الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/04/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.

وهذه المناشئ الثلاثة لا تكون منشأً للجزم في باب الرواية دونه في التوثيق الرجالي: -

أما المنشأ الأول[1] : - فهو ضعيف، لأنه لو كان هناك تواتراً لبان ولنقله الصدوق وقال إنه توجد رواية متواترة، فإنَّ الخبر المتواتر لا يضيع، فعدم نقله يدل على أنَّ التواتر ليس بموجود، فخبر الغدير مثلاً والذي كان له الأعداء كثيرين لكنه رغم ذلك بقي فكيف بك بهذا الحديث الذي لا أعداء له، فلو كان هذا الحديث متواتراً فأين ذهب التواتر؟!! فإذاً منشأ الجزم ليس هو التواتر.

أما المنشأ الثاني[2] :- فهذا أيضاً ليس هو المنشأ، لأنه لو كان هو المنشأ لذكره الصدوق وقال توجد عندي رواية ولنقلها إلينا في الفقيه، فعدم نقلها يورث الاطمئنان أو لا أقل التشكيك بكونها ليست موجودة وإلا لنقلت وسجّلت من قبل نفس الصدوق.

أما المنشأ الثالث[3] : - فنقول إنَّ هذا لا يصير منشأً للجزم، فإنَّ منشأ الجزم هو أحد امرين إما التواتر أو خبر واحدٍ محفوف بالقرينة القطعية، أما نقل كابرٍ عن كابر فهذا لا يورث الجزم.

من هنا لم يحصل من جزم الصدوق بهذه الرواية - حيث قال ( مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم لا ضرر لا إضرار في الإسلام ) - الحجية في حقنا، وسببه هو أنَّ هذا الجزم غير معتبر، لأنَّ كل مناشئه ضعيفة، ومن هنا نقول افترض أنَّ الصدوق جازم بالنسبة ولكن لا يكون حجة في حقنا بسبب ما ذكرناه من ضعف المستندات الثلاثة المحتملة.

وهذا بخلافه في باب التوثيقات الرجالية، فجزم الرجالي هناك حجة علينا، لأنَّ جزم الرجالي لا يحتاج إلى رواية متواترة أو مقرونة بالقرينة القطعية حتى تقول إنَّ عدمها لا أقل يورث الشك إن لم يورث الجزم بالعدم، وإنما التوثيقات تحتاج إلى وضوح عند الرجالي، وكان هذا الوضوح ثابتاً بسبب كثرة الكتب الرجالية في تلك الفترة الزمنية، مثل كتاب ابن عقدة غيره، وقد نقل النجاشي في ستة مواضع من رجاله عند ذكر بعض الأسماء أنه يقول ( ذكره أصحاب الرجال )، وكما أنه يوجد عند الأغا بزرك الطهراني كتاب باسم ( مصفى المقال ) جمع فيه أصحاب الرجال الذين كانت عندهم كتب رجالية، ولكن مثل رجال ابن عقد ورجال الغضائري وغيرهما كانت موجودة في تلك الفترة ولكنها انعدمت فيما بعد، ولكن بقي عندنا منها رجال النجاشي ورجال الشيخ الطوسي، وإلا فهم قد اعتمدوا على كتب رجالية سابقة، فإذاً كانت توجد كتب رجالية متداولة عندهم والكتاب الرجالي لا يذكره النجاشي أو الطوسي وإنما يستند في التوثيق إلى ما ذكره أصحاب تلك الكتب كما هو الحال في زماننا، فنحن نوثق الشيخ الأنصاري والشيخ خضر شلال والشيح حسين نجف والسيد أبو الحسن الأصفهاني فهؤلاء كلّهم نوثقهم وهذا يكون من خلال التراجم الموجودة والتي من خلالها حصل عندنا وضوح في وثاقتهم، فالشيخ الطوسي والنجاشي كانت عندهم مثل هكذا كتب ولكنها تلفت وهم قد اعترفوا بذلك، فذكر النجاشي في ستة مواضع أنه ( ذكره أصحاب الرجال )، يعني أنَّ أصحاب الرجال كانوا موجودين سابقاً ولكن كتبهم قد تلتف، ولا تقل إنَّ الكتب الروائية التي تشتمل على رواية ( لا ضرر ) قد تلفت أيضاً، فنقول إنَّ كتاب الفقه موجود، فإذ كانت روايةً متواترة لذكرت في نفس الفقيه وإذا كانت هناك رواية قطعية السند بسبب القرائن لذكرت في نفس الفقيه، فعدم ذكرها يدل على عدم وجود تواتر أو رواية محفوفة بالقرائن، ولا أقل يشكك في ذلك، فلذلك الجزم بالصدور في باب الروايات لا يكون حجة علينا، بخلافه في جزم الرجالي فإنه ناشئ من الوضوح الحاصل بسبب الكتب الرجالية التي كانت متداولة والتي هي أكثر من مائة كتاب رجالي على ما يقال، فعلى هذا الأساس جزم النجاشي والشيخ الطوسي حينما يشهدان بالوثاقة يوجد احتمال كون جزمه ناشئاً من الوضوح الرجالي في وثاقة هذا وعدم وثاقة ذاك فنأخذ به من باب الوضوح، أما هذا الوضوح فليس موجوداً في باب الروايات، لأنَّ المنشأ إما التواتر ولا الخبر المحفوف بالقرينة أو النقل كابر عن كابر وجميع هذه المناشئ ضعيفو، فإذاً بوجد فارق بين الموردين.

