الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/04/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.

وعلّق السيد الشهيد(قده)[1] وقال:- إنَّ هذا وجيه فيما إذا كان المدار في أصالة عدم الزيادة هو الظن الشخصي، فإذا كان المدار على الظن الشخصي فصحيح أنه مع وجود هكذا زيادات يؤتى بها ولو للأنس، فلا يحصل ظن شخصي بأنها جيء بها وذكرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم حقاً، لأنه يحتمل أنَّ قيد ( على مؤمن ) ذكر من باب اقتضاء الطبع والأنس البشري لذلك، ولكن من الواضح أنَّ المدار هو على الظنون النوعية، فإذا كان المدار على الظن النوعي فافترض أنَّ الظن الشخصي لم يحصل ولكن هذا لا يؤثر مادام المدار على الظن النوعي.

ويمكن أن يعلَّق على هذا ويقال: - نحن نسلّم أنَّ مدرك حجية أصالة عدم الزيادة هو السيرة العقلائية وهذه السيرة ناشئة من الظن النوعي وإن لم يحصل الظن الشخصي، ولكن يمكن أن يقال إنَّ القدر المتيقن من السيرة هو الظن النوعي الذي لا يعارض بمعارضٍ كما في مقامنا، ففي مقامنا نقول صحيح أنه لا يحصل لك ظنٌّ شخصي لاحتمال وجود الأنس وأنه لأجل الأنس جيء بهذه الزيادة ويمكن أن يحصل ظنّ نوعي ولكن نقول إنَّ السيرة جرت على الأخذ بالظن النوعي إذا لم يكن هناك ما يوجب الأنس واحتمالية أنَّ هذه الزيادة هي لأجل الأنس، فالظن النوعي بعدُ موجود ولكن إذا لم يكن في المقابل غير الأنس من الأمور الأخرى، فالسيرة ضيقة بهذا الحدّ، فالمدار ليس على كل ظن نوعي وإنما المدار على الظن النوعي مشروطاً بأن لا يكون هناك معارض وهو الأنس وأن تكون الزيادة مألوفة على اللسان، ففي هذا المورد إما أن نقول إنه لا يحصل ظنّ نوعي، أو أنه يحصل الظنّ النوعي ولكن حيث يوجد في مقابله أنسٌ وألفةٌ لهذه الزيادة فالسيرة لم يثبت انعقادها بمثل هذا الظن النوعي.

إذاً اتضح أنَّ ما أفاده الشيخ النائيني(قده) في كلا الموردين شيء وجيه ولا بأس به.

المانع الثالث: - لو قارنا بين الرواية التي ذكرت زيادة وهي رواية عبد بن مسكان عن زرارة التي جاء فيها ( لا ضرر ولا ضرار على مؤمن ) وبين الرواية التي لم تذكر الزيادة وهي رواية عبد الله بن بكير عن زرارة نرى وجود مرجّحات أربع لرواية عبد بن بكير:-

المرجح الأول: - لو راجعنا رواية عبد الله بن بكير التي ينقلها الشيخ الكليني وجدنا أنه ينقلها بخمس وسائط، ولكن إذا راجعنا رواية عبد بن مسكان التي ينقلها عن زرارة نجد الوسائط ستة، وإذا ازدادت الوسائط انضافت غفلة جديدة، فيحتمل حصول غفلة من الأول والثاني ... إلى السادس، أما في الرواية الأولى فالغفلات سوف تقل فهي خمسة وليست ستة، فتكون درجة الغفلة فيها أقل، فسند موثقة عبد الله بن بكير هو ( عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن عبد الله بكير عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام )، فالوسائط بين الكليني والامام عليه السلام خمس وسائط فالغفلات تصير خمسة، أما خبر الزيادة الذي يرويه ابن مسكان فهو ينقله الكليني أيضاً عن ( علي بن محمد بن بندار عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن بعض أصحابنا عن عبد الله بن مسكان عن زرارة ) فهنا توجد ست وسائط فعدد الغفلات المحتملة هنا تكون ستة، وكلما كثرت الوسائط قل الاطمئنان والوثوق سوف تضعف درجته، فإذا كانت توجد خمس وسائط فالوثوق والاطمئنان إذا كان يحصل بدرجة أربعين بالمائة فإذا صارت الوسائط يصير الوثوق والاطمئنان بدرجة خمسة وثلاثين بالمائة، وهذا مرجح لجانب النقيصة.

