الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/05/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.

المعنى الإفرادي لكلمة الضرار: - وفي هذا المجال نقول:- هناك فرق بين كلمة الضرر وكملة الضرار، فكلمة الضرر اسم مصدر، بينما كلمة الضرار مصدر، أما أنه مصدر للفعل الثلاثي المجرد أو لغير الثلاثي فهذه قضية ثانية، وفرق اسم المصدر عن المصدر هو أنَّ المصدر يدل على الحدث، وأما اسم المصدر فهو عبارة عن نتيجة المصدر، كما لو ضربنا الطفل فنفس الضرب هو حدث ولكن نتيجة الحدث هو رؤية الحمرة والتورم على اليد، فيقول إنه ضَربٌ شديد أو هذا ضررٌ شديد، فهنا الضرر أطلق على نتيجة المصدر وهو هذه الحمرة والتورّم، والخلاصة هي أنَّ الضرر يراد به نتيجة المصدر، فهو اسم مصدر وليس بمصدر، وأما الضرار فهو مصدر، نعم هل هو مصدر للفعل المجرّد يعني بمعنى ( ضرّه يضرّه ضرّاً وضراراً ) فيصير ( ضرار ) مصدر للفعل الثلاثي المجرّد أو أنه مصدر للفعل المزيد يعني ( ضارّه إضراراً ) فهذا لا يؤثر.

فإذاً ربما يكون الضرار مصدراً للفعل الثلاثي المجرّد، وربما يكون مصدراً للمزيد، ويعبّر عنه إذا كان مصدراً للمزيد - ( ضارّه ضِراراً مضارَّة ) - بباب المفاعلة، وهذا ليس بالأمر المهم.

والنتيجة التي عرفناها من خلال ما تقدم: - هي أنه هناك فرق بين الضرر وبين الضرار، فإنَّ الضرر اسم مصدر يعني نتيجة المصدر، والضرار هو المصدر أما أنه مصدر للثلاثي المجرّد أو للمزيد ففيه احتمالان وهذه قضية صرفية ونحوية ليست مهمة.

والمهم الذي نريد أن نعرفه: - هو أنه ماذا يقصد من كلمة الضرار حينما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( لا ضرر ولا ضرار ) وما الفرق بين الضرار الضرر، فإنَّ المهم هو الفرق بين المعنى الإفرادي لكلمة الضرر والمعنى الإفرادي لكلمة الضرار؟

هنا توجد عدّة احتمالات: -

الاحتمال الأول:- أنَّ يكون الضرار هو عبارة عن الفعل الواقع من اثنين،، فتارةً يفترض أنَّ أحد الأخوين يضرب الثاني أما الأخ الثاني فلا يضرب الأول، فهنا قد صدر الضرر من أحدهما ولكن لا يعبّر بالضِرار، وإنما يعبّر بالضرار فيما إذا ضرب كلّ واحدٍ منهما صاحبه فهذا هو الضرار وهو فعل الاثنين، فالفارق هو أنَّ الضرر هو فعل الواحد والضرار هو فعل الاثنين، فيصير معنى ( لا ضرر ولا ضرار ) يعني لا ينبغي أن يصدر منك الضرر أيها الانسان كما لا يضر أحدكم الآخر والآخر يضرّ الأول، وحينئذٍ هذا ما يعبّر عنه بأنَّ باب المفاعلة ما يدل على المشاركة، فالضرار من باب المفاعلة، فهو يدل على المشاركة، فهذا يضرب ذاك وذاك يضرب هذا، فهنا توجد مضارّة، فباب المفاعلة يدل على المشاركة، وهذا يُبرز كاحتمال.

ولكن يمكن أن يعلَّق على هذا الاحتمال ويقال: -

أولاً: - إنَّ الأنصاري لم يصدر منه الضرر وإنما صدر الضرر من سمرة فقط، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال ( لا ضرر ) كان ذلك بلحاظ سمرة لأنه هو الذي صدر منه الضرر، أما ( لا ضرار ) يعني بلحاظ الاثنين، فلا يصدر الضرر من واحدٍ ولا ينبغي أن يصدر من الاثنين فمن الواضح أنَّ الأنصاري لم يصدر منه الضرر، ففعلٌ من الاثنين ليس بموجودٍ وإنما الضرر صدر من أحدهما لا أكثر، فإذاً إرادة هذا الاحتمال وأنَّ الضِرار بمعنى الضرر الصادر من الطرفين - من الطرف الأول في مقابل صاحبة ومن الطرف الثاني في مقابل صاحبه - وتطبيقه في المقام باطل حيث إنَّ الأنصاري لم يصدر منه ضرر تجاه سمرة وإنما صدر الضرر من سمرة فقط.

ثانياً: - إنه بقطع النظر عن الجواب الأول نقول: - لو فرض أنَّ الضرر كان صادراً من الأنصاري أيضاً ولكن رغم ذلك لا يحتاج إلى ( لا ضرار ) وإنما يكفي ( لا ضرر )، يعني لا ضرر منك أيها الأول ولا ضرر منك أيها الثاني، فينطبق لا ضرر على الأول منهما وينطبق لا ضرر على الثاني منهما، فينطبق الضرر على كلّ واحدٍ منهما، فكان من لمناسب الاكتفاء بكلمة ( لا ضرر ) وحدها من دون حاجة إلى ذكر ( الضرار ) فإن ( لا ضرر ) ينطبق على الأول وينطبق على الثاني.

ثالثاً: - إنّ هذا الاحتمال ركيك في حدّ نفسه - يعني لا ينبغي أن يصدر الضرر من أحد الجانبين ولا ينبغي أن يصدر منكلا الجانبين - فلا حاجة إلى بيانه، وإنما يكفي أن يقول ( لا ضرر )، أما أنه لا يصدر الضرر من الاثنين فبيانه ركيك، نظير أن يقول قائل ( ينبغي أن لا يصدر الضرر من الانسان الواحد ولا ينبغي أن يصدر من الانسانين ) فإنّ هذا تعبير ركيك، بل من الأول يلزم أن يقول ( لا يلزم أن يصدر من الانسان )، فبيان أنه لا ينبغي أن يصدر من الانسانين ركيك ولا داعي إليه.

هذا كلّه إذا قلنا إنَّ باب المفاعلة يدل على الاشتراك، يعني صدور الحدث من هذا وذاك.

أما إذا أنكرنا ذلك كما أنكر الشيخ الأصفهاني(قده)، فإنه قال إنَّ الضرار هو من باب المفاعلة فلا يدل على الصدور من الاثنين وعلى المشاركة، فبناءً على هذا يصير هذا الاحتمال[1] موهوناً في حدّ نفسه، وهذا شيء مبنائي.


[1] وهو أنّ الضرار يقصد منه فعل الاثنين لأنه من باب المفاعلة وباب المفاعلة لا يدل على المشاركة والصدور من الاثنين إذا قلنا إنَّ باب المفاعلة لا يدل على المشاركة.