الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/05/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.

الوجه الثاني:- إنَّ الضرر له ارتباط بشكلٍ وآخر بالشفعة وذلك بأن يقال إنَّ بيع الشريك حصته على الأجنبي لا على شريكه يسبب ضرراً على الشريك، فجاء حديث ( لا ضرر ) واستشهد به لإثبات الشفعة للشريك وهذا له وجاهة، أما الضرار فلا ربط له بالشفعة، لأنَّ الضرار ليس معناه الضرر وإنما معناه الإضرار على الضرر أو الجزاء على الضرر كما لو أنَّ شخصاً أضرني فأضرّه، وعلى كلا التقديرين ذكره هنا غير مناسب، بل المناسب هو ذكر ( لا ضرر ) فقط أما الضرار فلا ربط له بالشفعة وبيع الشريك، لأنَّ الذي يسبب الضرر هو البيع وأما الضرار فلا يتولد من البيع، فذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لـفقرة ( لا ضرار ) هنا يكون لغوا، وعليه فنحن نجزم بأنَّ حديث ( لا ضرر ولا ضرار ) ذكر بشكلٍ مستقل لا كذيلٍ لحديث الشفعة، إذ لو كان ذيلاً فلا ربط للضرار بمورد الشفعة.

وجوابه واضح حيث يقال: - إنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصدر حكماً عاماً وقاعدة عامة، ويكفي لذكر القاعدة وجعلها ذيلاً لحديث الشفعة ارتباط مقدّمها بالشفعة ولا يلزم أن تكون بكاملها مرتبطة بالشفعة، ولذلك أنت حينما تريد الاستلال على قاعدة بقاعدةٍ أخرى فإنك تأتي القاعدة الأخرى مادام بعضها يرتبط بالقاعدة الأولى ولا يلزم أن تكون القاعدة الثانية بجميع اجزائها مرتبطة بالقاعدة الأولى، وهذا من الأشياء الواضحة.

الوجه الثالث: - وحاصله إنَّ لا ضرر لا يرتبط بالشفعة.

وهو لم يذكره مع التوضيح، ولكن وضحه السيد الخوئي(قده) في مصباح الأصول [1] [2] :- وحاصل ما ذكره إنه في مسألة الشفعة إما أن نفترض أنَّ الضرر يكون من نفس البيع وفي نفس البيع، يعني أحد الشريكين حينما يبيع حصته فالضرر يتولد من نفس بيعه، أو نقول إنَّ الضرر يتولد من لزوم بيعه، أو نقول إنَّ حديث لا ضرر يولّد حق الشفعة، أما الاحتمال الأول فمن المناسب للاستشهاد بلا ضرر بطلان أصل البيع، فإنه مادام الضرر هو في أصل البيع وعندنا قاعدة لا ضرر فمن المناسب أن يكون أصل البيع باطلاً والحال أنه في باب الشفعة يحكم بصحة البيع، فإذاً لا ضرر ليس مرتبطاً بالبيع وإلا لزم الحكم ببطلان البيع من الأساس ولا قائل ببطلانه، وأما الاحتمال الثاني فهو باطل أيضاً فإنه إذا كان الضرر في لزوم البيع فيلزم ثبوت الخيار لا الشفعة، وأما الاحتمال الثالث - وهو أن يقال إنَّ ضرر هو تعليل لثبوت حق الشفعة - فهو باطل، أيضاً لأن واقع الشفعة ليس هو رفع الضرر وإنما تدارك الضرر وجبرانه لأن الشريك سوف يتضرر ببيع شريكه فيجعل له الشفعة جبراناً لضرره وتداركاً لضرره، ومن المعلوم أنَّ لا ضرر الذي استشهد به مع حديث الشفعة هو ينفي الضرر لا أنه يثبت الجبران، فهو حديث رفع لا حديث جبران، والشفعة هي جبران للضرر، فلا يصح تعليل ثبوت حق الشفعة بلا ضرر، لأنَّ لا ضرر ينفي أصل الضرر لا أنه حديث جبرانٍ يجبر الضرر، وبهذا اتضح أنَّ لا ضرر لا يصلح أن يكون ذيلاً وعلّةً لقضاء الشفعة، فإنَّ الاحتمالات في المقام ثلاثة وجميعها باطلة، وعلى هذا الأساس يكون ( لا ضرر ) في حديث عقبة هو من الجمع بين الروايتين.

ويرد عليه: -

أولاً: - إنَّ الطريقة التي سلكها السيد الخوئي(قده) طريقة مرفوضة، فإنه أبطل الاحتمال الثالث مثلاً فقال إنه يرجع إلى اثبات حق الشفعة وهو باطل لأنَّ حديث لا ضرر هو حديث نفي لا حديث جبران، ولكن نقول لا معنى لأن نفسّر حديث ( لا ضرر ) بشكلٍ منفصل عمّا ارتبط به إذ نحن لنا خلفيات مسبقة عن حديث لا ضرر وأنه حديث نفي لا حديث اثبات، وأنت قلت مادام هو حديث نفي فلا يمكن أن يصير تعليلاً للشفعة التي هي جبران للضرر، ولكن نقول لا يمكنك أن تحكّم ما تبني عليه مسبقاً على الرواية بل يلزم أن تقول بالعكس، فيلزم أن تقول إنه حينما جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( لا ضرر ) ذيلاً لحديث الشفعة نفهم من فعله صلى الله عليه وآله وسلم - بعد وضوح أنَّ الشفعة جبران للضرر الطارئ على الشريك بسبب بيع شريكه - أنَّ حديث لا ضرر هو أوسع من ذلك، فهو حديث نفي وحديث جبران أيضاً بقرينة استدلال النبي صلى الله عليه وآله وسلم به هنا.


[1] مصباح الأصول( مباحث الفاظ- مكتبة الداوري)، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص604.
[2] مصباح الأصول( طبع موسسة إحياء آثار السيد الخوئي)، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص521.