الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/05/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.

انتهينا عن قضية أنَّ الجمع بين الشفعة ولا ضرر أو المنع من فضل الماء وأن لا ضرر هل هو جمعٌ بين روايتين مستقلتين أو لا، وبه نختم حديثنا عن البحث الأول من الأبحاث الأربعة في قاعدة لا ضرر.

البحث الثاني: - المعنى الإفرادي لكلمة ( ضرر ) والمعنى الإفرادي لكلمة ( ضرار ).

المعنى الإفرادي لكلمة الضرر: - ونذكر هنا عدّة قضايا: -

القضية الأولى: - قد يقال إنَّ الضرر هو عبارة عن النقص في المال أو في العرض أو في النفس، فهذه الأمور المهمة للإنسان إذا طرأ عليها النقض فهو ضرر، وقد يقول قائل إنَّ الضرر هو سوء الحالة والضيق والحرج لا النقص في المال أو العرض.

والمناسب أن يقال: - إنَّ الضرر عبارة عن الجموع، فهو النقص في أحد الأمور الثلاثة مقيداً بالحرج والضيق وسوء الحال.

وقد تقول: - من أين لك هذا فإنك لست من أهل اللغة وهذا مطلبٌ يذهب فيه إلى أهل اللغة فيؤخذ بما يقولونه؟

ولكن نقول:- نحن أناس عرفيون ولنا الحق في تشخيص المعنى، فلاحظ ما هو المتبادر من كلمة ضرر فالضرر هو النقص ولكن ليس كل نقص وإنما بشرط أن يؤدي إلى ضيق الحال، فلو فرض أنَّ إنساناً يملك ملايين أو مليارات وتلف منها مليون دينار فهذا نقص ولكنه ليس بضرر فإنه لا يؤثر عليه ولا يحصل عنده ضيق، أما إذا طرأ نقص بإضافة ضيق الحال فعلى هذا الأساس يختلف الناس في ذلك، فمن كان مجموع ما عنده من ملك هو مليون وتلف ربعه فهذا يؤثر عليه وهو ضرر، أما إذا كان يملك المليارات فتلف الميلون لا يؤثر عليه فهذا ليس بضرر، والنتيجة هي أنَّ الضرر هو النقص في أحد الأمور الثلاثة ولكن بشرط أن يؤدي إلى ضيق الحال والحرج أو سوء الحال كما أوضحنا.

القضية الثانية: - وهي أنَّ صدق الضرر تارةً لا يتوقف على أخذ اعتبار خاص، فمثلاً وقع شيء فقطع يد شخص فهذا نقص في العضو ويصدق عليه ضرر بمن دون حاجة إلى أن نأخذ اعتبار خاص، وأخرى نحتاج إلى أخذ اعتبارٍ خاص كإتلاف الخمر، كما لو رأيت قنينة من الخمر فكسرتها أو أرقتها فهنا إن كانت هذه القنينة عند مسلم فهذا لا يعد ضرراً، لأنه لا مالية له ويجب اتلافه، بخلاف ما إذا كانت هذه القنينة لذمّي معاهد وهي في داره فإذا أرقتها فهنا يصدق الضرر، ولكن صدق الضرر مختصّ باعتبار خاص، يعني باعتبار كون الطرف ذمّي معاهد وله الحق في أن يحتفظ في بيته بالخمر وله مالية عنده، فإذاً بلحاظه سوف يكون ضرراً.

إذاً الضرر هو النقص كما عرفنا بقيد سوء الحال ولكن صدقه تارةً لا يحتاج إلى ملاحظة اعتبارٍ خاص كما في قطع اليد فإنَّ قطع اليد ضرر بالنسبة إلى جميع الناس، ومرة يحتاج إلى أخذ اعتبارٍ خاص كإتلاف الخمر الموجود في بيت المعاهد فإنه بلحاظ هذا الاعتبار يصدق الضرر.

وقد تقول: - هل يوجد ضمان أو لا؟

والجواب: - إذا فرض أنه يوجد إمضاء من قبل الحاكم الإسلامي حيث أنه قال لهم يجوز لكم أيها المعاهدون أن تشربوا الخمر الموجود في بيوتكم، فهنا يوجد إمضاء فإذا جاء مسلم وأراقه بعد هذا الامضاء من الحاكم الإسلامي فحينئذٍ يكون ضامناً، أما إذا لم يكن هناك إمضاء من قبل الحاكم الإسلامي فلا ضمان.

إذاً صدق الضرر تارةً يحتاج إلى أخذ اعتبارٍ خاص وأخرى لا يحتاج إلى أخذ اعتبارٍ خاص.

