42/04/07
الموضوع: - قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.
البحث الثالث: - نكات ترتبط بهذه المسألة:وفي هذا المجال فذكر فيها نكتتين: -
النكتة الأولى: - عرفنا أن قضية لا ضرر دلت عليها الروايات ولكن التامة منها سنداً ودلالةً هي رواية واحدة، وهي موثقة زرارة بواسطة عبد الله بن بكير فإنه يوجد فيها تعبير ( لا ضرر ولا ضرار )، أما بقية الروايات فلا يوجد فيها هذه القاعدة وإذا كانت موجودة فيها فالسند ليس بتام، وهذا واضح، فالتام سنداً ومتناً هو موثقة أبي بكير عن زرارة، ولكن الآن لنفترض أنَّ رواية أبي عبيدة الحذّاء التي رواها لحسن الصيقل تامة سنداً وحجة، فرواية الحذّاء ليس فيها تعبير ( لا ضرر ولا ضرار ) وإنما الموجود فيها ( ما أراك يا سمرة إلا مضاراً اذهب يا فلان فاقلعها ) أما تعبير ( لا ضرر ولا ضرار ) فليس موجوداً فيها، وعليه فالآن نحن نصير بين روايتين رواية فيها هذه الجملة ورواية ليس فيها هذه الجملة - وهذا بحث علمي يستفاد منه وفي جملة من النكات - فنأخذ بأي وراية فهل نأخذ بموثقة ابن بكير التي تشمل على هذا التعبير أو نأخذ بالرواية الفاقدة لهذا التعبير؟ ففي مثل هذه الحالة يدور الأمر بين وجود هذه الجملة وعدم وجودها فهل هناك مثبت لوجودها؟
قد يقال:- نعم هناك مثبت لوجودها، وذلك بأن يقال إنَّ هذه الفقرة مذكورة ونشك أنها جاءت زائدة وعفواً أو هي مذكورة حقاً من دون أن يكون ذكرها عفواً بل هي جاءت في محلّها فنطبق أصلاً من الأصول وهو أصل عدم الزيادة بمعنى أنها ليست زائدة، يعني إنها وقعت في موقعها المناسب من دون أن تكون فضلة وذكرت عفواً وغفلة وإنما ذكرت عن قصدٍ وفي موقعها المناسب، وهذا ما يعبر عنه بأصالة عدم الزيادة، وفي المقابل رواية الحذاء - التي افترضنا أنها معتبرة - لا توجد فيها هذه الفقرة فحينئذٍ نشك هل غفل عنها الراوي وسقطت لسببٍ من الأسباب أو أنَّ عدمها هو المقصود وفي محله المناسب، وهذا ما قد يعبر عنه بأصالة عدم النقيصة، بمعنى أنَّ هذه الفقرة ليست موجودة فعدم وجودها هو المناسب لا أنَّ الراوي غفل عنها ولم يذكرها، فالأصل عدم نقصان شيء من الرواية وسقوط شيء منها، فأصالة عدم النقيصة المقصود منه هو أنَّ عدم الوجود هو الموقع المناسب لا أنه أُنقِص وحُذِف من الرواية لسببٍ من الأسباب وإنما الأصل هو عدم النقيصة، وفي مثل هذه الحالة يصير تعارضًا بين الأصلين، فأصالة عدم الزيادة يجري في جانب موثقة ابن بكير عن زرارة ويثبت لنا أنَّ هذه الفقرة موجودة وقد وقعت في موقعها المناسب، ومن جهة أخرى تجري أصالة عدم النقيصة في رواية الحذّاء ويثبت لنا أنَّ عدم وجود هذه الفقرة هو المناسب لا أنها حذفت لحادثٍ من الحوادث وإنما لم يقلها الامام عليه السلام من البداية، فالأصل عدم النقيصة بمعنى عدم الانقاص، فيتعارض هذان الصلان، فماذا نصنع؟
وفي هذا المجال توجد ثلاثة أسئلة: -السؤال الأول: - متى يتحقق التعارض بين هذين الأصلين وتحّكم أصالة عدم الزيادة في مقابل أصالة عدم النقيصة وعدم النقيصة في مقابل عدم الزيادة فمتى تحصل بين هذين الأصلين المعارضة متى تكن لهما القابلية على الجريان؟
السؤال الثاني: - إذا تحقق التعارض بينهما فهل يمكن أن نقول إنَّ المقدّم - كما هو المعروف - هو أصالة عدم الزيادة، بمعنى أنَّ هذه الفقرة موجودة ووقعت في محلها المناسب، لا أنَّ الراوي ذكرها غفلة ونسياناً وإنما هي صادرة من الامام عليه السلام ووقعت في موقعها المناسب، فهل نقدم أصالة عدم الزيادة في مقابل أصالة عدم النقيصة ولماذا؟
السؤال الثالث: - إنه بناءً على تحكيم أصالة عدم الزيادة كما لعلّه هو المعروف في الكلمات هل يوجد في خصوص المقام ما يكون وجهاً للنقيصة - أي عدم وجود هذه الفقرة -، فصحيح أنَّ أصل عدم الزيادة محّكم في موارد الشك يعني نقول إنَّ هذه الفقرة موجودة وليست عفوية ولكن هل يمكن أن يقال إنه في خصوص مقامنا توجد نكتة تقتضي كون هذه العبارة ليست موجودة وأنَّ عدمها هو المناسب؟
أما السؤال الأول فجوابه: - إنه يتحقق التعارض فيما إذا فرض أنَّ وجود الفقرة يؤثر على المعنى وعدم وجود الفقرة أيضاً يؤثر على المعنى بحيث يكون هناك أثر لكلتا الأصالتين، أما إذا فرض أنَّ إحدى الأصالتين لا أثر لها لسببٍ وآخر فسوف تجري الأصالة الأخرى من دون معارض، فإذاً المعارضة بين هذين الأصلين إنما تتحقق فيما إذا فرض وجود أثرٍ يترتب على جريان كلّ واحدٍ من هذين الأصلين، أما إذا لم يكن هناك أثر يترتب على جريان أحد الأصلين فيجري الأصل الآخر من دون معارض كما هو واضح.
