبة إلى المعنى الإفرادي لكلمتي الضرر والضرار.