الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/04/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.

ويرد عليه: - المنع عن كلتا المقدمتين: -

أما المقدمة الأولى: - فنقول إنَّ النسبة الجزمية نحصل عليها من تعبير الصدوق ( ومع قوله صلى الله عليه وآله "لا ضرر ولا إضرار في الإسلام" )، فنقول إنَّ الشخص الذي يعبر بكلمة ( قال ) لا يدل ذلك على الجزم، فنحن مثلاً نقول الآن ( قال النبي صلى الله عليه وآله:- اطلب العلم ولو في الصين )، فكيف تقول ( قال النبي ) فهل أنت جازم بصدور هذا الكلام منه صلى الله عليه وآله؟ وجوبنا هو أنَّ المقصود من ( قال النبي ) يعني على ما جاء في كتب الحديث، لأنَّ هذا الحديث نسب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأنا أعبّر بكلمة ( قال ) ومقصودي أنه على ما جاء في الكتب الروائية، وهذه قرينة حالية يعرفها الكل، فنحن نعبّر بكمة ( قال ) ومقصودنا هو شيء مقدّر وهو ( على ما هو الثابت في كتب الحديث )، وهذا لا يعني أني جازم بالنسبة، وإنما معناه أنَّ هذا قولٌ جزمي ولكنه جزمي بهذا المعنى يعني بحسب ما جاء في كتب الحديث، فليس نسبته إلى النبي هي جزمية وإنما بحسب ما ود في كتب الحديث هو جزمي بهذا اللحاظ، وهذا التعبير نحن نستخدمه، فلو قال شخص في نهار شهر رمضان ( قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ) فهذا لا مشكلة فيه، أما أنه خلاف الاحتياط فهذه قضية وثانية، لكنه لا مشكلة فيه لأنه يوجد شيء مقدّر وهو أنه على ما هو المذكور في كتب الروايات، ولا يلزم منه الكذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما المقصود هو الاعتماد على الكتب الروائية، وهنا الشيخ الصدوق أيضاً قال ( مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم ) يعني على ما جاء في كتب الرواية، فهذا لا يدل على النسبة الجزمية رغم أنه قال ( ومع قوله صلى الله عيله وآله وسلم ).

أما المقدمة الثانية: - فنقول إنَّ تطبيق صالة الحس شيء وجيه ويثبت بذلك أنَّ النسبة هي عن حس - يعني عن تواتر - فيما إذا فرض أنه لم تكن هناك قرائن تحف بالمقام تساعد على كون هذه النسبة لم يقصد منها النسبة عن حس بل هي تتلاءم مع الحدس، فإنَّ الشيخ الصدوق قال:- ( وكيف الإسلام يزيد المسلم شراً ومع قوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا ضرر ولا إضرار في الإسلام" ومع قوله صلى الله عليه وآله " الإسلام يعلو ولا يعلى عليه " ومع قوله صلى الله عليه وآله " الإسلام يزيد ولا ينقص ")، فهذان الحديثان أوردهما في صفّ لا ضرر ولا ضرار، وهما واردان في سطر واحد، وهذان الحديثان ليسا متواترين والحال أنه عطفهما على حديث لا ضرر، فلا يوجد في هذين تواتر ونسبة عن حسٍّ ناشئة من التواتر، وإنما هما ليسا من الأحاديث المتواترة، وهذا بنفسه يصير قرينة مضعّفة لتطبيق أصالة الحس على حديث لا ضرر ولا إضرار، فإنَّ هذه الأحاديث الثلاثة وردت في سطر واحد وفي سيقاقٍ واحد فإذا كان بعضها ليس فيه تواتر فذلك يضعف من احتمال الاستناد إلى التواتر بلحاظ الحديث الأول - الذي هو ( لا ضرر ولا إضرار ) - وهذا شيء.

والشيء الآخر هو أنَّ الشيخ الصدوق في صدد الاحتجاج على الخصم حيث قال الخصم إنه مثلما الكافر لا يرث المسلم كذلك المسلم لا يرث الكافر، فهو في صدد الاحتجاج على هذا القول، ونفس كونه في صدد الاحتجاج وردّ الخصم يضعف من احتمال النسبة الجزمية الناشئة عن التواتر، لأنَّه لا يحتاج إلى التواتر في الردّ على الخصم إنما ردّه يكفي بخبر وإن لم يكن على نحو التواتر، فنفس كون الشيخ الصدوق في صدد الدفاع والردّ على الخصم يضعف من احتمال إرادة التواتر، فالاستناد إلى أصالة الحس يكون موهوناً لاحتفاف المقام بما لا يتناسب مع الاستناد إلى فكرة التواتر.

