الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/04/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.

والجواب عنه واضح: - حيث يقال إنَّ حجية شيء بنحو القطع في حق شخصٍ كالشيخ الصدوق لا يلزم منه أن يكون ذلك حجة في حقنا فإنه لا توجد ملازمة في البين، هذا مطلب قد أشار إليه السيد الخوئي في مصباح الأصول[1] ، فتراجع عن كلامه السابق وقال إنَّ الجزم عنده لا يلازم الجزم عندنا والحجية عليه لا يلزم من ذلك الحجية علينا، وعلى هذا الأساس نقول عن مراسيل الصدوق إنها ليست بحجة حتى لو كانت بنحو البتّ والقطع، لأنَّ الحجية في حق شخصٍ لأنه قاطع لا يلزم منه الحجية في حق الآخرين، هذا ما ذكره السيد الخوئي(قده) في الردّ على نفسه ومناقشة ما ذكره في الدراسات.

ويمكن أن نضيف رداً ثانياً في مناقشة ما ذكر في الدراسات غير ردّ المصباح وذلك بأن يقال: - لو كان جزم شخص وثبوت الحجية في حق نفسه يستلزم الحجية في حق المنقول إليه أيضاً للزم أن لا نفرّق بين ما ذا كان نقل الشيخ الصدوق للرواية المرسلة بلسان ( قال ) التي تدل الجزم أو كان نقله لها بلسان ( روي ) التي لا تدل على الجزم، فسواء كان النقل بنحو الجزم أو لا بنحو الجزم يلزم أن يكون نقله حجة على كلا التقديرين، فسواء قال ( مع قوله صلى الله عليه وأله ) الذي يدل على الجزم أو قال ( مع ما روي عنه صلى الله عليه وآله من أنه لا ضرر ولا إضرار في الإسلام )، فيلزم عدم التفرقة بينهما وكلا الاثنين يكونان حجة في حق الآخرين، وذلك من باب أنَّ الصدوق(قده) قال في مقدمة الفقيه أنا لا أروي إلا ما أفتي به ويكون حجة بيني وبين ربي، ونصّ ما ذكره:- ( ولم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته وأعتقد فيه أنه حجة فيما بيني وبين ربي )[2] ، فهذا التعبير يدل على أنَّ الصدوق جازم بكل هذه الروايات بحيث يفتي على طبقها، فإذاً لا فرق بين أن يعبّر وينقل الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلسان قال أو بلسان روي، فيلزم أن تكون التفرقة باطلة من هذه الناحية.

هذا وقد يناقش ما ذكره السيد الخوئي(قده) في مصباح الأصول تأييداً للدراسات بأن يقال: - إنه في المصباح قال إنَّ جزم الصدوق يستلزم الحجية في حقه ولا يستلزم الحجية في حقنا، وقد ناقش بعض الأعلام ما ذكره حيث قال:- إنَّ جزم الصدوق إذا كان حجة على نفسه فقط ولا يكون حجة علينا يلزم من ذلك سقوط توثيقات الرجاليين عن الاعتبار كالنجاشي والطوسي وغيرهما، باعتبار أنَّ أصحاب الرجال حينما يوثقون شخصاً فأقصى ما يحصل عندهم هو الجزم بوثاقته فيقول هو ثقة، فحينئذٍ نقول إنه بناءً على مقالة السيد الخوئي(قده) في المصباح إنَّ يكون جزم النجاشي بوثاقة فلان لا يلزم منه الحجية في حقنا.

ولو أردت الدفاع وقلت إنه هناك فرق بين الموردين، فإنه في باب التوثيقات الرجالية كان هناك وضوح بسبب كثرة الكتب الرجالية بين الأصحاب، ففي زمن الشيخ الطوسي والنجاشي وصلتهم كتب كثيرة فكان يحصل عندهم وضوح في الوثاقة، فمثلاً الشيخ الأنصاري والشيخ المفيد هل هما من الثقات عندك؟ تقول:- نعم هم من الثقات، وهل أنت عاصرتهم حتى ثبت لك أنهما من الثقات؟ تقول:- كلا وإنما يوجد وضوح في ذلك، وهذا الوضوح حصل بسب الذين كتبوا عن الشيخ الأنصاري وغيره بحيث صارت وثاقة الشيخ الأنصاري واضحة وهكذا وثاقة بقية الأعلام كالشيخ صاحب الكفاية والطوسي وغيرهم، فالمستند في حجية نقل الرجالي هو الوضوح، فكان يوجد عند النجاشي والشيخ الطوسي كتب كثيرة، فكما أنه توجد عندنا كتب ترتبط بالشيخ الأنصاري وغيره وصار عندنا وضوح بوثاقتهم كذلك هم عندهم كتب كثيرة عن الرواة وصار عندهم وضوح فشهدوا بالوثاقة استناداً إلى هذا الوضوح، فتصير شهادتهم مستندة إلى هذا الوضوح فتقبل، وهذا بخلافه في باب الرواية إذا كانت مرسلة فإنَّ مثل هذا الوضوح ليس بموجود حتى نقول إنَّ نقل الشيخ الصدق يكون حجة من باب الوضوح، فإذا كان من باب الوضوح فسوف يكون شهادةً مستندة إلى الوضوح فيكون حجة علينا كحجية قول الرجالي المستندة إلى الوضوح، فإذا أردت أن تقول هكذا فنقول نحن ننقل نفس هذا الكلام إلى باب الروايات فنقول إنَّ الرواية أيضاً يمكن أن يكون المستند في نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كنسبة الشيخ الصدوق حديث لا ضرر ولا ضرار يمكن أن يكون مستنده هو الوضوح لكثرة كتب الحديث في زمانهم كما في كتب الرجال، فيمكن أن يكون المستند هو الوضوح في كلا الموردين، وبهذا يتضح أنَّه إذا اردنا أن نجري أصالة في باب التوثيقات ونقول إنَّ النجاشي حينما وثّق شخصاً إذا كانت أصالة الحس هي المحكّمة والمثبتة لكون نقل قول الرجالي وشهادته بالوثاقة هي مستندة إلى الحس لأصالة الحس فبأصالة الحس نثبت أنَّ مستند الرجالي في توثيقاته هو الحس فيكون حجة، فنفس هذا الكلام يأتي في الروايات، فإنَّ أصالة الحس تجري أيضاً في باب الروايات لكثرة الكتب الرواية، فنقول إنَّ إسناد الرواية إلى المعصوم عليه السلام مستند إلى الحس من باب كثرة الكتب الروائية، فاحتمال الاستناد إلى الحسّ يكون وجيهاً في كلا الموردين.


[1] مصباح الأصول، الخوئي، ج2، ص306.
[2] من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج1، ص3.