وبعد اتضاح هذا المطلب نذكر عدة ملاحظات: -الملاحظة الأولى: - إنَّ هذه الفقرة توجد في موثقة ابن بكير عن زرارة ولا توجد في رواية الحذّاء، لأنَّ النبي صلى الله عليه وآله قال في رواية الحّاء ( ما أراك يا سمرة إلا مضاراً اذهب يا فلان فاقلعها واضر بها وجهه)، فإذا فرض أنَّ تلك العبارة ليست موجودة هنا وهي موجودة في موثقة ابن بكير عن زرارة فحينئذٍ هل يقال إنه يحصل تعارض وبالتالي تقدم أصالة عدم الزيادة كما هو المعروف بين الأصحاب، أو نقول لا تحصل معارضة بين هذين الأصلين؟
ذهب شيخ الشريعة(قده):- إلى أنَّ كلمات الأصحاب تدل على أنه تتحقق معارضة - يعني أنه يترتب أثر على الوجود وعدم الوجود - ولكن رغم المعارضة قدموا أصالة عدم الزيادة عند تحقق المعارضة، قال:- ( ومن جهة هذه القاعدة المطردة حكم الكل بوجود لا ضرر ولا ضرار في قضية سمرة مع أن رواية الفقيه بسنده الذي هو صحيح أو كالصحيح[1] كما ستعرف عن الصيقل عن الحذّاء خالية عن نقل هذين اللفظين بالمرّة كما عرفت )[2] ، فهو يريد أن يقول إنه في أحد النقلين ذكرت هذه العبارة ولم تذكر في النقل الثاني ولكن رغم ذلك قدم الأصحاب أصالة عدم الزيادة فيظهر من ذلك أنه عند التعارض تتقدم أصالة عدم الزيادة عند الأصحاب.
وفي المقابل قال ذكر السيد الشهيد(قده)[3] :- يمكن أن يقال إنَّ رواة أبي عبيدة الحذّاء لم تذكر هذه الفقرة من باب أنه لم ينقص شيئاً وإنما من باب أنه ينقل الأشياء اليت تؤثر على المعنى أما الأشياء التي لا تؤثر على المعنى فهو ليس متعهداً بنقلها، فهو لم يذكر لا ضرر ولا ضرار من باب أنَّ وجودها لا يؤثر على المعنى، فعلى هذا الأساس أصالة عدم النقيصة لا تجري حتى تعارض أصالة عدم الزيادة، فإنَّ ظاهر حاله أنه متعهد بنقل ما له تأثير على المعنى أما ما ليس له تأثير على المعنى فهو ليس متعهداً بنقله، فلعله لم يذكر ذلك من باب أنَّ وجود هذه الفقرة لا يؤثر على المعنى، وهو ليس بمتعهد إلا بذكر ما يؤثر على المعنى، لأنَّ ظاهر حال كل عاقلٍ أنه لا يذكر إلا ما له تأثير على المعنى أما ما ليس له تأثير على المعنى فهو ليس متعهداً بذكره، ومعه لا يمكن أن نجري أصالة عدم النقيصة - وهي أنه لا يوجد نقصان في النقل أبداً وعدم وجود نقصان يعني أنَّ عدم وجود هذه العبارة هو المناسب - حتى تعارض أصالة عدم الزيادة، فلعل الفقرة موجود وقد صدرت من النبي صل الله عليه وآله وسلم ونقلها زرارة بواسطة ابن بكير ولكن لم ينقلها الحذّاء من باب أنه متعهد بنقل ما له تأثير على المعنى أما ما ليس له تأثير على المعنى فلم يتعهد بنقله، وبالتالي لا تجري أصالة عدم النقيصة، إذ لعله حصل من النقصان ولكن هذا النقصان هو ليس متعهداً بأن لا يصدر منه، وإنما هو متعهد بعدم النقصان الذي يؤثر على المعنى، وبالتالي لا تحصل معارضة بين أصالة عدم الزيادة وأصالة عدم النقيصة، والذي يجري فقط هو أصالة عدم الزيادة، وبالتالي نقول إنَّ هذه الفقرة موجودة والأصل عدم زيادتها بل وقعت في موقعها المناسب، ولا تعارض بعدم وجودها في رواية الحذّاء من باب أنَّ الحذّاء متعهد بذكر ما له مدخلة أما ما ليس له مدخلية فليس متعهداً بذكره، فلعله لم ذكره من باب أنه خارج عن دائرة تعهده، فلا يكون هناك معارض لأصالة عدم الزيادة، فتجري أصالة عدم الزيادة بلا معارض.