المرجح الثاني: - أن نقول إنَّ الخبر الذي لا يوجد فيه قيد ( على مؤمن ) نقله الكليني في الكافي عن عبد الله بن بكير عن زرارة بوسائطٍ خمس، وأيضاً يوجد نقل آخر للصدوق عن عبد الله بن بكير عن زرارة وللصدوق طريق معتبر إلى ابن بكير، قال:- ( روى ابن بكير عن زرارة )[2] ثم أخذ ينقل قضية سمرة إلى أن قال:- ( فقال له النبي صلى الله عليه وآله:- لا ضر ولا ضرار ) لا يوجد فيها قيد ( على مؤمن ) وهذا سوف يدعم عدم وجود هذه الزيادة، وفيما بيننا الأمر كذلك أيضاً، كما لو جاء شخص وقال أنا سمعت هذا الخبر عن فلان عن فلان عن صاحب القضية ثم يأتي شخص آخر يقول أنا أيضاً سمعته عن فلان عن فلان عن صاحب القضية، فحينئذٍ هنا سوف يقوى الظن، فإذا كان هناك نقل معاكس فهذا النقل المدعوم يصير أقوى من ذلك النقل غير المدعوم وهذه قضية عقلائية، فإذاً بالتالي هذا مرجح وهو أنَّ النقل الفاقد لزيادة ( على مؤمن ) وهو ما نقله الشيخ الكليني بوسائط عن ابن بكير عن زرارة لأنه مدعوم بنقل الشيخ الصدوق بسندٍ عن ابن بكير عن زرارة.

المرجح الثالث: - لو رجعنا إلى نقل الشيخ الكليني عن عبد الله بن بكير وجدنا له خمسة وسائط الواسطة الأولى منها ( عدَّة من أصحابنا ) وعدد العدّة هو ثلاثة على الأقل وهؤلاء هم من مشايخ الكليني والطابع العام لمشايخ الكليني أنهم ثقات وإذا كان هناك تأمل في بعضهم فهو في واحدٍ أو اثنين منهم، فإذا كان يقول ( عدّة ) يعني ثلاثة من مشايخ الكليني الذين الطابع العام لهم هو الاعتبار، فحينما يقول ( عدة ) يحصل اطمئنان إن لم يكن يقيناً أنها صادقة، وهذه ميزة لهذا النقل، بينما النقل الواجد لزيادة ( على مؤمن ) لا توجد فيه هذه الميزة رغم أنَّ الناقل هو الكليني نفسه، لأنَّ الكليني قال هنا:- ( علي بن محمد بن بندار عن ... )، وعلي بن محمد بن بندار هو واحد وهو فيه كلام وإن كان يمكن توثيقه، فهو واحد وليس ثلاثة من مشايخ الكليني.

وعليه إذا قلنا بأنه يحصل الاطمئنان فإنَّ احتمال الغفلة سوف يضعف إلى درجة أنه يزول، فيصير عدد الغفلات بمقدار أربعة لأنَّ الغفلة في العدَّة غير موجودة في حقهم.

المرجح الرابع: - إنَّ راجعنا الرواية المشتملة على زيادة قيد ( على مؤمن ) وهي رواية ابن مسكان عن زرارة وجدنا الارسال في سندها ، لأنَّ سندها هو ( علي بن محمد بن بندار عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن بعض أصحابنا عن عبد الله بن مسكان عن زرارة ) وهذا الارسال يقلل من اعتبار الرواية، فأنا حينما اقول إنَّ صديقي فلان الثقة نقل عن فلان الثقة عن بعض أصحابنا فأصحابنا فيهم الثقة وفيهم غير الثقة وهذا سوف يقلل من قيمة واعتبار السند، فهذا يضعّف الرواية، بينما هذا الشيء ليس موجوداً في سند الرواية التي ليس فيها قيد ( على مؤمن ).

إذاً اتضح من خلال هذا أنّا حتى لو قبلنا بأصالة عدم الزيادة في صالح رواية ابن مسكان عن زرارة التي تشمل على قيد ( على مؤمن ) - يعني أن وجودها في محله - ولكن في الرواية الفاقدة لهذه الزيادة توجد مرجّحات تقف أمام أصالة عدم الزيادة، فتعود أصالة عدم الزيادة معارضة، وإنما يؤخذ بأصالة عدم الزيادة في مقابل أصالة عدم النقيصة فيما إذا كان المعارض لأصالة عدم الزيادة هو أصالة عدم النقيصة فقط، أما إذا كانت المعارضات من هذا قبيل - والتي ذكرنا منها أربعة - ففي مثل هذه الحالة يمكن أن يقال إنَّ العقلاء لا يبنون على أصالة عدم الزيادة مع وجود تلك المرجّحات في المقابل، وإنما يعمل العقلاء بأصالة عدم الزيادة فيما إذا لم يكن مثل هذه المرجحات في المقابل.


[1] بحوث في علم الأصول، السيد محمود والهاشمي الشاهرودي، ج5، ص443.
[2] من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج3، ص147.