الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/04/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.

القضية الثالثة: - وهي أن نقول ماذا يقصد شيخ الشريعة(قده) من الاستشهاد بحديث عبادة بن الصامت - لأنَّ العمدة عنده هو حديث عبادة بن الصامت -، نقول شيئاً كان من المناسب تقديمه وهو أنَّ شيخ الشريعة يعترف بما ذكرناه في القضة الأولى وفي القضية الثانية ويقول كل ما ذكرتموه صحيح ولكن يوجد عندي عبادة بن الصامت هو يدل على أنَّ ( قضى النبي بلا ضرر ولا ضرار ) هو حكم وقضاء مستقل لا أنه تعليل لغيره كما يظهر من رواية عقبة وأنه تليلي للشفعة أو أنه تعليل للمنع من فضل الماء، فالردَّ الأساسي على شيخ الشريعة(قده) ليس هو القضية الأولى إذ هو يعترف بها ولكنه يخالف الظاهر لأجل رواية عبادة بن الصامت، ونحن في هذه القضية الثالثة نريد الكلام عن حديث عبادة بن الصامت وفي هذا المجال نقول ماذا يقصد شيخ الشريعة من الاستشهاد بحديث عبادة بن الصامت - لأنه قال إذا رجعنا إلى حديث عبادة بن الصامت الذي هو من خيار الصحابة ومن الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام نجد أنَّ عبادة يقول ( من قضاء النبي كذا ومن قضائه كذا ومن قضائه كذا ) وأحد أقضيته أنه قضى بالشفعة بين الشركاء وأحدها أنه قضى بلا ضرر وأحدها أنه قضى بعدم جواز المنع من فضل الماء وليس أحد هذه الأقضية متصلا بالآخر وإنما يوجد بينهما فصل، فإذاً ( قضى بلا ضرر ولا ضرار ) هو قضاء مستقل صادر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهو أراد أن يجعل هذا قرينة على أنَّ الوارد في حديث الشفعة والفضل من منع الماء مما يوحي بالاتصال ليس بصحيح وإنما هو قضاء مستقل، فهو يدّعي هذا ويتمسك بقضية عبادة أما القضية الأولى والثانية اللتين ذكرناهما صحيح أنهما ردّ عليه ولكنه يقبل بذلك ولكن يقول يوجد خبر عبادة بن الصامت فهو يجعلني أقول بأنه قضاء مستقل فلابد من علاج هذا فكأن لسان حاله يقول هكذا، ونحن في هذه القضية الثالثة نقول له هل حديث عبادة بن الصامت تريد أن تقول هو يصير سبباً لأن نستظهر من رواية عقبة في الشفعة وفي المنع من فضل الماء أنه ليس ذيلاً وإنما هو مستق، يعني أنَّ ظاهر حديث عقبة الأول والثاني هو انفصال حديث ( لا ضرر ولا ضرر ) عنهما وليس تعليلاً لهما؟، أو أنك تريد أن تقول إنَّ ظاهره الاتصال ولكن نرفع اليد عن هذا الظهور في الاتصال ونصير إلى الانفصال لأجل حديث عبادة الذي وردت فيه هذه القضايا مفصلة - أي لا ضرر والمنع من فضل الماء والشفعة - وكل واحد منهما منفصل عن الآخر وليس متصلاً به؟ فإن كنت تقصد الأول فهذا خلاف الوجدان، بل من يقرأ حديث عقبة يستفيد منه الذيلية فإنه ( قضى النبي بالشفعة وقال لا ضرر ولا ضرار وقال إذا أرفت الرف وحدت الحدود فلا شفعة ) فكل هذا الكلام متصل مع بعضه، فإن ( حدّت الحدود ) متصل بالشفعة، يعني إذا حدّت الحدود فلا توجد شفعة، وإنما جيء بينهما بلا ضرر ولا ضرار من باب التعليل للشفعة ثم بيّن أنَّ الشفعة ليست ثابتة دائماً وإنما إذا حدّت الحدود وأُرِّفت الأُرَف فلا توجد شفعة، فالظهور في الذيلية والاتصال لا يمكن التغاضي عنه، وإن كنت تقصد أنه فيها ظهور في الذيلية ولكن لابد من رفع اليد عنه بقرينة وراية عبادة فهو أوجه من الأول ولكن نقول يمكن أن يكون حديث لا ضرر في رواية عقبة متصلاً وعلّةً وذيلاً، ولكن بالتالي هو قضاء من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم رغم ذيليته، فإذا كان قضاءً منه صلى الله عليه وآله وسلم فيحق لعبادة أن يذكره بعنوان أنه من أقضية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من دون منافاة بين الذيلية واقعاً وبين أن يعدّه عبادة من أقضية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فإنَّ عبادة لم يقل أنا أذكر لكم أقضية الرسول المستقلة التي قالها وحدها من دون صدرٍ ولا ذيل، وإنما هو يعدّ أقضية الرسول و( لا ضرر ولا ضرار ) هو من أقضيته صلى الله عليه وآله وسلم، فعبادة وضعه من ضمن أقضية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو لا يتنافى مع الذيلية، وبذلك يزول أصل القرينية من أساسه.