هذا كله بالنسبة إلى البيان الأول لإثبات حجية مرسلة الصدوق.

البيان الثاني لإثبات حجية مرسلة الصدوق[4] :- ما ذكره السيد الشهيد(قده)[5] ، وهذا البيان يرجع في روحه إلى البيان السابق ولكن أضيف إليه تعديل وبسبب هذا التعديل استحق أن يعدّ بياناً ثانياً، وهو مركب من مقدمتين ونتيجة:-

المقدمة الأولى: - إنَّ التعبير والنقل بكلمة ( قال ) يدل على النسبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فالصدوق حينما قال ( ومع قوله صلى الله عليه وآله وسلم ) فهذا يدل على أنَّ الصدوق نسب هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يعبَّر في تقريرات السيد الهاشمي بالنسبة الجزمية وإنما عبّر وقال ( إنَّ تعبيره " ومع قوله صلى الله عليه وآله " يدل على النسبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ) ولم يقل يدل على النسبة الجزمية، وكان من المناسب أن يذكر هذا القيد لأنه أساسي ومهم، كما لم يذكر هذا القيد في تقرير السيد الحائري، ولكن في بحوث فقهية[6] التي هي بقلم السيد الشهيد(قده) ذكر قيد الجزمية حينما تعرض إلى هذا الرأي بمناسبةٍ، فهو في مقام تصحيح مرسلةٍ لابن إدريس أراد أنَّ يطبق هذه القضية وقال إنَّ ابن إدريس نسب هذه الرواية إلى المعصوم عليه السلام بنحو الجزم، فذكر قيد ( بحو الجزم ) هناك ولكن لم يُذكَر هذا القيد في تقريرات السيد الهاشمي(قده).

المقدمة الثانية: - إذا نسب الصدوق الحديث إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال ( مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم ) وترددت هذه النسبة الجزمية بين أن تكون عن حسّ أو عن حدس فنطبّق أصالة الحس ويثبت بذلك أنَّ هذا الانتساب الجزمي كان عن حس.

والنتيجة: - هي أنه إذا كانت النسبة جزمية إلى النبي صلى الله عليه وآله يثبت أنَّ الحديث الذي رواه الصدوق(قده) صادر عن البني عن النبي صلى الله عليه وآله بنحو التواتر، لأنَّ المحصِّل للجزم هو التواتر، فيثبت بذلك أنَّ هذا الحدث كان متواتراً في عصر الشيخ الصدوق(قده)، ولو قلت: - لماذا لم ينقل أصحابنا هذا التواتر كالشيخ الصدوق وغيره؟ قلنا:- إنَّ ديدن أصحابنا وسيرتهم أنهم ينقلون التواتر الحاصل من طريق الأئمة عليهم السلام، أما التواتر الذي يحصل من ورايات الاتجاه الثاني وليس بسبب نقل أئمتنا ورواياتهم فقد جرت سيرتهم على أنهم لا يضبطونه، وبذلك ثبت المطلوب، فإنه يثبت أنَّ رواية لا ضرر وصلت من طريق النسبة الجزمية - يعني من طريق التواتر - وبذلك يثبت المطلوب، ولكن التواتر لا يكون من خلال نقلنا فقط، وإنما من نقلنا ومن نقل الطرف الآخر فهذا المجموع يصير تواتراً، وإنما لم ينقل هذا التواتر في كتب أصحابنا لأنهم يضبطون التواتر الذي يحصل من خلال الروايات الواردة من قبل الأئمة عيهم السلام فقط، أما التي ترد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طرق القوم فلم تجرِ عادتهم على ضبط ذلك التواتر.

وما ذكره السيد الشهيد(قده) لم يرِد البناء عليه وإنما هو توجيه فقط، وإلا فهو قد ناقشه.


[1] يعني أن يكون سبب الجزم هو الرواية المتواترة، يعني نقول إن لا ضرر كانت متوترة عند الصدوق ولذلك جزم بها.
[2] وهو الخبر الواحد المحفوف بالقرينة القطعية.
[3] وهو أنَّ الرواية وصلت إليه كابراً عن كابر.
[4] غير بيان الدراسات.
[5] بحوث في علم الأصول، السيد محمود الهاشمي، ج5، ص437.
[6] بحوث فقهية، السيد الشهيد، ج1، ص203.