الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/03/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.

استعرضنا روايات لا ضرر ثم كان عندنا كلام تحت عنوان البحث السندي وذكرنا بعض النكات السندية التي ترتبط بهذه الروايات، وقد قلنا إنَّ الرواية التي رواها زرارة بتوسط عبد الله بن بكير لا إشكال فيها، أما الرواية الثانية التي رواها أبو عبيدة فقد نقلها عنه الشيخ الصدوق عن الحسن الصيقل، حيث قال الصدوق:- ( وروى الحسن لصيقل عن أبي عبيدة الحذّاء )، وقد قلنا إن أبي عبيدة لا إشكال فيه، ولكن لابد من ملاحظة الحسن الصيقل أولاً ثم طريق الصدوق إلى الحسن الصيقل، وطريق الصدوق إلى الحسن الصيقل والذي نقلنا سابقاً هو ( وما كان فيه عن الحسن بن زياد[1] فقد رويته عن محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه عن علي بن الحسين السعد آبادي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن يونس بن عبد الرحمن عن الحسن بن زياد الصيقل )، وقد قلنا إنَّ المشكلة في هذا الطريق هي في محمد بن موسى بن المتوكل وعلي بن الحسن السعد آبادي فهما لا يوجد في حقهما توثيق واضح، ولو بنيت على أنَّ الترضّي يكفي في اثبات الوثاقة فسوف يصير محمد بن موسى بن المتوكل ثقة، لأنَّ الصدق قد ترضّى عنه، ولكن يبقى علي بن الحسين السعد آبادي فماذا نصنع تجاهه، فهل هناك طريقة للتخلص من المشكلة في هذين الراويين أو لا أقل السعد آبادي؟

ذكر شيخ الشريعة الأصفهاني طريقة لحل هذه المشكلة:- وهي أنه ورد البرقي في السند قبل السعد آبادي - والمقصود من القبلية والبعدية ليست الذكرية والفظ وإنما القبلية والبعدية الزمانية فإن البرقي أسبق زماناً وهو شيخ للسعد آبادي - فورد أحمد بن أبي عبد الله البرقي وهو محمد بن خالد البرقي الثقة، وعليه فسوف نتخلص من مشكلة السعد آبادي، وكذلك لو كانت هناك مشكلة في محمد بن موسى بن المتوكل فسوف نتخلص منها أيضاً، فإنَّ الصدوق له طريق إلى أحمد بن محمد بن خالد البرقي وطريق الصدوق إلى البرقي خالٍ من هذين الشخصين، فعوّض عن هذه الفقرة من هذا الطريق بطريق الصدوق الآخر، قال شيخ الشريعة:- (خامسها[2] إنَّ للصدق طريقاً آخر إلى البرقي صحيحاً بالاتفاق فإنه يروي عنه أيضاً بتوسط أبيه ومحمد بن الحسن بن الوليد عن سعد بن عبد الله عن البرقي )[3] ، فالشيخ الصدوق يروي عن البرقي بتوسط أبيه علي بن الحسين بن بابويه ومحمد بن الحسن بن الوليد وكلاهما من الثقات عن سعد بن عبد الله الأشعري الثقة الجليل عن البرقي، فنعوّض بهذه القطعة من السند بدل تلك القطعة التي قال فيها الشيخ الصدوق ( وما كان فيه عن الحسن بن زياد الصيقل فقد رويته عن محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه عن علي بن الحسين السعد آبادي عن احمد بن أبي عبد الله البرقي ) فنحذف قطعة السند ( محمد بن موسى مع علي بن الحسين ) ونعوض مكانها الطريق الآخر للصدوق إلى كل ورايات البرقي، وحينئذٍ يثبت بذلك صحة الطريق.

ولو تم ما اقترحه شيخ الشريعة فسوف ننتفع به في موارد متعددة.

ويرد عليه: -

أولاً: - إنَّ التعويض بهذا الشكل نقبله إذا كان الشخص مذكوراً في بداية السند فلو كان الشخص في بداية السند فحينئذٍ هذ الكلام يكون وديهاً، يعني أنَّ البرقي كان في بداية السند لا في وسط السند، فحينما يقول الصدوق كل ما رويته عن البرقي فقد رويته بهذا الطريق مقصوده أو لا أقل الظاهر أو لا أقل القدر المتيقن فمقصوده كل ما كان عن البرقي إذا ذكرته أنا الصدوق في بداية السند لا ما إذا ذكر في وسط السند، وهذا الاحتمال موجود وفانا هذا الاحتمال للإجمال فيؤخذ بالقدر المتيقن وهو ما إذا كان البرقي مذكوراً في بداية السند، فإذاً هذه الطريقة لا يمكن تطبيقها هنا وإنما هي مقبولة فيما إذا فرض أنَّ الشخص كالبرقي كان مذكوراً في بداية السند فحينئذٍ يمكن التعويض بالطريق الآخر، ولكن من الواضح نك تستفيد من الطريق الآخر أنه في طريق البرقي هذا إذا كان البرقي مذكور في بداية السند فإن كان في وسط الطريق إلى زرارة مثلاً راوٍ غير ثقة فأنت تعوّض بالطريق الثاني للصدوق، يعني أنَّ الصدوق عنده طريق لروايات البرقي عن فلان عن فلان إلى زرارة ويوجد عند الصدوق طريق آخر للبرقي عن فلان عن فلان إلى زرارة مثلاً فنعوّض بالطريق الثاني عن الطريق الأول لا ما إذا ذكر البرقي في سط الطريق، وعلى أيَّ حال يكفينا الاجمال والشك.