إلا اللهم أن يدافع مدافع ويقول: - إن عبادة يريد أن يذكر أقضية الرسول المستقلة.

ولكن نقول: - إنَّ هذه مجرد دعوى لا مثبت لها، بل هو يريد أن يعدّ أقضية الرسول صلى الله عليه وآله فقط فيمكنه أن يأخذ ( لا ضرر ) وإن كانت ذيلاً ويعدّها من أقضيته، وهو لم يقل أنا أنقل لكم الأقضية المستقلة.

هذا كله إذا لم نحتمل صدور لا ضرر مرتين من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مرة مذيّل ومرة غير مذيّل، أما إذا احتملنا صدوره مرتين بدرجةٍ معتدٍّ بها فسوف يبطل ما أفاده شيخ الشريعة أيضاً، لأنَّ هذه القرينة سوف تبطل لأنَّ الظهور في الذيلية موجود في حديث عقبة، أما حديث عبادة فنحتمل أنه قضاء مستقل صدر في زمانٍ آخر، فلا يصلح أن يكون قرينة على أنه حينما ذكر في رواية الشفعة ليس ذيلاً وإنما هو قضاء مستقل، بل لا يأتي هذا الكلام.

وأما الشيخ النائيني(قده)[1] :- فقد ذكرنا أنه وضّح ودعم ما أفاده شيخ الشريعة(قده) ثم أضاف ثلاثة وجوه دعماً لما ذكره شيخ الشريعة(قده):-

الوجه الأول: - إنَّ حدث لا ضرر هو من أقضية الرسول صل الله عليه وآله وسلم المشهورة المعروفة، ولكن توجد إضافة للشيخ النائيني(قده) لم يصرح بها ولكنها مقصود له جزماً وهي قيد ( المستقلة )، يعني أنها من أقضيته المشهورة المعروفة المستقلة، وحينئذٍ لو كانت ( لا ضرر ) ذيلاً وعلَّة ومتمّماً في حديث عقبة ولم تذكر بعنوان مستقل كما ادّعاه شيخ الشريعة(قده) فإذاً عقبة لم ينقل هذا القضاء الأهم من أقضية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإنما ذهب إلى أقضية عادية ونقلها كالقضاء بالشفعة أو المنع من فضل الماء وترك القضاء الأهم وكان من المناسب له أن يذكر ( لا ضرر ) بشكلٍ مستقل لا أنه ينقله مذيّلاً، وعلى رأي شيخ الشريعة(قده) نقله عقبة بشكلٍ مستقل، أما على رأي البقية لم ينقله بشكلٍ مستقل وإنما نقله ذيلاً، والمناسب هو أن ينقله بشكلٍ مستقل.


[1] رسالة لا ضرر، النائيني، ص370، المطبوعة مع تقرير بحث الشيخ النائيني ( منية الطالب ) للشيخ موسى الخوانساري.