42/04/28
الموضوع: - قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.
القضية الثانية: - هناك قرائن أربعة ضد ما يقول شيخ الشريعة، أي ضد فكرة أنَّ هذين كلامان مستقلان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد جمع بينهما عبادة أو عقبة أو غيرهما، وإنما الجمع كان من قبل النبي صلى الله عليه وآله ويلم وقد صدرا من النبي بنحو الاتصال: -
القرينة الأولى:- لماذا تكرر حديث لا ضرر مرتين، فإنَّ عقبة عنده رواية في باب الشفعة وذكر فيها أنه ( قضى النبي بالشفعة وقال لا ضرر ) ورواية في باب المنع من فضل الماء حيث قال ( قضى النبي بالمنع عن فضل الماء وقال لا ضرر ) فلا ضرر صدرت مرتين مرة في رواية الشفعة ومرة في رواية المنع من فضل الماء، فلو كان يريد أن يجمع أقضية النبي فلا معنى للتكرار بل لا بد أن يذكرها مرة واحدةـ، فلاحظ الرايتين اما رواية عقبة الأولى فهي عن أبي عبد الله عليه السلام قال :- ( قال:- قضى رسول الله صلى الله عليه وآله بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن وقال لا ضرر ولا ضرار )، وما الرواية الثانية لعقبة حيث قال:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- قضى رسول الله صلى الله عليه وآله بين أهل المدينة في مشارب النخل أنه لا يمنع نقع الشيء وقضى بين أهل البادية أنه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء وقال لا ضرر ولا ضرار )، فعقبة ذكر ( لا ضرر ولا ضرار ) في كلا الحديثين فلو كان غرض عقبة أن يجمع أقضية النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل عبادة بن الصامت لنقل ( لا ضرر ولا ضرار ) مرة واحدة وليس مرتين وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنه في الحديث الأول علل النبي الشفعة بلا ضرر وفي الحديث الثاني علل عدم جواز منع فضل الماء بلا ضرر، وهذه قرينة وقية جداً ضد شيخ الشريعة.
القرينة الثانية: - إذا كانت لا ضرر قضية مستقلة من أقضية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا أنها تعليل من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلماذا بين رواية الشفعة بين ( قضى بالشفعة ) وبين ( إذا أُرِّفت الأرف )، لأنَّ الرواية هي هكذا ( قضى رسول الله بين الشركاء في الأرضين والمساكن وقال لا ضرر ولا ضرار وقال إذا أُرِّفت الأرف وحدّت الحدود فلا شفعة )، فإذا كان الجمع من قبل عقبة لروايات مختلفة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فلماذا جاء بعبارة ( لا ضرر ولا ضرار ) في وسط الكلام بل المناسب أن يقول ( قضى رسول الله بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن وقال إذا أُرِّفَت الأرف وحدَّت الحدود فلا شفعة وقضى بأنه لا ضرر ولا ضرار ) لا أن تأتي ( لا ضرر ولا ضرار ) بين قضى بالشفعة وبين إذا ارفت الأرف، فإن هذا لا يصدر من عقبة إذا أراد نقل روايات مستقلة، فجزماً ( لا ضرر ولا ضرار ) صدر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتعليل للشفعة فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالشفعة لأجل لا ضرر ثم بعد أن أثبت الشفعة بقاعدة لا ضرر أراد أن يبين حكماً مرتبط بالشفعة وهو أن هذه الشفعة تثبت إذا تُؤرَّف الأرف وإلا فلا شفعة، فإذا كان ذلك صدر من النبي يكون ويجهاً أما إذا فرض أن عقبة أراد أن يجمع بين روايتين يعني نفترض أنَّ لا ضرر صدرت في مجلس والشفعة صدرت في مجلس آخر وأراد عقبة أن يجمع بين الروايتين فإذا النبي لم يعلل الشفعة بلا ضرر فيكون المناسب لعقبة حين الجمع بني الروايتين أن يقول ( قضى النبي بالشفعة وقال إذا أرفت الأرف فلا شفعة) ثم يقول ( وقضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنه لا ضرر ولا ضرار )، وهذه قرينة واضحة جداً.