هذا كله لو سلّمنا ثبوت التواتر في حدّ نفسه، والحال أنه يمكن أن يقال إنَّ احتمال التواتر لا نقول بأنه باطل جزماً وإنما يحتمل عدم ثبوته، والوجه في ذلك:- هو أنَّ التواتر المقصود هو إما عندنا فقط أو عندنا بضم ما عند العامة، فإن كان المقصود هو التواتر عندنا فقد عرفنا أنه لا توجد رواية معتبرة السند تشتمل على ( لا ضرر ولا ضرار ) إلا موثقة زرارة بطريق ابن بكير، وأما بقية الروايات فليس فيها هذه الفقرة، نعم وردت هذه الفقرة في كلمات العامة وفي موارد مستقلة وقد ذكرنا جملة من تلك الموارد، ولكن لو لاحظنا مجموع هذه الموارد فمن الواضح أنَّ بعضها في مقام الرواية وبعضها الآخر في مقام الاستدلال فتحصيل التواتر قد يكون شيئاً صعباً، نعم الذي يمكن أن يحصل هو الاطمئنان، فنقول إنَّ هذا الحديث موجود عند العامة وهم ينقلونه في كتب الحديث ويستندون إليه في مقام الاستدلال وهو موجود أيضاً في كتبنا، فهذا المجموع قد يولّد الاطمئنان للفقيه بصحة نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا شيء غير التواتر، فيبغي أن نفرّق بين التواتر وهو أنَّ هذا الحديث روته مجموعة كثيرة يستبعد اجتماعهم على الكذب فهنا يصير للحدث تواتر، ومرة لا يوجد نقل لهذا الحدث في كتب الحديث بهذا الشكل ولكن في مقام الاستدلال العامة والخاصة يتمسكون بحديث لا ضرر في مقام الاستدلال أما في مقام الرواية فهو موجود في كتبنا وموجود في كتبهم فهذا المجموع في كتب الرواية وفي كتب الاستدلال قد يولّد الاطمئنان للفقيه، وبناءً على حجية الاطمئنان سوف يثبت الحديث من باب حجية الاطمئنان، ولكن نلفت النظر إلى شيء وهو أنه لو دار الأمر بين وجود قيد ( على مؤمن ) أو ( على مسلم ) وعدم وجوده ففي بعضها موجود وفي بعضها ليس بموجود فمادمنا نبني على الاطمئنان أو التواتر - والمقصود من التواتر هنا هو التواتر الإجمالي يعني أنه يحصل الجزم بأنَّ واحدة من هذه الروايات صادرة جزماً لأنَّ هذا الاستدلال والذكر في كتب الروايات يورث الاطمئنان والجزم بأنَّ الكل ليس بكاذب وإنما واحد منها صادق وهذا تواتر إجمالي أو اطمئنان إجمالي إنَّ صح التعبير - فعند الدوران بين أن يكون الوارد هو بشكلٍ مطلق أو مع قيد ( على مؤمن ) أو ( في الإسلام ) فبناءً على فكرة التواتر الإجمالي والاطمئنان الإجمالي لا نبني على وجود القيد، لأنه لا يوجد عندنا اطمئنان إجمالي بهذا القيد، لأنَّ البعض وارد من دون هذا القيد فيبنى على القدر المشترك وهو أصل ورود الحديث أما مع أحد هذين القيدين فلا، وإذا فرض أنه كان هناك جزم بأنه وارد مع القيد ولكن لا ندري أنه ورد مع قيد ( على مؤمن ) أو قيد ( في الإسلام ) فحينئذٍ لا يمكن أن يثبت هذا بخصوصه ولا يثبت ذاك بخصوصه، نعم إذا كانت هناك آثار مشتركة بين القيدين فسوف تثبت تلك الآثار المشتركة أما الآثار الخاصة بهذا القيد والآثار الخاصة بذلك القيد فلا تثبت، وهذا من نتائج الاطمئنان الاجمالي أو التواتر الاجمالي.

فإذاً نحن رفضنا تطبيق كلتا المقدمتين على المقام كما أوضحنا، وبهذا ننهي حديثنا عن البحث السندي.

والنتيجة: - هي أنَّ غاية ما ثبت من رواياتنا سنداً هو موثقة زرارة بطريق ابن بكير، وأما من طريقٍ آخر سواء كان من رواياتنا أو من روايات الغير فلم يثبت سنداً، نعم يحتمل تحقّق صغرى فكرة الاطمئنان بالتواتر الإجمالي، والتواتر الإجمالي يعني أنَّ بعض هذا الموجود في الكلمات هو صادق ونأخذ بالقدر المشترك وهو لا ضرر ولا ضرار أما قيد ( على مؤمن ) أو قيد ( في الإسلام ) فهذا ليس بمشترك بين جميع الروايات فلا يؤخذ به، ففكرة الاطمئنان لا مانع منها إذا ادّعاها شخص والكن الذي يثبت هو القدر المشترك الخالي من القيود الزائدة.