42/04/23
الموضوع: - قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.
ويرد عليه: - إنَّ التعبير الوارد في الرواية هو حكاية عن فعل النبي صلى الله عليه وآله، فالإمام الصادق عليه السلام يحكي ما حصل من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو قال ( قضى رسول الله بين الشركاء بالشفعة ) وهذا حكاية لعمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا كان يحكي فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فمن المناسب أن يذكر كلمة ( وقال ) ولا يصح عدم ذكرها، لأنه كيف يأتي بـ( لا ضرر ولا ضرار )؟ لأنَّ ما صدر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما رأى القضية هكذا بين الشركاء قال ( أنا أحكم ببينكما بالشفعة فإنك أيها الشريك لك حق الشفعة فإنه لا ضرر ولا ضرار)، فالصادر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو هكذا، ولكن الامام الصادق عليه السلام حينما يريد أن يحكي ما صدر من جده فهو يحكي فعلاً لا أنه ينقل نصّاً، وإنما قال ( إنَّ جدي حكم بالشفعة بين الشركاء ثم قال جدي لا ضرر ولا ضرار ) ولا يمكن غيره، لأنَّ هذا هو حكايةُ فعلٍ، وفي باب حكاية الفعل يتعيّن أن يأتي بلفظ ( وقال )، ولا يخفى لطفه.
ثم نقول شيئاً: - وهو أنه ما هو الجمع بين الروايتين والجمع بين المروي؟ إنَّ هذان مصطلحان لابد من التمييز بينهما، فمرة يفترض أنه يصدر من النبي صلى الله عليه وآله كلاماً ويقول ( أحكم بينكم أيها الشركاء بالشفعة فإنه لا ضرر ولا ضرار )، فهنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين فقرتين في رواية واحدة، فهي رواية تشتمل على فقرتين وليس جمعاً بين روايتين، وهذا يعبّر عنه بالجمع بين المرويين، ومرة تكون الرواية متعددة، يعني أنَّ الذي صدر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( أنه قضى بين الشركاء بالشفعة )، وفي قضية ثانية قال ( أيها الناس لا ضرر ولا ضرار )، ثم يأتي شخص ويجمع بين الروايتين ويقول ( قال النبي أقضي بالشفعة بين الشركاء وقال لا ضرر ولا ضرار ) فهذا جمع بين روايتين مستقلتين ولكن الراوي جمع بينهما، وهذا ما يعبّر عنه بالجمع بين الروايتين لا الجمع بين المرويين.
وشيخ الشريعة ووافقه البعض قال إنه في قضية سمرة بن جندب حينما قالت الرواية ( اذهب فاقلعها فإنه لا ضرر وضرار) فهذه رواية واحدة وهذا جمع بين المرويين، وليس المقصود من ( لا ضرر ) هنا نفي الحكم الضرري كما ذكر الشيخ الأنصاري وإنما هو إخبارٌ يقصد به النهي، يعني أيها المسلم لا تضر غيرك، فهو إخبارٌ يقصد به النهي، ومن الواضح أنَّ تفسير لا ضرر بالنهي شيء وتفسيره بنفي الحكم الضرري شيء آخر، فإنه سوف يترتب على ذلك ثمرات في الفقه، فإنه بناءً على نفي الحكم الضرري أنَّ كل حكم ضرري يمكن رفعه بقاعدة لا ضرر، كالوضوء الضرري فإنه يرتفع بقاعدة لا ضرر، أما بناءً على النهي فلا يمكن رفع وجوب الوضوء الضرري بقاعدة لا ضرر، لأنَّه نهيٌ وليس نفياً للحكم الذي ينشأ من الضرر، فهذان معنيان متباينان، فشيخ الشريعة ليس كالشيخ الأنصاري فإن الشيخ الانصاري يفسّر لا ضرر بأن الحكم الذي ينشأ من الضرر هو منفي في الإسلام، وقد قلنا إنه بناءً على هذا التفسير سوف تصير قاعدة لا ضرر لها آثار كبيرة وهي أننا نستفيد منها أنَّ كل حكم يستوجب الضرر يصير مرفوعاً، بينما على تفسير شيخ الشريعة بالنهي سوف لا نستفيد منها في الغسل الضرري أو الوضوء الضرري وهكذا وإنما هي فقط تقول لك لا تضر غيرك أو لا تضر نفسك - أي هذا المقدار فقط - فإنَّ مفادها هو تحريم الإضرار بالنفس أو بالغير، فإذا كان كان المقصود منها النهي كيف تصير علَّة للحكم الوضعي، وهل الحكم التكليفي يصير علّة للحكم الوضعي؟!
وقد أجاب شيخ الشريعة(قده) عن هذا الاشكال فقال: - إنَّ هذا جمع بين روايتين، فكل واحدة منهن رواية مستقلة ولكن الراوي جمع بينهما، فإذا كان الأمر كذلك فيبقى تفسيرنا في رواية عقبة بأنَّ لا ضرر أريد منها النهي على حاله من دون إشكال، لأنَّ الاشكال في رواية عقبة هو أنه كيف أنَّ ( لا ضرر ) ذكر تعليلاً لأنه إذا كان تعليلاً فحينئذٍ لا معنى لكون المقصود منه هو النهي فإنَّ الحكم الوضعي لا يعلل بالحكم التكليفي؟ ولكنه أجاب وقال: - إنه في رواية عقبة لا توجد رواية واحدة وإنما توجد روايتان ولكن جمع أحد الرواة بينهما بهذا الشكل، وأقام شيخ الشريعة الشواهد على ذلك.