القضية الثالثة: - نقول إنَّ من أحد مصاديق الضرر هو النقص في العرض، وهل كل نقصٍ في العرض ضرر، كما إذا فرض أنَّ امرأة تسير في الطريق وقد كشفت وجهها فينظر إليها شخص أو هي جالسة في دارها وقد فتحت النافذة وينظر إليها المار فهذا نقص في العرض لأنَّ الأجنبي ينظر ولكن ها هذا ضرر أو ليس بضرر؟ يمكن أن يقال إنَّ مثل هذا ليس بضرر، فصحيح أنه ربما لا يجوز لك شرعاً النظر إذا كانت النظرة مثيرة ولكن هذا النظر لا يعد نقضاً في العرض وتجاوزاً على العرض حتى يقال هو نحو من الضرر وأنه أدخل الضرر على المرأة أو على زوجها، كما هو الحال في سمرة حينما كان يدخل دار الأنصاري لأجل نخلته إذ كانت عينه تقع صدفة على زوجة الأنصاري فإنَّ هذا ليس نقصاً في العرض، نعم إذا فرض أنَّ ذلك صار نقصاً في العرض فيعدّ ضرراً، كما لو فرض أنَّ المرأة كانت جالسة في بيتها والنافذة غير مفتوحة ولكن يأتي هذا الرجل وينظر من ثقب في الجدار أو يوسّع ثقب الجدار فينظر أو يصعد على السطح وينظر إلى امرأة جاره فها النحو من النقص في العرض يكون ضرراً، إذاً النقص في العرض إذا لم يكن فيه تجاوز على الحدود العرفية وإنما هو مجرد نظر فقط ولكنه لم يتجاوز ولم يفعل شيئاً من خلال ثقب في الجدار أو من خلال سطح الدار فهذا لا يعد ضرراً بخلاف ما إذا كان يتعمد ذلك ويظهر من قضية سمرة ان المرأة كانت في بيتها وجالسة في غرفتها وحينما يدخل من دون استئذان وهي جالسة في بيتها وفي غرفتها فهذا يعد بمثابة الظر من ثقب الجدار لأنه دخل من دون استئذان فيمكن أن نعد ذلك نحواً من الضرر.

القضية الرابعة: - لو فرض أنَّ شخصاً حال عن دخول شخصٍ آخر في معاملة أو في قضية أخرى كالاشتراك في الامتحان الوزاري فهل يعد هذا ضرراً أو لا يعدّ ضرراً؟ فأهل اللغة هنا لا رأي لهم لأنه يذكرون لمعنى الإجمالي أما التفاصيل فلا يذكرونها فتبقى هذه التفاصيل لابد أن نشخصها بحسّنا العرفي وأنها من مصاديق الضرر أو ليست من مصاديق الضرر ونقول هذا من مصاديق الضرر وذاك ليس من مصاديق الضرر والفقيه يحتاج في مقام الحكم أحيناً إلى تشخيص الموضوعات من هذا القبيل ولا تنفعه كلمات أهل اللغة لأن كلمات اهل اللغة وليست دقيقة في هذا المجال، وفي قضيتنا الرابعة هل يصدق على هذه الأمور أنه ضرر حتى يكون محرماً أو لا يصدق عليه ذلك، نعم عنوان إيذاء المؤمن فذاك شيء آخر لا يهمنا الآن وإنما نحن وعنوان الضرر فهل يعد هذا ضرراً أو لا؟

وفي مقام الجواب نقول: - إنّ الأمر يختلف فتارةً يفترض أنَّ الشخص يريد أن يدخل في هذه المعاملة كشراء سيارة وأنا أمنعه منها، فإن كان الأمر بهذا الشكل فلا يبعد صدق عنوان الضرر، مرة أني أفعل فعلاً أجعل المعاملة ترسو علي، فأنا لم امنعه من المجيء ولكني أفعل فعلاً كأن أهدي لصاحب معرض السيارات مثلاً قنينة عطر كي تصير المعاملة معي لا مع ذاك الشخص فهنا قد يقال إني لم امنعه فربما يقال لا يصدق عنوان الضرر آنذاك.

إذاً لاحظنا أنَّ عنوان الضرر إن عرّفه أهل اللغة بانه نص في المال أو العرض أو بعضهم فسره بالضيق والحرج ولكن هذا على اطلاقه لا هذا يمكن الأخذ به ولا ذاك يمكن الأخذ به وإنما لابد من الجمع بينهما كما ذكرنا ومع ذلك لابد وأن يعمل الفقيه ذوقه العرفي حتى يشخّص أنَّ هذا ضرر أو ليس بضرر كما عرفنا في هذه الحالات التي ذكرت في القضية الرابعة.