بل يمكن أن نصعد اللهجة ونقول: - إنَّ هذا عادةً لا يتم إلا إذا ذكر الشخص كالبرقي في بداية السند ولا يتم فيما إذا ذكر في وسط السند، فإنه من أين يطّلع الصدوق على أنَّ البرقي وارد في وسط هذا الطريق وفي وسط ذلك الطريق وإنما الذي هو موجود عنده إذا كان مذكوراً في البداية فهذا يمكن أن يتوجه إليه الصدوق ويذكر طريقاً إلى البرقي، أما البرقي المذكور في وسط السند فهذا قد يغفل عنه فكيف يتوجه إليه، فالبرقي الوارد في وسط الأسانيد هو كثير وفقد يكون مائتي مورد أو ثلاث مائة مورد أو اربعمائة مورد أو أكثر فهذا لا يتوجه إليه فلا يمكن للصدوق حينما يذكر طريقاً للروايات البرقي فهو يذك الطريق حتى إلى البرقي الوارد في وسط الطريق، بل يتوجه فميا إذا فرض أنَّ روايات البرقي كانت موجودة والبرقي في بداية الطريق فيقول الصدوق إنَّ هذه الروايات التي رواها البرقي وهي مجموعة في هذا الكتاب وصلت إليَّ بالطريق الفلاني وبالطريق الفلاني، فيمن أن يذكر طرقاً متعددة إليها، أما البرقي المذكور في وسط الطريق كيف يمكن أن يذكر طرقاً متعددة إلى روايته فإنَّ هذا شيء صعب.

ثانياً: - إنَّ التعويض بالطريق الثاني للبرقي يتم إذا كانت الرواية ينقلها الشيخ الطوسي ولا يتم يما إذا كان ينقلها الشيخ الصدوق، لأنَّ الشيخ الطوسي في مشيخته يقول كل ما رويته عن فلان فقد رويته بهذا الطريق وبهذا الطري وبهذا الطريق فيذكر طريقاً أو طريقين أو ثلاثة أو أكثر فتوجد عنده كذا تعبير أما الصدوق فلا يوجد عنده هكذا تعبير في مشيخته، فهو لم يقل كل ما رويته عن فلان - مثل البرقي - فقد رويته هذا الريق وبهذا الطريق، فهو لا يوجد عنده مثل هذه التعابير بحيث يفهم من التعبير أنَّ هذه الطرق الثلاث كلها هي طرق إلى البرقي وكل واحد يقوم مقام الثاني فهذا التعبير خاص بالشيخ الطوسي(قده) ولا يستفاد من الصدوق، لأنه لم يوجد عنده مثل هكذا تعبير حتى نقول إذا كان هذا الطريق إلى البرقي ضعيفاً فنعوّض حينئذٍ بالطرق الأخرى فإنَّ هذا الكلام لا يأتي، لأنه لم يقل كل ما أرويه عن البرقي فإني أرويه بهذا الطريق وبهذا الطريق حتى نستفيد قيام كل طريق مقام الثاني وهكذا.

هذان ردّان على شيخ الشريعة ولا يخفى لطفهما.

هذا وقد تذكر طريقة أخرى للتخلص من مشكلة علي بن الحسين السعد آبادي حيث نقول: - إنَّ السعد آبادي هو من المشايخ المباشرين لابن قولويه صاحب كامل الزيارات، ولابن قولويه(قده) مقدمة في كتابه كامل الزيارات ذكر فيها أني لا أروي إلا ما وقع لي عن الثقات، قال ما نصّه: - ( وقد علمنا بأنا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم الله برحمته ولا أخرجت فيه حديثاً روي عن الشذاذ من الرجال )، والشاهد هو قوله ( ولكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا )، ومقصوده الثقات فقط، فإذاً هو يوثّق من يروي عنهم.

وقد وقع في هذه العبارة اختلاف في أنها هل تفيد توثيق جميع السند أو خصوص المباشرين، وكان السيد الخوئي(قده) يبني على وثاقة جميع السند، وقال البعض إنَّ القدر المتيقن هو خصوص المباشرين، ثم نضم إلى ذلك قضية وهي أنَّ علي بن الحسين السعد آبادي من المشايخ المباشرين لابن قولويه فيكون داخلاً في القدر المتيقن فيثبت بذلك وثاقته، لا أنه واقع بصورة غير مباشرة حتى يكون محلاً للخلاف.


[1] الذي هو الصيقل.
[2] أي خامس الطرق للتخلص من مشكلة السند وتصحيحه.
[3] رسالة لا ضرر، شيخ الشريعة الأصفهاني، ج1، ص33و 34.