الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/04/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.

والنتيجة التي انتهينا إليها بحسب مختارنا: - إنَّ أصالة عدم الزيادة يشكل الاعتماد عليها بحيث نرجّحها في مقابل أصالة عدم النقيصة، لأنَّ الوجوه التي ذكرت كلها قابلة للمناقشة، وقلنا لابد من دراسة كل موردٍ بخصوصه، أما أن نأتي بعنوان أصالة عدم الزيادة ونطبقه على المورد ونقول الأصل عدم الزيادة فهذا غير صحيح، بل لابد من ملاحظة خصوصيات المورد.

كما أننا ذكرنا شيئاً ثانياً:- وهو أننا إذا قبلنا بأصالة عدم الزيادة فلابد من ملاحظة شيء آخر وهو المرجحات في الجانب الآخر، فصحيح أنَّ أصالة عدم الزيادة تجري في رواية ابن مسكان ولكن النقل الفاقد لهذا القيد هو نقل متعددة، يعني أنَّ ثلاثة نقول لا تشتمل على قيد ( على مؤمن )، فافترض أنَّ أصالة عدم الزيادة قبلناها في رواية ابن مسكان ولكن ليس مقابل النقيصة الموجودة في ثلاثة موارد، نعم يصح تقديم اصالة عدم الزيادة فيما إذا كان الموجود مورد واحد في مقابل مورد، أما مع وجود مورد واحد للزيادة مقابل ثلاثة موارد للنقيصة فلا نقبل هنا بجريان أصالة عدم الزيادة.

فإذاً نحن لا نقبل بجريان أصالة عدم الزيادة بشكل كلّي بل لابد من ملاحظة كل مورد وخصوصياته، كما أنه لو بنينا على أصالة عدم الزيادة فهذا يتم فيما إذا لم يكن في مقابلها بعض المرجّحات للنقيصة كتعدد النقل وما شاكل ذلك.

النكتة الثانية: - وهي ترتبط بفقرة ( لا ضرر ) في حديث الشفعة وحديث المنع من فضل الماء، أما ما تقدم فكنا ناظرين فيه إلى قضية سمرة بن جندب، ولكن الآن نبحث عن فقرة ( لا ضرر ) الواردة في رواية عقبة الأولى الواردة في باب الشفعة وفي رواية عقبة الثانية الواردة في باب المنع من فضل الماء فقد ورد فيهما تعبير ( لا ضرر )، وقد وقع الكلام في أنَّ ( لا ضرر ) الوارد في روايتي عقبة هل هو من الجمع بين الروايتين أو من الجمع بين المرويين، أما النسبة إلى تعبير ( لا ضرر ) الوارد في قضية سمرة فهي رواية واحدة قد صدرت من النبي حيث قال النبي صلى البه عليه وآله وسلم لسمرة حيث قال له اترك هذا العذق ولك عذق في الجنة فرفض سمرة ذلك، وقال له عليك أن تستأذن حينما تريد الدخول فلم يقبل سمرة بذلك، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم آنذاك للأنصاري اذهب فاقلعها فإنه لا ضرر ولا ضرار، فـعبارة ( لا ضرر ) هي جزء من الرواية، يعني أنها تعليل لأن يذهب الأنصاري ويقلع النخلة، أو هي تعليل لوجوب الاستئذان، فمادام لا يستأذن فاذهب واقلعها فإنه لا ضرر لأنَّ النخلة سوف تصير سبباً للضرر، فهذه العبارة هي جزء من الرواية وهذا مسلّم ولا كلام فيه، ولكن شيخ الشريعة كان يبني على أنَّ ( لا ضرر ) وردت لبيان الحكم التكليفي، فـ( لا ضرر ) بمعنى النهي أي لا تضر، وعليه فسوف لا يستفيد منها أنَّ لا ضرر حاكمة على الأدلة الأولية كما استفاد منها ذلك الشيخ الأنصاري(قده) وبقية الأعلام، فهؤلاء الأعلام لا يفسّرونها بالنهي التكليفي، فلا ضرر يعني لا حكم يستوجب الضرر فإذا استوجب الضرر فهذا الحكم سوف يرتفع، فوجوب الوضوء مثلاً هو مرفوع، فإنَّ لا ضرر يرفع التشريع، ولكن شيخ الشريعة(قده) يقول إنه وارد للنهي يعني لا تضر لا أنه وارد لبيان نفي الحكم إذا وصل إلى مرحلة الضرر كما يفسّره الشيخ الأنصاري وجماعة، أما أنه هل هذا صحيح أو باطل فإنَّ هذا فيه نقاش ربما يأتي، ولكن يوجد شيء يحول بين شيخ الشريعة ومن وافقه وبين ما بنى عليه، فهو فسَّر لا ضرر في قضية سمرة بالنهي التكليفي يعني لا تضر ولكن في حديث الشفعة وحديث المنع من فضل الماء لا يمكن حمل الضرر على بيان الحكم التكليفي بمعنى أنه لا تضر غيرك، فلا ضرر الوارد في هذين الحديثين يحول دون الجزم بتفسير لا ضرر بالنهي التكليفي في حديث سمرة، وسبب الحيلولة والمنع هو أنَّ الشفعة حكم وضعي فكيف تعلل بحكم تكليفي؟! فنحن إذا أردنا أن نقول توجد شفعة فلو عللت ذلك وقلت لأنه لا يجوز لك أن تضر فهذا غير صحيح، فلا يصح تعليل الحكم الوضعي بحكمٍ تكليفي، وأما حديث فضل الماء فلا يمكن تفسيره بالحكم التكليفي أيضاً، لأنَّ المنع من فضل الماء مكروه وليس بحرام، نعم لو كان حراماً فسوف يعلل بالحكم التكليفي لأنه يحرم عليك الاضرار، أما المنع من فضل الماء فالمعروف أنه كراهتي إلا أذا وصل إلى مرحلة تضرر الآخر ولكن هذا يثبت بالعنوان الثانوي، أما إذا فرض أنَّ الغير مستغنٍ عنه لوجود مياه الأمطار أو غير ذلك فالمنع من فضل الماء هو حكم كراهتي وليس حكماً تحريمياً، وحينئذٍ كيف يعلل بالنهي التحريمي التكليفي عن الضرر فإنَّ الكراهة لا يمكن أن تعلل بقضية تحريمية تكليفية، نعم المحرَّم تكليفاً يعلل بالمحرَّم تكليفاً لا المكروه تكليفاً يعلل بالمحرم تكليفاً، فهذا الموردان كانا يحولان أمام شيخ الشريعة من الجزم بكون حديث لا ضرر الوارد في قضية سمرة وارد للنهي التكليفي.

