الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/04/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.

الملاحظة الثانية: - نقول إنه في نقل الشيخ الكليني والشيخ الطوسي وردت الفاء حيث قال عليه السلام:- ( اذهب فاقلعها وارم بها إليه فإنه لا ضرر ولا ضرار )، بينما في نقل الشيخ الصدوق عبر بالواو، ونصّ ما نقله ( فأمر الأنصاري أن يقلع النخلة فليقيها إليه وقال لا ضرر ولا ضرار )[1] ، وحينئذٍ نقول إنَّ التعبير بالفاء يقتضي أن تكون الفاء تعليله، فهي علّة للأمر بالقلع وجواز القلع، بينما على التعبير بالواو يكون هذا الكلام مستقل عن سابقه وليس تعليلاً للأمر بالقلع إنما هو بيانٌ لمطلب جديدٍ وخطابٍ مستقل، أو تقول هو تعليل ولكنه ليس تعليلاً للقلع وإنما هو تعليل لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمرة بأن يستأذن، لأنَّ التعبير الوارد في هذه الرواية هو:- ( فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وآله فأتاه فقال له:- إن فلاناً قد شكاك وزعم أنك تمر عليه وعلى أهله بغير إذنه فاستأذن عليه إذا أردت أن تدخل ......... فقال رسول الله صلى اله عليه وآله:- إنك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن ثم أمر بها فقلعت ورمي بها إليه )، الشاهد هو أنَّ لا ضرر ولا ضرار هي تعليل لوجوب الاستئذان، فهي إما أن تكون خطاباً مستقلاً أو هي علّة للزوم الاستئذان وليس علة للأمر بالقلع، لأنَّ الأمر بالقلع جاء بعد ذلك، وهذا اختلافٌ بين النقلين فكيف توجيهه؟

وفي مقام الجواب يقال: - إنَّ هذا ليس تعارضاً بين الزيادة والنقيصة ونحن كلامنا عن الزيادة والنقيصة وإنما هو تعارض بن زيادتين بين كون الزيادة الثابتة هي الفاء وبين كون الزيادة الثابتة الصحيحة هي الواو، فليس هو دوران بين الزيادة والنقيصة وإنما هو دوران بين زيادتين، ولكن في نفس الوقت نقول افترض أنَّ الكلمة واردة بالواو وليس بالفاء ولكن تصلح أن تكون للتعليل أيضاً، فكما أنَّ الفاء تلتئم مع التعليل كذلك الواو تلتئم مع التعليل، وحينئذٍ يبقى أنه لماذا اختلف نقل الصدوق حيث نقل بالواو دون الفاء؟ يحتمل أنَّ التوجيه لذلك هو أنَّ الشيخ الصدوق ليس في صدد نقل نص الألفاظ الصادرة من النبي صلى الله علي وآله وسلم، فحينما لم يكن في صدد نقل نصّ الألفاظ عبّر حينئذٍ بالفاء، لأنه نقل فعلاً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإنَّ الرواية قالت ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله:- إنك رجل مضار ) أما عبارة ( لا ضرر ولا ضرار ) فقد نقلها الشيخ الصدوق كجملةٍ من أقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فعلى هذا الأساس إما أن نقول إنَّ الواو أيضاً تلتئم مع التعليل كالفاء أو نقول إنه عبّر بعبارة ( ولا ضرر ولا ضرار ) من باب أنه في صدد نقل فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فالمناسب حينما ينقل فعله ينقله بالواو فيقول ( وقال لا ضرر ولا ضرار )، فإنه بعد نقل الفعل لا معنى لأن يأتي بالفاء بل لابد أن يأتي بالواو، فبما أنه في صدد نقل فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنه أمر بالقلع فهذا فعلٌ من أفعاله صلى الله عليه وآله وسلم فأتى بتعبير ( وقال )، فحينئذٍ يصير الاتيان بالواو من هذه الناحية.

والخلاصة: - إنه لا يوجد نحو تهافت يؤثر على درجة النقل، وانما هو اختلاف لا يؤثر في هذا المجال.

الملاحظة الثالثة: - إننا نجد اختلافاً بين النقلين، ففي أحد النقلين جيء بلا ضرر كتعليلٍ للأمر بالقلع، وفي النقل الثاني جيء به كتعليلٍ لوجوب الاستئذان، وكيف يصير هذا فإنَّ الصادر من النبي صلى الله عليه وآله إما هو تعليل لوجوب الاستئذان أو هو تعليل للأمر بالقلع ولم تصدر ( لا ضرر ) مرتين حتى تكون مرة لوجوب الاستئذان مرة تكون للأمر بالقلع وإنما صدرت مرة واحدة، فهي صدرت أما كعلّه للأمر بالقلع أو كعلّه لوجوب الاستئذان، فكيف نوجه ذلك؟

وفي هذا المجال نقول:- أما بالنسبة الى رواية بن مسكان فهي كانت تعليلاً لوجوب الاستئذان، لأنَّ التعبير فيها هو:- ( فأرسل اليه رسول الله صلى الله عليه وآله فأتاه فقال له:- أن فلاناً قد شكاك وزعم أنك تمر عليه وعلى أهله بغير أذنه فاستأذن عليه أذا أردت أن تدخل ...... فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله:- إنك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار)، وهذا تعليل لوجوب الاستئذان، يعني يلزم عليك أن تستأذن ثم قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( إنك رجل مضار ) ثم أمر بأن تقلع النخلة مادام هذا الشخص لا يستأذن، وأما في رواية عبد الله بن بكير فقد ورد فيها ( أذهب فاقلعها وارم بها إليه فإنه لا ضرر ولا ضرار )، فأنَّ جملة ( لا ضرر ولا ضرار ) جاءت تعليلاً إلى الأمر بالقلع، وحيث إنَّ الحادثة واحدة فلا يمكن أن تكون لا ضرر مرة علّة لوجوب الاستئذان وأخرى تكون علّة للأمر بالقلع بعد فرض أنَّ الواقعة واحدة.