القرينة الثالثة:- وهو تكرار كلمة ( قال ) لأنه ورد في الرواية ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- قضى رسول الله بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن وقال لا ضرر لا ضرار )، فإذا كان ( لا ضرر ولا ضرار ) قضاءً مستقلاً فلا داعي أن يذكر كلمة ( وقال )، بل لابد أن يقول ( قضى رسول الله بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن وقضى لا ضرر ولا ضرار ) لأنه يبين أقضية النبي فلماذا حينما وصل إلى قضاء لا ضرر غير التعبير فبدلاً من أن يقول ( وقضى بأنه لا ضرر ولا ضرار ) قال ( وقال لا ضرر ولا ضرار )، فهو حينما ينقل أقضية النبي لابد أن يقول ( قضى ... وقضى ... وقضى ) أو من دون أن يكرر كلمة ( قضى ) ولكنه يأتي بطريقة أخرى أخصر لا أنه يأتي بتعبير ( وقال )، فيتبيّن أنَّ ( لا ضرر ولا ضرار ) ليس قضاءً مستقلاً وإنما هو كلام مرتبط بالقضاء الشفعة فمن المناسب أن يقول ( وقال )، لأنه ليس قضاءً مستقلاً وإنما يقول ( قضى النبي بالشفعة وقال معللاً بأنه لا ضرر ولا ضرار ) ولكنه حذف كلمة ( معللاً ) لوضوحها.
القرينة الرابعة:- ذكر الشيخ الكليني(قده) في الجزء الخامس من الكافي[1] باباً اسمه ( باب الضرار ) وذكر في هذا الباب روايات منها رواية عقبة في الفضل من منع الماء والمشتمل على حديث لا ضرر، ثم في نفس الجزء في مورد سابق[2] ذكر باب الشفعة ذكر حديث عقبة الوارد في الشفعة، فلو كانت فقرة ( لا ضرر ولا ضرار ) فقرة مستقلة صدرت من النبي صلى الله عليه وآله وسلم كقضاءٍ مستقل من أقضيته وليست ذيلاً لحديث الشفعة أو لحديث المنع من فضل الماء لكان المناسب للشيخ الكليني أن يذكر هذا الحديث المستقل بشكلٍ مستقلٍ تحت عنوان باب الضرار، فعدم ذكره بعنوانه وباستقلاله في باب الضرار يدل على أنه لم يصدر منه صلى الله عليه وآله وسلم مستقلاً كما يقول شيخ الشريعة وعبادة، إذ لو كان قضاءً مستقلاً لكان من المناسب للشيخ الكليني أن يذكره في باب الضرار باستقلاله منفرداً لا أنه يذكر رواية عقبة ويذكره في ضمنها، فعدم ذكره باستقلاله يدل على أنه ورد ذيلاً في الرواية.
وقد يقال: - إنَّ الشيخ الكليني لم يلتفت إلى أنَّ هذا قضاء مستقل ويلزم أن يذكر في بابٍ مستقلٍ وكان يظنّ أنه ذيلاً.
وجوابه واضح: - وهو أنه إذا كان قضاءً مستقلاً لوصل إلى الشيخ الكليني مستقلاً، فليس من المقبول أنه يصل إلى عبادة مستقلاً ولا يصل إلى الشيخ الكليني مستقلاً، بل لابد أن يصل إلى الشيخ الكليني مستقلاً وحينئذٍ ينبغي أن يذكره مستقلاً، وإلا فمن البعيد أنَّ الشيخ الكليني المدقق والمحقق في الأحاديث لم يلتفت إلى أنَّ هذا حديث وقضاء مستقل حتى يذكره باب الضرار بعنوان مستقل، فعدم ذكره بعنوان مستقل وذكره في ضمن حديث عقبة في الشفعة وفي المنع من فضل الماء يدل على أنه لم يصل إلى الشيخ الكليني كفقرةٍ مستقلةٍ منفصلةٍ عن غيرها وإنما هو ورد من النبي ومن أهل بيته عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام كذيل للرواية لا أنه ورد مستقلاً.