ولكنه حل المشكلة بأن قال:- إنّ لا ضرر المذكور في حديثي عقبة الواردين في الشفعة وفي المنع من فضل الماء ناشئ من الجمع بين الروايتين المستقلتين لا أنَّ المروي واحد في رواية واحدة، وإنما هما روايتان ولكن تم الجمع بينهما، ثم أخذ يبرز القرائن على الجميع بين هاتين الروايتين، وقد صرّح بهذه النكتة في كلامه، فقال إني لا أريد أن أبحث كل أطراف قاعدة لا ضرر فإنه:- ( كفاني مؤونة الخوض في جملة منها من سبقني جزاهم الله خيراً وإنما المقصود التنبيه على فوائد مخصوصة مهمة في نظري كعدم وجود كلمة الإسلام عقيب اللفظين في شيء من طرق الخاصة والعامة[1] وعدم ثبوت صدور قوله صلى الله عليه وآله لا ضرر ولا ضرار إلا في قضية سمرة[2] وأن حديث الشفعة وما تضمن النهي عن فضل الماء لم يكونا حال صدورهما مذيّلين بحديث الضرر وأن الجمع بينهما وبين هذا الذيل إما هو من الراوي فقد جمع بين شيئين صادرين في وقتين وموردين )[3] ، ووافقه على هذا المدّعى - وهو أنَّ الجمع هو بين الروايتين وليس بين المرويين- النائيني والشيخ الأصفهاني والسيد الخوئي.

وسوف نتعرض إن شاء الله تعالى إلى النكات التي استند إلى شيخ الشريعة لإثبات أنَّ ذاك من الجمع بين الروايتين المستقلتين، وسنذكر ما استند إليه الشيخ النائيني وما استند إليه السيد الخوئي أما الشيخ الاصفهاني فلا يوجد عنده شيء مستقل في هذا المجال.

وبقي شيء ذكره السيد الخميني(قده):- فإنه قال نعم إنه في قضية سمرة عبارة ( لا ضرر ) هي ذيل للرواية، وأما في قضية الشفعة والمنع من فضل فهذا جمع بين روايتين، ومما يشهد على أنَّ ذلك من الجمع بين الروايتين وأنهما روايتان قد جمع بينهما هو توسط كلمة ( قال )، فإن الوارد في رواية المنع من فضل الماء هو ( عن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- قضى رسول له بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن وقال لا ضرر ولا ضرار )، فلو كان كله من كلام النبي صلى اله عليه وآله وسلم الواحد فلماذا يقول الراوي في وسط الكلام ( وقال )، فتوسط كلمة ( وقال ) يدل على أنَّ هاتين روايتين قد جمع بينهما، وكذلك الحال في وراية المنع من فضل الماء فإنَّ الوارد فيها:- ( قضى رسول الله صلى الله عليه وآله بين أهل المدينة في مشارب النخل أنه لا يمنع نفع [ نقع بئر ] وقضى بين ا البادية لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء وقال لا ضرر ولا ضرار )، فهنا جاءت كلمة ( وقال ) في وسط الكلام وهذا يدل على أنَّ الجمع هنا هو جمع بين روايتين دون المروي، إذ لو صدر الكلام منه صلى الله عليه وآله وسلم في مجلسٍ واحد فلا معنى حينئذٍ لذكر كلمة ( قال )، فإذاً هذا يدل على أنَّ الجمع هو بين روايتين مستقلتين كما قال شيخ الشريعة.


[1] لأن ّالبعض نقل ( لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ) والحال أنَّ قيد ( في الاسلام ) ليس موجوداً فهو من سبق اللسان والاشتباه.
[2] يعني أنه في قضية سمرة عبارة ( لا ضرر ) هي جزء من الرواية، أما في قضي تي الشفعة ونع فضل الماء ليست جزءاً من الرواية وإنما من الجمع بين روايتين، .
[3] رسالة لا ضرر، شيخ الشريعة، ص10.