ومن الواضح أنَّ فرق هذه الملاحظة عن سابقتها واضح، فالملاحظة السابقة قلنا على إنه مرة عبّر بالواو وأخرى عبّر بالفاء، فكانت تلك الملاحظة ناظرة إلى تلك الناحية ولا يهمنا أنَّ هذه الفاء أو الواو لمن أتي بها فهل أتي للأمر بالقلع أو لوجوب الاستئذان فنحن لسنا في صدد هذا الأمر وإنما كيف صار النقل مرة بالواو وأخرى صار بالفاء فهذا نحوٌ من التهافت، أما في هذه الملاحظة فنحن لسنا ناظرين إلى هذه القضية وإنما افترض أنَّ الاختلاف بين الفاء والواو غير موجود بل افترض أنَّ الواو كالفاء صالحة للتعليل أيضا - كما أجبنا في الملاحظة السابقة وقلنا إنَّ الواو أيضا تصلح للتعليل - ولكن هنا المسألة ليست مسألة واو وفاء وإنما افترض أنَّ الوارد في الموردين هو الفاء ولكن مع ذلك تتسجّل هذه الملاحظة، لأنَّ إحدى الفاءين صارت علّه للأمر بالقلع والأخرى صارت علّه لوجوب الاستئذان وهذا لا يصح لأنها قضية واحدة، فالفاء أما أنَّ النبي صلى الله عليه وآله ذكرها علّة لوجوب الاستئذان أو ذكرها علّة للأمر بالقلع، فنحن في هذه الملاحظة الواو ليست مهمه لنا وإنما نفترض وجود فاءين في كلا النقلين، بل المهم لنا أنَّ هذه الفاء كيف أنها مره تصير علّة للأمر بالقلع ومرة تصير علّة لوجوب الاستئذان، فإنه على أحد الروايتين هي علّة للأمر بالقلع وعلى النقل الآخر هي علّة لوجوب الاستئذان كما أوضحنا، وهذا تهافت صعب فكيف الجواب عنه؟

وقد أجاب السيد الشهيد(قده)[2] عن ذلك:- بأنه من المحتمل صدور هذه الجملة مرتين، مره خاطب بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمرة ومره خاطب بها الأنصاري.

ولكن نحن نتمم كلام السيد الشهيد(قده) فنقول: - إنَّ إحدى الروايتين نقلت ذاك النقل الذي وردت فيه الفاء والأخرى نقلت النقل الذي ورد فيه التعبير بالواو، فواحدة نقلت الخطاب الذي كان تعليلاً للأمر بالقلع وواحدة نقلت التعليل لوجوب الاستئذان، فالذي صدر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو خطابان خطاب لسمرة بأن يستأذن وقال ( لا ضرر ... فأنه ... )، وأما الناقل الآخر فقد نقل أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم توجه الى الأنصاري وقال له ( اذهب فاقلعها فإنه لا ضرر ولا ضرار )، فندفع هذا الاختلاف بهذا الشكل.

ونحن نقول:- إنَّ لازم هذا إنّ ( لا ضرر ) صدرت مرتين من النبي صلى الله عليه وآله في قضية سمرة وهذا بعيد، فإنَّ القضية واحدة ومن البعيد أن يصدر منه ( لا ضرر ) مرتين، خصوصاً أنَّ هذه ظاهرة تستدعي الانتباه والالتفات، فكان من المهم أنه ينبّه على أنها صدرت مرتين، فعدم التنبيه معناه أنها صدرت مرّه واحده، وعليه فالاحتمال الذي ذكره السيد الشهد(قده) يصعب قبوله، ولعل الأنسب أن يقال نعم يوجد تهافت، فهذه ذكرت الفاء وجعلته علّة للأمر بالقلع، وتلك ذكرت الفاء وجعلته علّة لوجوب الاستئذان - حيث فرضنا أنَّ الوارد في كلا النقلين هو الفاء دون الواو - فيصير تهافتاً، فنأخذ حينئذٍ بالجهات المشتركة بين الروايتين التي لا تتأثر بكون الفاء قد ذكرت علّة للأمر بالقلع أو أنها ذكرت علّه لوجوب الاستئذان، أما الجهات التي تتأثر وتختلف بكون الفاء ذكرت علّة لوجوب الاستئذان أو ذكرت علّة للأمر بالقلع فلا نتمسك بها، فنبقى حينئذٍ نتمسّك فقط بالجهات المشتركة التي لا تتأثر باختلاف النقل المذكور، ولا محذور في ذلك.


[1] من لا يحضره الفقهية، الصدوق، ج3، ص147 في باب المضاربة.
[2] بحوث في علم الأصول، السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، ج5، ص440.